Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-عن عائشة قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"رواه مسلم         

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
hiwar2_thumbnail.jpg

فمن الطرق المجدية في الحوار مراعاة المآلات، وتنزيل الحوار على مقتضيات الأحوال.

ولقد كان _عليه الصلاة والسلام_ يأخذ بهذا الأسلوب، ومن مظاهر أخذه به ما يلي:

1_ التذكير بالعاقبة في الحوار: ومن ذلك تذكير المحاوَر _إذا كان يراد دعوتُه إلى الإيمان_ بما يصير إليه المتقون من عزٍّ وسلامة، وما يلحق المجرمين من خزيٍ ومهانة وندامة.

ومن التذكير ما يرجع إلى البشارة بالخير في الدنيا، والحسنى في الآخرة، ومنه ما يرجع إلى الإنذار بسوء المنقلب في هذه الدار، أو عذاب الهُوْن في تلك الدار.

وللبشارة والإنذار أثر كبير في حث المؤمنين على الحسنات، وردعهم عن السيئات.

وأثر البشارة والإنذار في غير المؤمن أنهما يدعوانه إلى النظر في الدعوة، وإذا نظر برَويَّةٍ أدرك أنها حق؛ فيفتح لها صدره، ويمدُّ لها عنقه مذعناً.([1])

ومن أمثلة ذلك ما جاء في الصحيحين أن أبا ذر ÷ قال: أتيت النبي " وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ فقال: =ما من عبد قال لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة+ قلت: وإن زنى، وإن سرق، قال: =وإن زنى، وإن سرق+ قلت: وإن زنى، وإن سرق، قال: =وإن زنى، وإن سرق+ قلت: وإن زنى، وإن سرق، قال: =وإن زنى، وإن سرق على رغم أنف أبي ذر+.

وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر([2]).

 2 _التمهيد في العرض، وتنزيل الأمور على أحوال المحاورين: ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي أمامة في قصة الشاب الذي استأذن النبيَّ" في الزنا، فتدرج معه النبي " في خمسة أسئلة حتى اقتنع الفتى بحرمة الزنا، وخرج وقد طابت نفسه.

قال أبو أمامة ÷: =إن فتى شاباً أتى النبي " فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا؛ فأقبل القوم عليه، فزجروه، قالوا: مه مه، فقال: ادْنه، فدنا قريباً، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم.

قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصِّن فرجه؛ فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء+.([3])

فانظر إلى هذا الحوار الراقي الذي قَلَب قناعة ذلك الشاب رأساً على عقب، وذلك بعد أن مَهَّد له بخمسة أسئلة عَمِلَتْ عَمَلَها في قلب ذلك السائل.

3_ تحديث المحاورين بما يعرفون: فمن حسن السياسة والحكمة في الحوار أن يُخاطب كلُّ قوم بما يفهمون، وأن يُتَحامى مخاطبةُ أحدٍ بما لا يحتمله عقله؛ فذلك أدعى لقبول المحاورة، والبعد عن مواطن النفرة والتكذيب.

قال أمير المؤمنين علي ÷: =حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟!+.([4])

وقال ابن مسعود ÷: =ما أنت بمحدِّث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة+.([5])

وقال ابن الجوزي ×: =من المخاطرات العظيمة تحديث العوام بما لا تحتمله عقولهم، أو بما قد رسخ في نفوسهم ضده+. ([6])

وقال: =فالله الله أن تحدث مخلوقاً من العوام بما لا يحتمله دون احتيال وتلطف؛ فإنه لا يزول ما في نفسه، ويخاطر المحدِّث له بنفسه+. ([7])

ومما يعين على فهم السامعين، وعَقْلهم لما يلقى إليهم، ووقوعه في قرارات نفوسهم_ أن تكون المحاورة بألفاظ مأنوسة، وتأليف محكم، ومعانٍ بارزة.

وهكذا كانت محاورات النبي " وخطبه؛ فهي مصوغة بألفاظ مألوفة، ومعانٍ قريبة المأخذ.

وهي مع قرب معانيها من أذهان الجمهور قد حازت في مراقي البلاغة الأمد الأسمى.([8])

قال أبو هلال العسكري ×: =فمدار البلاغة على تخيُّرِ اللفظ، وتخيُّرُه أصعب من جمعه وتأليفه+. ([9])

وقال: =قال أبو داود: رأس الخطابة الطبع، وعمودها الدَّرَبة، وجناحها رواية الكلام،وحَلْيها الإعراب،وبهاؤها تخير الكلام، والمحبة مقرونة بقلة الاستكراه+.([10])

ولهذا فإن المحاور البارع هو الذي يصوغ محاوراته بما تحتمله العقول؛ فللعامة لغة، وللخاصة لغة، وللكبار لغة، وللصغار لغة، وللرجال لغة، وللنساء لغة، وهكذا، وقد مرَّ شيء من هذا القبيل في فقرة ماضية.

ومن تحديث الناس بما يعقلون أن تكون المحاورة ملائمة لكافة الطبقات خصوصاً إذا كانت عامة، أو في مكان عام؛ إذ هي تُلْقى على طبقات من الناس متفاوتة في العلم والفهم؛ فيحسن بالمحاور ألا يتعرض في محاورته إلى المسائل التي قد يتعثر فهمها على كثير منهم، أو أن يتناولوها على غير وجهها.

وكانت محاورات الرسول " جارية على هذا النحو؛ بحيث يستوي في فهمها الطبقاتُ المختلفةُ دون أن يجدوا فيها ما ينبو عنه الفكر، أو يحار فيه العقل. ([11])

ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في صحيح مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي ÷: =كانت لي جاريةٌ ترعى غنماً لي قبل أحد والجوانيَّة، فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاةٍ من غنمها، وأنا رجل من بنى آدم آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكَّةً، فأتيت رسول الله " فعظَّم ذلك علي، قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها، قال: =ائتني بها+ فأتيته بها، فقال لها: =أين الله؟+ قالت: في السماء، قال: =من أنا؟+ قالت: أنت رسول الله، قال: =أعتقها فإنها مؤمنة+([12]).

ففي هذا الحديث تَنَزَّل النبيُّ"مع الجارية، وحدثها بما تعقل، وسألها عن أمرين من أعظم الأمور في الدين، وهما الإيمان بأن الله في السماء، والشهادة للنبي" بالرسالة.

ومن عظم هذين الأمرين فهما من الوضوح والبيان بمكان؛ حيث إنهما أمران يدركان بالفطرة، وببادئ النظر؛ فهما لا يحتاجان إلى كبير فهم، أو إعمال للذهن؛ لذا أجابته الجارية على الفور؛ فكان ذلك علامة إيمانها، واستحقاقها للعتق.

4_ إنهاء الحوار إذا لم يأت بفائدة: ففي بعض الأحايين لا يجدي الحوار؛ فيكون الاستمرار فيه ضرباً من الهذيان الذي يصير ضرره أكثر من نفعه؛ ففي مثل ذلك يحسن التوقف، وقطع الحوار؛ فذلك أدب رفيع، ونظر في العواقب بعيد؛ إذ لو استمر الحوار _ والحالة هذه _ لربما كانت العاقبة وخيمة.

ولقد كان _عليه الصلاة والسلام_ يأخذ بهذا الأسلوب الرفيع، فكان يحاور ما نفعت المحاورة؛ فإذا لم تَعُدْ تجدي أنهى الحوار، مراعياً مقتضى الحال، ناظراً في المآل.

ويشهد لذلك شواهد منها ما جاء في الصحيحين أن علياً ÷قال: =كانت لي شارف([13]) من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان رسول الله " أعطاني شارفاً من الخمس يومئذ فلما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله " واعَدْتُ رجلاً صواغاً من بني قينقاع يرتحل معي، فنأتي بإذخر أردت أن أبيعه من الصواغين؛ فأستعين به في وليمة عرسي، فبينا أنا أجمع لشارفيَّ متاعاً من الأقتاب، والغرائر، والحبال، وشارفاي مُنَاخان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار، وجمعت حين جمعت ما جمعت؛ فإذا شارفاي قد اجْتُبَتْ أسنمتهما، وبُقِرَتْ خواصرهما، وأخذ من أكبادهما؛ فلم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر منهما، قلت: من فعل هذا؟ قالوا: فعله حمزة بن عبدالمطلب، وهو في هذا البيت في شَرْب([14]) من الأنصار غَنَّتْهُ قينة وأصحابه فقالت في غنائها:

ألا يا حمزُ للشُّرُفِ النِّواء([15])

 
 ...........................................

 

 فقام حمزة بالسيف فاجتب([16]) أسنمتهما، وبقر خواصرهما، فأخذ من أكبادهما، قال علي: فانطلقت حتى أدخل على رسول الله " وعنده زيد بن حارثة، قال: فعرف رسول الله " في وجهي الذي لقيت، فقال رسول الله ": =ما لك؟+ قلت: يا رسول الله، والله ما رأيت كاليوم قط، عدا حمزةُ على ناقتيَّ فاجتب أسنمتهما، وبقر خواصرهما، وها هو ذا في بيت معه شَرْب، قال: فدعا رسول الله " بردائه فارتداه، ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء الباب الذي فيه حمزة، فاستأذن فأذنوا له؛ فإذا هم شرب، فطفق رسول الله" يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة محمرة عيناه فنظر حمزة إلى رسول الله" ثم صَعَّد النظر إلى ركبتيه، ثم صَعَّد النظر فنظر إلى سرته، ثم صَعَّد النظر فنظر إلى وجهه، فقال حمزة: وهل أنتم إلا عبيد لأبي؛ فعرف رسول الله " أنه ثمل([17]) فنكص رسول الله " على عقبيه القهقرى وخرج وخرجنا معه+([18]).

فالنبي " ذهب إلى حمزة ÷ يريد محاورته بالذي حصل منه، فلما بدأ _عليه الصلاة والسلام_ يلومه على صنيعه، وانتظر جواب حمزة _ لم يجد عنده جواباً يشفي، وإنما وجد رجلاً قد شرب من الخمر حتى الثمالة؛ فلم يعد فيه بقية من عقل كي يأخذ أو يعطي كما يفعل الرجل السوي؛ فأجابه إجابة تنم عن حاله التي هو عليها من جهة أن عقله قد غطَّته الخمر، فقال: =وهل أنتم إلا عبيد لأبي+.

فأدرك _عليه الصلاة والسلام_ من نظرات حمزة، ومن جوابه أنه في غير وعيه، فقطع الحوار، وانصرف؛ لأن الحوار لا فائدة منه.

وهذه خير وسيلة إذا كان الأمر كما ذكر.

وما من ريب أن ذلك الحدث كان قبل تحريم الخمر.([19])

وبهذا ينتهي الحديث عن الفصل الثالث الذي يدور حول أساليب الحوار في السيرة النبوية.

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] _ انظر محمد رسول الله وخاتم النبيين ص 111_112.

[2]_ البخاري (5489) ومسلم (94).

[3] _ أحمد 5 / 256، 257، وقال الألباني في الصحيحة (370): =وهذا سنده سند صحيح، رجاله كلهم رجال الصحيح+.

[4] _ أخرجه البخاري (127).

[5] _ أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه (5).

[6] _ صيد الخاطر ص74.

[7]_ صيد الخاطر 75.

[8] _ انظر محمد رسول الله وخاتم النبين ص185.

[9] _ كتاب الصناعتين ص23.

[10] _ كتاب الصناعتين ص 58.

[11] _ انظر محمد رسول الله ص187.

[12]_ مسلم (537).

[13] _ الشارف: هي الناقة المسنة. انظر صحيح مسلم بشرح النووي ح(1979).

[14] _ الشَّرْب: الجماعة الشاربون.

[15] _ النِّواء: السمينة.

[16] _ اجتب: أي قطع.

[17] _ ثمل: سكران.

[18]_ البخاري (2089 و 2375 و 3091) ومسلم (1979).

[19] _ انظر صحيح مسلم بشرح النووي 3/126.