Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

من صور تعامله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته أنه في غزوة المريسيع _بني المصطلق_ أوقف الجيش كله؛ لأن عقداً لعائشة انفرط منها فهي تجمع حباته من بين الرمال.

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
النبي -صلى الله عليه وسلم- والبيئة

النبي -صلى الله عليه وسلم- والبيئة

  مطوية فائزة في مسابقة أفضل مطوية - محمد عبد الوهاب السيد

إن حديثنا عن البيئة في حياة النبي –صلى الله عليه وسلم- يجب أن يسبقه الحديث عن لطيفة فقهية ولطيفة لغوية. فاللطيفة اللغوية هي أن التشريعات الإسلامية تضع معايير وضوابط لحياة المسلم في كل حركاته وسكناته وفي كل العصور. ويجب على المسلم أن يضبط هو كل مستجدات عصره وفق هذه المعايير والضوابط، وفي هذا احترام لعقل الإنسان الذي وهبه له الله عز وجل وثقة بقدرته على استنباط الأحكام التي تصلح أمره. فلا يقولن قائل مثلاً إن النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يحرم إلقاء المخلفات الكيميائية في الأنهار لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- قد نهى عن التبول والتبرز في الماء الراكد، وهما أشد أنواع التلوث للثروة المائية في عصره –صلى الله عليه وسلم- ولذلك ينسحب النهي تلقائياً على كل الملوثات المستجدة والتي لم تكن في عصره، صلى الله عليه وسلم.

واللطيفة اللغوية هي أن القرآن والسنة لم يعبرا عن المصطلحات البيئية التي يستخدمها المهتمون بالشأن البيئي في عصرنا الحالي بنفس الألفاظ التي تستخدم بها الآن، وإنما عبرا عنها بألفاظ أخرى أبلغ وأقوى في الدلالة. فلم ترد في القرآن ولا في السنة مثلاً كلمة "التلوث" أو "التوازن البيئي"، ولا يعني هذا أن شريعة الإسلام لم تتناول هاتين القضيتين؛ فالقرآن الكريم يعبر عن التلوث مثلاً بألفاظ مثل: "الفساد" وهو يحذر منه كثيراً ويذم "المفسدين" "الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون". .. ومن هذا كثير في القرآن وفي السنة، والفساد أشمل من التلوث لأنه يدل على الفساد المادي والفساد المعنوي أيضاً مثل فساد الأخلاق ونشر الرذائل. كما يعبر عن "التوازن البيئي" بلفظ "الميزان"، فالله سبحانه وتعالى هو الذي "وضع الميزان" ونهى الناس أن يطغوا في الميزان أو أن يخسروا فيه. ولفظ الميزان من نفس مادة التوازن، ولكن الأولى أبلغ وأقوى من الثانية في الدلالة. ويعبر الإسلام أيضاً عن التوازن البيئي بألفاظ مثل "القدر" و"التقدير"، فالله سبحانه وتعالى خلق كل شيء بقدر، وقدر كل شيء تقديراً... إلى آخر ذلك. بل إن لفظ "البيئة" لم يرد أيضاً في القرآن أو السنة، ولكن يعبر عنه الإسلام بالحديث عن عناصر البيئة مثل السماء والأرض، أو البر والبحر، أو عن المعادن مثل الحديد. .. وغير ذلك.

فإذا علمنا هاتين اللطيفتين على بساطتهما لم يشق علينا بعد ذلك أن نستخرج من نصوص الكتاب والسنة أوامر تفصيلية بالإحسان إلى البيئة والحفاظ عليها، أو أن نستخرج تحليلات للقضايا التي تؤرق نوم المهتمين بالشأن البيئي في العالم وحلولا مفصلة لها.

فقد اهتمت السنة النبوية اهتماماً شديداً بالغرس والزرع في جملة أحاديث:

فقد روى البخاري ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة). وفي معنى هذا الحديث أحاديث أخرى كثيرة.

و روى أحمد في مسنده والبخاري في (الأدب المفرد) عن أنس أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها).

وليس هناك تشجيع وحث على التشجير أقوى من هذا الحديث، فكأنه دعوة إلى أن يكون العمل هدفاً في ذاته وليس وسيلة، لأنه في هذه الحالة لن يأكل صاحب الغرس من ثمر غرسه، ولن يأكل أحد غيره منه لأن الساعة على وشك القيام، ولكن يؤدَّى العمل هنا لذاته لأنه عبادة لله عز وجل.

وقد أمر القرآن والسنة بعمارة الأرض. وعمارة الأرض لفظ عام وهو يشمل زراعتها وإقامة المصانع والتجمعات السكنية عليها، وغير ذلك مما فيه منفعة البشر واستفادتهم منها. ويقول الله عز وجل في كتابه على لسان نبيه صالح: {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها}. (هود: 61) فكأن هذا الاستعمار –أو الأمر بالعمارة- أحد مقاصد خلق الإنسان في الأرض.

و قد كافأ النبي –صلى الله عليه وسلم- الذي يعمر الأرض المهجورة أو غير المنتفع بها، أو الذي عبر عنه النبي –صلى الله عليه وسلم- بأنه أحيا الأرض الميتة بأن ملكه هذه الأرض التي أحياها.

فقد روى الترمذي وأبو داود والنسائي وغيرهم عن سعيد بن زيد –رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أحيا أرضاً ميتة فهي له)). وفي رواية للبخاري عن عائشة –رضي الله عنها-: ((من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها)).

و هذا هو ما فهمه عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- الذي كان ينهى الناس أن يحتجزوا الأرض ولا يعمروها، وقد قال لبلال بن رباح الذي أقطعه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أرض العقيق: ((إن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لم يقطعك لتحتجزه عن الناس، وإنما أقطعك لتعمل، فخذ منها ما قدرت على عمارته ورد الباقي)).

و قد جاءت الأوامر القرآنية والنبوية كذلك بالمحافظة على الموارد وعدم إهدارها. فمن الآيات القرآنية الآمرة بذلك: ((ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها)) (الأعراف: 56) و(الأعراف 85) ((ولا تعثوا في الأرض مفسدين)) (البقرة: 60)) و(الأعراف 74) ((والله لا يحب المفسدين)) (المائدة: 64) ((والله لا يحب الفساد)) (البقرة: 205)). .. وغير ذلك كثير. والفساد في الأرض إما أن يكون مادياً بالتخريب أو التلويث أو الإتلاف، وإما أن يكون معنوياً بالفساد الخلقي ونشر الرذائل. وكذلك جاءت الأوامر النبوية بالحفاظ على الموارد والثروات.

فإذا تحدثنا عن الأوامر القرآنية والنبوية بالحفاظ على الثروة الحيوانية نجد أن الأوامر بالمحافظة عليها قد وردت بأساليب شتى من الترغيب والترهيب.

ففي سورة الأنعام يقول الله تعالى: ((وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون)) (الأنعام: 138) فالآية فيها وعيد شديد لمن عطل الثروة الحيوانية ومنعها عن الناس.

و روى النسائي وأحمد عن الشريد الثقفى –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قتل عصفوراً عبثاً، عج إلى الله يوم القيامة يقول: يا رب، إن فلاناً قتلني عبثاً ولم يقتلني منفعة)).

و روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يوردن ممرض على مصح)). وهو أمر بالحفاظ على الحيوانات بعدم اختلاط الحيوانات المريضة والحيوانات الصحيحة.

وروى مسلم عن أبي هريرة أن النبي –صلى الله عليه وسلم- نزل عند رجل فأراد أن يكرمه الرجل بذبح شاة، فقال له النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((إياك والحلوب)). وهو نهي عن ذبح الشاة التي تحلب اللبن لأن في ذلك تعطيل لمصلحة الناس بها.

وروى البخاري ومسلم أيضاً أن النبي –صلى الله عليه وسلم- رأى شاة ميتة فأمر أصحابه بالانتفاع بجلدها رغم أنها ميتة يحرم أكلها.

وهذه الأحاديث كلها توضح مدى عناية النبي –صلى الله عليه وسلم- بالحفاظ على الثروة الحيوانية.

فإذا تحدثنا عن الحفاظ على الثروة النباتية، نجد حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- الذي رواه أبو داود وصححه الألباني عن عبد الله بن حبشي –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار)). وهو وعيد شديد لمن قطع الأشجار بغير حق.

ومن الضرورات القليلة التي يجوز فيها قطع الأشجار الحرب، ففي غزوة بني النضير أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- بقطع بعض الأشجار التي كان يختفي خلفها المشركون، فكأنهم تحدثوا أنه –صلى الله عليه وسلم- يخالف ما نهى عنه من قبل، فنزلت الآيات الكريمة في سورة الحشر: ((ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزى الفاسقين)) (الحشر: 5) فتأمل أيها القارئ الكريم كيف أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان معلوماً بالحفاظ على البيئة حتى تعجب أعداؤه كيف يقطع بعض الأشجار لضرورة الحرب والجهاد!

فإذا تحدثنا عن حفاظ النبي –صلى الله عليه وسلم- على الثروة المائية، نجد أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قد نهى عن البول والبراز في الماء، وهو أشد أنواع التلوث في عصره، فينسحب هذا النهي على كل الملوثات المعاصرة.

فقد روى أبو داود وابن ماجة وغيرهما –و صححه الألباني- عن معاذ بن جبل عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ((اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل)).

وروى أبو داود وابن ماجة وغيرهما –و صححه الألباني- عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة)).

وقد وردت أحاديث عديدة بهذا المعنى.

وروى أبو داود أيضاً – وصححه الألباني عن عبد الله بن مغفل قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنه سيكون قوم من أمتي يعتدون في الطهور والدعاء)). ففي الحديث نهي واضح عن الإسراف في الماء ولو في الطهارة الشرعية المأمور بها، وهو ما فهمه أبو داود عندما روى الحديث في (باب الإسراف في الماء).

و لذلك أخبرنا القرآن الكريم أن الفساد في البر والبحر هو مسؤولية الإنسان وهو حصيلة ما جنت يداه، وهو يدعوه عن الرجوع والتوقف عن كل ما يسبب هذا الفساد، فيقول سبحانه وتعالى: ((ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)) (الروم: 41)

ومن الأمور المهمة للمهتمين بالشأن البيئي عموماً أن يعلموا أن الهدى النبوى كان يأمر بالحفاظ على التوازن البيئي.

فقد وردت الأوامر النبوية التي تنهى عن قتل نوع من مخلوقات الله عز وجل بشكل جماعي لأنه ما من شيء خلقه الله سبحانه وتعالى إلا لحكمة، وقتل أي من المخلوقات بشكل جماعي يؤدي إلى اختلال في البيئة، ولو كان مما يأنف الناس منه كالنمل، أو مما كان يأنف منه العرب خصوصاً كالكلاب.

فقد روى أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن عائشة –رضي الله عنها- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ((لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها الأسود البهيم)).

وروى البخاري عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: ((قرصت نملة نبياً من الأنبياء فأمر بقرية من النمل فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمة تسبح الله؟)) وفي رواية: ((فهلا نملة واحدة؟))

فتبين من الحديث أنه لو قتل النملة التي قرصته دون غيرها لما عوتب، وإنما لما غضب وقتل أمة كاملة كان هذا مدعاة لعتابه من الله عز وجل.

و استدل بعض العلماء أيضاً على هذا المعنى بأن الله تعالى لما أمر نبيه نوحاً بركوب الفلك أو السفينة، لم يسمح له بنسيان المخلوقات الأخرى بل أمره أن يحمل على السفينة ذكراً وأنثى من كل هذه المخلوقات. ومن الآيات القرآنية التي ذكرت هذا التوجيه الربانى لنوح: ((فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم)) (المؤمنون: 27).

و يتبين لنا مما سبق أن المنظور النبوي للحفاظ على البيئة له ثلاثة منطلقات أساسية:

المنطلق الأول هو عنصر المنفعة، فالإسلام يحث البشر على الانتفاع بعناصر البيئة، والحفاظ عليها لاستمرار هذه المنفعة.

و من أهم ما يدل على هذا المعنى ما رواه النسائي وأحمد عن الشريد الثقفي –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قتل عصفوراً عبثاً، عج إلى الله يوم القيامة يقول: يا رب، إن فلانا قتلني عبثاً ولم يقتلني منفعة)).

و المنطلق الثاني هو عنصر الجمال، فقد روى مسلم وغيره عن عبد الله بن مسعود عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (( إن الله جميل يحب الجمال)). ووضح هذا أيضاً من آيات عديدة في كتاب الله عز وجل، فالله عز وجل يصف النباتات في كثير من آيات كتابه بأنها ((حدائق ذات بهجة)) ويصف أزواج النباتات بأنها ((زوج بهيج)). كما أن الله تعالى لم يأمرنا فقط بالأكل من النباتات، وإنما أمرنا أيضاً بالنظر إليها ((انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه)) (الأنعام: 99) وذلك لنستمتع بمنظرها الجميل ولنعرف نعمة الله تعالى علينا.

و المنطلق الثالث هو منطلق أخلاقي بحت، فالنبي –صلى الله عليه وسلم- علمنا أن المخلوقات الموجودة في البيئة أمم مثلنا تسبح الله، وهو ما يجعل لها حقوقاً في الحفاظ عليها، وعدم إتلافها أو قتلها إلا للمصالح المعتبرة. وقد تبين لنا هذا من الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: ((قرصت نملة نبياً من الأنبياء فأمر بقرية من النمل فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمة تسبح الله؟)) وهذا المعنى موجود أيضاً في القرآن الكريم في قولة تعالى: ((و ما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم)) (الأنعام: 38) وكذلك في قوله تعالى: ((ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب)) (الحج:18) وهذه الآيات الكريمة وغيرها تشير إلى الإنسان باعتباره أحد عناصر البيئة، ومن ثم عليه أن يحافظ على العناصر الأخرى وألا يتلفها. ويخبرنا الله تعالى في آيات أخرى أنه سبحانه وتعالى قد سخر عناصر البيئة الأخرى للإنسان كالشمس والقمر والحيوانات وغيرها، وهذا يفرض على الإنسان مسؤولية الحفاظ عليها وصيانتها شكراً لله تعالى على نعمته.