Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          النبي في القرآن:

قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، لفظ الآية يدل على العموم للمؤمنين وغيرهم، وهو قول ابن عباس واختاره ابن جرير، أما المؤمنون فقد تمت لهم الرحمة، وأما المنافقون فقد كان يعاملهم بناء على ظواهرهم معاملة المسلمين، وأما الكفار فلم يقبلوا الرحمة التامة، لكن عوفوا بسببه من عقوبات الأمم السابقة في الدنيا، وعاش المعاهدون منهم في كنف الإسلام مرحومين بأحكامه .

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية

You are missing some Flash content that should appear here! Perhaps your browser cannot display it, or maybe it did not initialize correctly.

الشيخ الدكتور خالد بن عبد الرحمن الشايع  
تحميل الصوت نص البرنامج كاملا


بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وبعد، فأرحب بكم مستمعي الكرام في هذه الحلقة من مواقف من بيت النبوة، ونستهلها بما رواه الأمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه بسند صحيح عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: جاء أبو بكر -رضي الله عنه- يستأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأذِن له، فدخل فقال: "يا ابنة أم رومان، وتناولها - يعني ليعنِّفها على رفعها صوتها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال:" أترفعين صوتك على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فحال النبي -عليه الصلاة السلام-  بينه وبينها، قال: فلما خرج أبو بكر؛ جعل النبي يقول لها يترضَّاها: (ألا ترين أنِّي قد حِلْتُ بين الرجل وبينك) قال: ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه، فوجده يضاحكها قال: فأذِن له، فدخل، فقال له أبو بكر: "يا رسول أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما" يعني: في خصومتهما.

 

وهذا الموقف يبيِّن ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الحلم والتواضع، فلم تدفعه مكانته أو قوامته للتكبر أو المكابرة عن معاشرة أهله بالحسنى، وإن وقع منهم خطأ أو نحوه، وأن يكون هو البادئ بالإصلاح، قال القاضي عياض -رحمه الله-: "وقد وردت الآثار الصحيحة بحسن عشرته -صلى الله عليه وسلم- ومباسطتهم، وكذلك عن السلف الصالح"، وقد كان الإمام مالك يقول في ذلك - أي: في حسن عشرة الرجل لأهله-: "فيه مرضاة لربك، ومحبة في أهلك، ومثراةٌ في مالِك، ومنسأة في أجلك"، قال: وكان مالك يقول: "يجب على الإنسان أن يتحبَّب إلى أهل داره حتى يكون أحب الناس إليهم" ا.هـ ملخصًا.

 

والناظر في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ يجده عليه الصلاة والسلام كذلك يُظْهِر اللطف والرحمة والمودة، ويدخِل السرور على أهله، ومما يبين هذا ما رواه الإمام أحمد في المسند وابن ماجه وأبو داود عن عائشة -رضي الله عنها- أنَّها كانت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر وهي جارية – تعني أنها صغيرة السن شابة خفيفة-، فقال -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: (تقدَّموا)، ثم قال: (تعالي أسابقك)، فسابقته، فسبقته على رجلي، فلما كان بعد، وفي رواية قالت: فسكت عني، حتى إذا حملت اللحم وبدَنت، ونسيت؛ خرجت معه في سفر، فقال لأصحابه: (تقدَّموا) ثم قال: (تعالي أسابقك)، ونسيت الذي كان، وقد حملت اللحم، فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذا الحال؟ فقال: (لتفعلن)، فسابقته، فسبقني، فجعل يضحك وقال: (هذه بتلك السبقة)، قال الحافظ المنذري –رحمه الله-: "فيه ما كان عليه -صلى الله عليه وسلم- من كرم الأخلاق وحسن المعاشرة مع الأهل وتطييب قلوبهم "ا.هـ.

 

وهذه المسابقة كانت بعد أن قارب النبي -صلى الله عليه وسلم- الستين من العمر، فهي:

 

* تدلُّ على فتوة الروح وسماحتها حتى أراد -صلى الله عليه وسلم- أن يدخِل البهجة والدعابة على أهل بيته إلى حدِّ السباق بين الزوج وزوجته، ولِما في ذلك من ترويح للنفس بحيث تتحمَّل تبعات بناء الحياة في جوٍّ من الفضيلة والسعادة معها.

 

* وفي هذا إماء إلى من اعتادت نفسه العبوس والتسخُّط أن يدع ذلك، وأن يقتدي بنبيه -صلى الله عليه وسلم-.

 

* وفيه إيماء أيضًا وتنبيه إلى أولئك الذين يظنون أنَّ التحضُّر والتمدُّن إنَّما هو بتقليد الكفار والتشبه بهم في كل شأن ولو كان فيه مخالفة  لهدي الإسلام والخروج عن آدابه، فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسابق زوجته، ولكن ليس أمام الناس، بل أمر أصحابه أن يتقدَّموا، فتقدَّموا، فممارسة شيء من أنواع الترويح عن النفس لا تستلزم التخلي عن الحشمة والفضيلة كما يقع من بعض الناس.

 

وها هو -عليه الصلاة والسلام- في مناسبة أخرى يُظْهِر لإحدى زوجاته حفاوته بها واعتناءه بأمرها، يوضِّح هذا ما رواه مسلم في صحيحه عن أنس -رضي الله عنه- أنَّ جارًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فارسي كان طيب المرق، فصنع لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- طعامًا، ثم جاءه يدعوه، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (وهذه لعائشة؟) –يعني أتأذن أن تأتي معي لتطعم معي؟-، فقال الفارسي: لا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا) -يعني لا يجيبه لدعوته-، فعاد يدعوه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وهذه؟) فقال: لا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا)، ثم عاد يدعوه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وهذه؟)، قال: نعم في الثالثة، فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله" ا.هـ، -يعني يمشي كلُّ واحد منهما في أثر صاحبه-.

 

قال القرطبي رحمه الله في شرحه لقول أنس -رضي الله عنه-: "كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- جارٌ فارسي طيب المرق قال:

 

* فيه دليل على جواز تطيب الأطعمة والاعتناء بها، قلت ولكن ينبغي أن لا يصل إلى حدِّ الإسراف؛ فقد قال الله –تعالى-: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلَا تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].

 

* كما ينبغي للنساء أن لا يجعلن معظم الوقت في الطبخ وإعداد أنواع الأطعمة، وخاصة في شهر رمضان، فيفوتهن بسبب ذلك كثير من أعمال الخير، وخاصة تلاوة القرآن الكريم، ويكفي أن تعدَّ نوعين من الأطعمة مما يشتهيه أهل البيت.

 

وقال القرطبي: "وامتناع الفارسي من الإذن لعائشة؛ لأنَّه كان قد صنع من الطعام ما يكفي النبي -صلى الله عليه وسلم- وحده، فكأنَّه رأى أنَّ مشاركة النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك إجحاف به -عليه الصلاة والسلام-.

 

وأمَّا امتناع النبي -صلى الله عليه وسلم- من إجابة الفارسي عند امتناعه من الإذن لعائشة إنَّما كان -والله أعلم-؛ لأنَّ عائشة كان بها من الجوع مثل الذي كان بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فكره -عليه الصلاة والسلام- أن يستأثر عليه بالأكل دونها، وهذا تقتضيه مكارم الأخلاق، وخصوصًا مع أهل بيت الرجل، ولذلك قال بعض الشعراء:

 

وكلهم قد نال شِبعًا لبطنه      وشِبع الفتى لؤمٌ إذا جاعَ صاحبُه

وقد نبَّه الإمام مالك -رحمه الله- لهذا المعنى حين سُئل عن الرجل يدعو الرجل يكرمه قال: "إذا أراد؛ فليبعث بذلك إليه يأكله مع أهله" ا.هـ.

 

وقال الإمام النووي -رحمه الله- الله معلِّقًا على اشتراط النبي -صلى الله عليه وسلم- مصاحبة عائشة له في تلك الدعوة: "وهذا من جميل المعاشرة وحقوق المصاحبة وآداب المجالسة المؤكدة، قلت وفي قصة دعوة الفارسي هذه بيان ما كان عليه الصحابة من محبة للنبي -صلى الله عليه وسلم- ومراعاة لخاطره؛ فإنَّ هذا الجار الفارسي دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لذلك المرق الطيب الذي كان يصنعه، وأراد أن لا يشاركه فيما أعده له حتى لا ينتقصه.

 

ولنختم هذه الحلقة مستمعي الكرام بما أخبرت به أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن عناية النبي -صلى الله عليه وسلم- ورقته في معرفة مشاعرها وانطباعاتها حتى صار يعلم رضاها وغضبها من كلامها وحَلِفَها، وذلك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنِّي لا أعلم إذا كنتِ عني راضية، وإذا كنتِ عليّ غضبى)، قالت: فقلت من أين تعرف ذلك؟ فقال: (أما إذا كنتِ عني راضية؛ فإنَّك تقولين –يعني إذا أقسمت أو حلفت-: لا ورب محمد، وإذا كنتِ غضبى؛ قلتِ: لا ورب إبراهيم)، قالت: قلت: أجل والله  يا رسول ما أهجر إلَّا اسمك".

 

وهذا فيه دلالة ظاهرة على فطنة عائشة وذكائها وشدة محبتها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها وأرضاها-، وفيه تنبيه أيضًا إلى ما يقع فيه بعض الناس من الخطأ بالحلف بغير الله -جلَّ وعلا-، فانظر فإنَّ عائشة لم تقل: ومحمد، أو إبراهيم، بل قالت: ورب محمد ورب إبراهيم، وبهذا يُعْلَم خطأ كثير من الناس الذين يحلفون بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، أو بالكعبة، أو بالأمانة، أو بغير ذلك من المخلوقات، فالواجب الحلف والإقسام بالله -جلَّ وعلا-، أو بصفة من صفاته، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من حلف بغير الله؛ فقد كفر أو أشرك).

 

 وفَّقنا الله وإياكم لهداه ورزقنا حَوْزَ رضاه، وإلى لقاء الحلقة القادمة وفي كلِّ حين، أحاطكم الله برعايته وعنايته، والسلام عليكم رحمة الله وبركاته.

المقطع المختار من قسم مقاطع الفيديو