رمضـان … فضـائل وبشـائر

بقلم : د. خالد بن عبد الرحمن الشايع الأمين العام المساعد للمركز العالمي للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم ونصرته
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد خاتم المرسلين وسيد الأولين والآخرين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد .
ففي أيام رمضان الزاهية ولياليه المسفرة يعيش المسلمون في أقطار الأرض شهراً كريماً وموسماً عظيمً ، يجود الله الجواد الكريم فيه على عباده بأنواع من الخيرات ويفيض عليهم من أنواع بره وبركات إحسانه وهو سبحانه ذو الفضل العظيم .
رمضان وما أدراك ما رمضان وما جعل الله له من الخصائص والمزايا ، تلك الميزات التي ينبغي على كل مسلم ومسلمة أن يبادر معها لاستثمار جميع أوقات الشهر وساعاته ، وأن يستفرغ الجهد والطاقة في تحصيل الثواب والابتعاد عن كل يجلب له السخط والعقاب .
وفي الأسطر التالية إشاراتٌ مختصرة لبعض ما تضمنته النصوص الشرعية المرغبة في بركات شهر الصيام وأعماله ، نبَّه إليها أهل العلم في مصنفاتهم ، نسوقها في الدقائق التالية لتكون النفس أنشط في المسابقة إلى الخير والمسارعة إليه ، ونحن نلخص من ذلك ما تيسر وبخاصةٍ ما حرره الحافظ عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي الدمشقي المتوفى عام 795 للهجرة رحمه الله وأسكنه الجنة :
أولاً : الصوم ومزيته على سائر الأعمال :
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى ـ عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل عمل بن آدم يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله عز وجل إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك " [1].
وفي هذا الحديث فوائد وفضائل وبشائر منها :
عظم عبادة الصوم ، فإن العبادات كلها تضاعف بفضل الله الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، لكن الصوم لا يدخل ضمن هذه المضاعفة ، فإن له حساباً خاصاً لا يبلغه عدُّ البشر ولا خيالهم ، فهذا معنى قوله : " إلا الصوم فإنه لي ، وأنا أجزي به " . ذلك أن الصوم من الصبر ، وقد قال الله تعالى : ( إنما يوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب )[2] .
وفي الصوم تجتمع أنواع الصبر الثلاثة ، الصبر على طاعة الله والصبر عن محارم الله ، والصبر على أقدار الله المُؤلمة ، ففي الصوم صبرٌ على طاعة الله ، وصبرٌ عما حرَّم الله على الصائم من مشتهيات النفس ، وصبرٌ على ما يحصل للصائم فيه من ألم الجوع والعطش وضعف النفس والبدن .
وقال بعض أهل العلم : إن معنى " أجزي به في قوله " إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " أنه إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ، ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله ، حتى لا يبقى إلا الصوم ، فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم ، ويدخله بالصوم الجنة . قال بهذا سفيان بن عيينة ـ رحمه الله ـ [3]. وعلى هذا يكون المعنى أن الصيام لله جل وعلا أي أنه خصه الله بأنه لا سبيل لخصوم العبد إليه ، بل أجره مدخرٌ لصاحبه .
ثانياً : شرُف الصيام بنسبة الله تعالى إياه له :
وقد تنوعت أقوال أهل العلم ـ رحمهم الله ـ في معنى ذلك ، واستطرد الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ في سرد ذلك ، ومما ذكره في هذا أن اختصاص الصوم بهذه المزية يرجع لكون الصيام سرٌّ بين العبد وربه ، ولا يطلع عليه غيره ، ولهذا نُقل عن الإمام أحمد أن الصيام ليس فيه رياء [4].
ثالثاً : فرح في الدارين :
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " للصائم فرحتان : فرحةٌ عند فطره ، وفرحةٌ عند لقاء ربه " ، أما فرحةُ الصائم عند فطره فهذا لأمرين :
1ـ أن النفوس لما كانت مجبولةً على الميل لما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح فإنها إذا مُنعت ذلك في وقتٍ من الأوقات ثم أبيح لها في وقتٍ آخر ، فإنها تفرح بإباحة ما منعت منه ، وخصوصاً عند اشتداد الحاجة إليه ، والصائم كذلك .
2ـ فرحه بعبادة ربه وطاعة أمره ، فإنها إذا جاء وقت المغرب وجد سروراً بطاعته لمولاه ووجد من الراحة النفسية والطمأنينة القلبية والقرب من الله تعالى ما يتفاوت الناس فيه بحسب ما يقوم في قلوبهم من استشعار هذا المغزى العظيم ، فالمؤمن أمسك عن المفطرات بأمر ربه ومولاه ، وهاهو يفطر بأمر ربه ومولاه ، ولهذا رغَّب الله عباده في المبادرة إلى الفطر ، لأن المسألة ليست بتجويع النفوس فحسب ، ولكنه تعبُّد لله سبحانه ، ولهذا جاء في الحديث أن أحب عباد الله إليه أعجلهم فطراً ، ولهذا أيضاً تفضل الله على الصائمين فجعل للصائم دعوةً ما ترد ، وأحرى هذه الأوقات عند فطره .
أما فرح العبد عند لقاء ربه فلما يجده من الثواب المدَّخر عند الله تعالى ، فيجده أحوج ما يكون إليه ، كما قال سبحانه : ( يوم تجد كل نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً )[5] . وقال تعالى : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره )[6] . وقد تقدم أن ثواب الصوم لا يأخذه الغرماء في المظالم بل يدخره الله تعالى عنده للصائم حتى يدخله به الجنة ، ولهذا يقال يوم القيامة لعباد الله المؤمنين الذي اتبعوا أمر الله : ( كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية )[7]. قال الإمام مجاهدٌ وغيره : نزلت في الصائمين . يعني أن الصائمين حريٌّ بأن يقال لهم ذلك بما كفوا أنفسهم طاعةً لله . وقد ثبت في " الصحيحين "[8] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن في الجنة باباً يقال له : الريان ، يدخل منه الصائمون ، لا يدخل منه غيرهم " وفي رواية : " فإذا دخلوا أُغلق " . وفي رواية : " من دخل منه شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبداً " .
رابعاً : تكريم الله للصائمين :
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ".
خُلُوفُ الفم : رائحة ما يتصاعد منه من الأبخرة لخلو المعدة من الطعام بالصيام ، وهي رائحةٌ مستكرهةٌ في مشام الناس في الدنيا ، لكنها طيبةٌ عند الله حيث كانت ناشئة عن طاعته وابتغاء مرضاته ، كما أن دم الشهيد يجيء يوم القيامة يثعب دماً ، لونه لون الدم ، وريحه ريح المسك.
قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ :
وفي طيب ريح خُلُوفِ فم الصائم عند الله عز وجل معنيان :
أحدهما : أن الصيام لما كان سراً بين العبد وربه في الدنيا أظهره الله في الآخرة علانيةً للخلق ؛ ليشتهر بذلك أهل الصيام ، ويعرفون بصيامهم بين الناس جزاءً لإخفائهم صيامهم في الدنيا .
المعنى الثاني : أن من عبد الله وأطاعه ، وطلب رضاه في الدنيا بعمل فنشأ من عمله آثارٌ مكروهةٌ للنفوس في الدنيا ؛ فإن تلك الآثار غير مكروهةٌ عند الله ، بل هي محبوبة له وطيبةٌ عنده ، لكونها نشأت عن طاعته واتباع مرضاته، فإخباره بذلك للعاملين في الدنيا فيه تطييب لقلوبهم ؛ لئلا يكرَهَ أحدٌ منهم ما وجد في الدنيا.
وبعد : فتلكم بعض نفحات هذا الشهر الفضيل وبركاته وبشائره وما عند الله من الخير والبر لا تحيط به الأفهام ولا يدركه خيال فهو سبحانه واسع العطاء ، يقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل : أَنفق ؛ أُنفق عليك ، وقال : يد الله ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار ، وقال : أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض فإنه لم يغض ما في يده ، وكان عرشه على الماء ، وبيده الميزان يخفض ويرفع " رواه البخاري ومسلم [9].
قال الإمام أبو عيسى الترمذي[10] بعد تخريجه هذا الحديث : " هذا حديث قد روته الأئمة ، نؤمن به كما جاء من غير أن يفسر أو يتوهم ، هكذا قال غير واحد من الأئمة : الثوري ومالك بن أنس وابن عيينة وابن المبارك : إنه تروى هذه الأشياء ويؤمن بها فلا يقال كيف " .
فالبدار البدار أيها الإخوة والأخوات …فكم من محروم من بركات شهرنا بسبب تسويفه وتأجيله واشتغاله بما لا يليق من الملهيات المتنوعة وتفننه بتضييع الأوقات ، فهذا والله حِرْمانٌ لا يدرك من ابتلي مداه إلا إذا وافى ما قدمت يداه ، فلا تنفعه حينئذ حسرة ولا تغني عنه أمنية .
وأما المسابقون والمسابقات إلى الخيرات فهنيئاً لهم توفيق الله لهم فذلك والله قرة العين وسعادة النفس ، وصدق ربنا ( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكرَّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان . أولئك هم الراشدون . فضلاً من الله ونعمة والله عليم حكيم ) .
وفق الله الجميع لما فيه الخير ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
---------------------------
[1] ) " صحيح البخاري " ( 1894 ) ، و ( 1904 ) في الصوم ، و ( 5927 ) في اللباس ، و ( 7942 ) و ( 7538 ) في التوحيد . " صحيح مسلم " ( 1151 ) في الصيام ، واللفظ له . وللحديث روايات متعددة أوردها ابن الأثير ـ رحمه الله ـ في " جامع الأصول " ( 9/450 ـ 453 ) .
[2] ) سورة الزمر ، الآية : 10 .
[3] ) نقل هذا ابن رجب في " اللطائف " ( ص 286 ) . وقد خرجه عنه البيهقي في " شعب الإيمان " ( 3/295 ).
[4] ) ينظر " لطائف المعارف " ( ص 290 ) .
[5] ) سورة آل عمران ، الآية : 30 .
[6] ) سورة الزلزلة ، الآية : 7 .
[7] ) سورة الحاقة ، الآية : 24 .
[8] ) " صحيح البخاري " ( 1896 ) في الصوم ، و ( 3257 ) في بدء الخلق . " صحيح مسلم " ( 1152 ) . ورواه الترمذي في " جامعه " ( 765 ) والنسائي في " سننه " ( 4/168 ) .
[9] ) " صحيح البخاري " ( 8/351 ـ مع فتح الباري ) . " صحيح مسلم " ( 993 ) .
[10] ) " الجامع الصحيح " (3045 ) للترمذي .

تابعونا على المواقع التالية:

Find موقع نبي الرحمة on TwitterFind موقع نبي الرحمة on FacebookFind موقع نبي الرحمة on YouTubeموقع نبي الرحمة RSS feed

البحث

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

البحث

رسالة اليوم من هدي الرسول

الاستسقاء النبوي ثلاثة أنواع، أحدها: أن يدعو من غير صلاة، وألحق به بعض أهل العلم الدعاء في إثر صلاة النافلة أو في نفس الصلاة لا سيما صلاة الليل، والثاني: الدعاء في خطبة الجمعة، والثالث وهو أكملها: صلاة الاستسقاء. وثمرة الاستسقاء تكون مع الإخلاص فيه وإحسان الظن بالله والتأهب بالتوبة والاستغفار والصدقة والخروج من المظالم .

فضل المدينة وسكناها

فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

برامج إذاعية