al_mawsuaa_maysira.jpg

كان للحيوان شأن عند العرب في وقت محمد (صلى الله عليه وسلم)، فكان وسيلة ركوبهم في السفر والإقامة، وكانوا يستخدمونه في الحرث والزراعة، ويتسابقون عليه، ويستخدمونه في الحروب والصيد.

وكانوا يسيؤون التعامل مع الحيوان، وانتشرت لديهم ممارسات قاسية تجاهه.

فجاء محمد (صلى الله عليه وسلم) فكان رحيمًا بالحيوان، أكدت ذلك سيرته العملية، وسعى لتعليم أصحابه الرفق في تعاملهم مع الحيوان.

وتبدو مظاهر رحمة محمد (صلى الله عليه وسلم) بالحيوان في أمور عدة، منها:
أمره بالإحسان إليه والرفق به:

أمر محمد (صلى الله عليه وسلم) أمته بالإحسان إلى الحيوان والرفق به، فقد ركبت زوجه عائشة - رضي الله عنها - بعيرًا فقست عليه، فوجهها محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى الرفق بقوله: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنْزَع من شيء إلا شانه»([1]).

وقصَّ محمد (صلى الله عليه وسلم) على أمته قصة رجل أحسن إلى حيوان، فغفر الله له ذنبه، عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «بينما رجل يمشي بطريق فاشتد عليه العطش، فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش. فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغني، فنزل البئر فملأ خفه فأمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له».

حينها سأله أصحابه - رضوان الله عليهم - هذا السؤال: وإنّ لنا في البهائم لأجرًا؟ أي هل يمكن أن يُؤْجَر الإنسان على مجرد الإحسان إلى البهيمة فقال (صلى الله عليه وسلم): «في كل ذات كبد رطبة أجر»([2]).
الإحسان إلى الحيوان في السفر:

كان الحيوان يمثل وسيلة السفر لدى العرب آنذاك، لذا أكَّد محمد (صلى الله عليه وسلم) ألا يكون ذلك سببًا في إرهاقه والإساءة إليه، وأكَّد على من يركب الدابة في السفر أن يحسن إليها، ومن مظاهر ذلك الإحسان:

أنه علَّم أصحابه - رضوان الله عليهم - إذا نزلوا في السفر ألا ينشغلوا بالصلاة، حتى يُنْزِلُوا الرحالَ عن الدوابّ، فعن أنس بن مالك t قال: «كنا إذا نزلنا منزلاً لا نسبح حتى تُحَلّ الرحال»([3]).

ولأن الدابة كانت تتغذى من الطريق، فقد أمر محمد (صلى الله عليه وسلم) من يركبونها بأن يراعوا ذلك، فحين يسيرون في طريق خصب فلا يُسرعوا حتى تأخذ الدابة حقها من الأكل، وحين يسيرون في طريق مجدبة لا تجد فيها الدابة ما تأكله، فعليهم أن يسرعوا في المسير.

فعن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حقها، وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا السير» ([4]).
 النهي عن إيذائه:

تنوعت صور الإيذاء والإساءة للحيوان لدى العرب، فنهى محمد (صلى الله عليه وسلم) عن تلك الصور والممارسات السيئة.

ونجد في سيرته (صلى الله عليه وسلم) النهي العام عن الإساءة للحيوان؛ ليشمل ذلك كل ما يستجد من صور الإساءة، كما نجد في سيرته النهي عن صور محددة كانت منتشرة لدى العرب آنذاك.

ومن النهي العام عن إيذاء الحيوان نهيه (صلى الله عليه وسلم) عن التمثيل به؛ فعن ابن عمر- رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: «لعن الله من مَثَّلَ بالحيوان»([5]).

ومن الصور المحددة التي نهى عنها محمد (صلى الله عليه وسلم):

- الوسم في الوجه، فعن جابر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) مر عليه حمار قد وُسِم في وجهه، فقال: «لعن الله الذي وسمه».

- ومنها: أنهم كانوا يستخدمون الحيوان هدفًا حين يتعلمون الرماية، فناهم (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك؛ فعن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «لا تتخذوا شيئًا فيه الروح غرضًا».([6])

- ومنها: أنهم كانوا في منتدياتهم وتجمعاتهم يجعلون ظهر الدابة منبرًا فيخطبون عليه، أو يتناشدون الشعر وهم على ظهرها، فنهاهم (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك. فعن أبي هريرة t عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر؛ فإن الله إنما سخرها لكم لتُبَلِّغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجتكم»([7]).

ومر محمد (صلى الله عليه وسلم) على رجل من الأنصار لديه بعير كان يُجِيعه ويثقل عليه في العمل، فنهاه (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك، وقال له: «أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكك الله إياها؟»([8]).

وفي موقف آخر يرى محمد (صلى الله عليه وسلم) آثار إهمال رعاية الحيوان فينهى الناسَ عن ذلك، فعن سهل ابن الحنظلية قال مر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ببعير قد لحق ظهره ببطنه، فقال: «اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة وكلوها صالحة»([9]).

وكان محمد (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه، فرأى أحدهم طائرًا له فرخان فأخذهما، فنهاهم (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك. فعن عبد الله بن مسعود قال: كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سفرٍ، فانطلق لحاجته فرأينا حمرةً معها فرخان، فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة، فجعلت تفرش فجاء النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: «من فجع هذه بولدها؟ رُدُّوا ولدها إليها». ورأى قرية نملٍ قد حرقناها فقال: «من حرق هذه؟ قلنا: نحن، قال: «إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار»([10]).
الإحسان إليه عند الذبح:

لا تنتهي الرحمة بالحيوان لدى محمد (صلى الله عليه وسلم) عند الحياة، بل يؤكد على رعاية ذلك حين ذبحه.

فيأمر (صلى الله عليه وسلم) بأن يحسن الإنسان الذبح، فيختار السكين الحادة، ويريح الحيوان؛ فعن شداد بن أوس قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليُحِدَّ أحدكم شَفْرَته، فَلْيُرِح ذبيحته»([11]).

ومن صور الإحسان إلى الحيوان حين ذبحه ألا يرى الحيوان آلة الذبح، فعن سالم بن عبد الله عن أبيه - رضي الله عنهما - أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمر بحَدّ الشفار، وأن تُوَارى عن البهائم، وإذا ذبح أحدكم فَلْيُجْهِزْ([12]).

([1]) أخرجه مسلم (2594).

([2]) أخرجه البخاري (2363)، ومسلم (2244).

([3]) أخرجه أبو داود (2551).

([4]) أخرجه مسلم (1926).

([5]) أخرجه البخاري (5515)، ومسلم (2117).

([6]) أخرجه مسلم (1957).

([7]) أخرجه أبو داود (2567).

([8]) أخرجه أبو داود (2549).

([9]) أخرجه أبو داود (2548).

([10])أخرجه أبو داود (2675)

([11]) أخرجه مسلم (1955).

([12]) أخرجه أحمد (5830)، وابن ماجه (3072).

تابعونا على المواقع التالية:

Find موقع نبي الرحمة on TwitterFind موقع نبي الرحمة on FacebookFind موقع نبي الرحمة on YouTubeموقع نبي الرحمة RSS feed

الكتب المختارة

البحث

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

البحث

رسالة اليوم من هدي الرسول

تدل النصوص على أن ليلة القدر تنتقل، فتكون عاماً في ليلة من ليالي العشر والعام الآخر في ليلة أخرى، وهو قول الجمهور، لكنها تتأكد في وتر العشر الأواخر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان). متفق عليه، زاد البخاري: (في الوتر من العشر الأواخر).         

فضل المدينة وسكناها

فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

برامج إذاعية