Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

 -كان سبب اعتكافه صلى الله عليه وسلم طلب ليلة القدر , كما ثبت من حديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة , ثم اعتكفت العشر الأوسط , ثم أتيت فقيل لي :  إنها في العشر الأواخر , فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف " .رواه مسلم لا

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
al_mawsuaa_maysira.jpg

لم يكن محمد (صلى الله عليه وسلم) من ذلك الصنف من الرجال القساة، أو الذين يَعُدّون بكاء الرجل نوعاً من الضعف، بل كان صاحب القلب الرحيم سرعان ما يتأثر بالموقف ويبكي، وأن القلب القاسي الجامد المخالف للفطرة هو الذي لا يلين مع المواقف، ولذا كان (صلى الله عليه وسلم) يستعيذ بالله منه فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يُستجاب لها»([1]).وما أكثر المواقف التي شهدت بكاء محمد (صلى الله عليه وسلم) بين أصحابه أو زوجاته أو أمام الناس، ومع كونه سريع الدمعة وغزيرها إلا أنه لم يخرج به البكاء يومًا عن وقاره أو رضا ربه، فكان يبكي - كما ذكر أصحابه - ويخرج من صدره صوت كأزيز المرجل، ولم يكن يرفع صوته صارخًا في بكاء ولا في ضحك.بكى محمد (صلى الله عليه وسلم) لتقديره قدر ربه وتعظيمه لشأنه، فكان دائمًا عظيم الهَمّ إذا خلا بنفسه أو شغل عن أصحابه، فيروي عنه صاحباه أنس وأبو هريرة - رضي الله عنهما - قوله: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا»([2]). إنها كلمات قليلة بليغة، تترك الآثار المختلفة في نفس السامع لها، وتفتح المجال الفسيح أمام خياله؛ ليفكر بنفسه في معناها، فما هذا الذي يعلمه محمد (صلى الله عليه وسلم) من الأمور التي تجعلهم لو علموها لبكوا كثيرًا ولضحكوا قليلاً؟ إنهم يعلمون بعضها مما يحصل يوم القيامة والحساب والعقاب، ولكنهم كأنما أخذتهم الدهشة وجال بهم الفكر في أنفسهم وتقصيرها وحالها فقال الراوي : «فغطى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وجوههم، ولهم خنين من البكاء»([3]).

بكاؤه (صلى الله عليه وسلم) في  صلاته:

فكان إذا بدأ في الصلاة وتلاوة القرآن يبكي أحياناً؛ من خشوعه وخشيته لربه ومقامه العظيم سبحانه، فيقول صاحبه عبد الله بن الشخير: «رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء»([4]).وكان يبكي أحيانًا عند سماعه للقرآن من غيره، فيروي لنا صاحبه عبد الله بن مسعود t أنه (صلى الله عليه وسلم) طلب منه أن يقرأ عليه القرآن، فقرأ عبد الله بن مسعود سورة النساء قال: حتى إذا أتيت إلى هذه الآية  (النساء:41) قال: «حسبك الآن». فالتفتُّ إليه فإذا عيناه تذرفان([5]). إن عينيه ها هنا تذرفان من فهمه وشعوره لمعنى الآيات التي قرأها صاحبه، إنها تحمِّله مسؤولية كبرى من كونه سيكون شهيدًا على أمته أمام ربه، إنه يحيا حياة الغيب كأنها حقيقة حاضرة.وكان يبكي لفقده أحبته كما يفعل جميع البشر المحبين عند فقد عزيز عليهم، إلا أن محمدًا كان قد قيَّد بكاءه برضا ربه سبحانه، فلم يكن بكاء تسخّط على قضاء ربه وقدره، ولا بكاء يحمل معه كلمات غضب ورفض للموقف، بل كان بكاء رحمة وحزن للفراق، فبكى عند فقده لولده إبراهيم وهو صغير، فقالت أسماء بنت يزيد - رضي الله عنها-: لما توفي ابن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إبراهيم بكى رسول الله (صلى الله عليه وسلم). فقال له المعزي - إما أبو بكر وإما عمر - : أنت أحق من عظَّم الله حقه، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، لولا أنه وعد صادق وموعود جامع وأن الآخر تابع للأول لوجدنا عليك يا إبراهيم! أفضل مما وجدنا، وإنا بك لمحزونون»([6]).

وبكى عند دفن بنتٍ من بناته، فيقول أنس t: شهدنا ابنة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان([7]).وبكى عند موت حفيده، فقال أسامة بن زيد - رضي الله عنهما -: كان ابنٌ لبعض بنات النبي (صلى الله عليه وسلم) يقضي، فأرسلت إليه أن يأتيها فأرسل: «إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل إلى أجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب». فقام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقمت معه ومعاذ بن جبل وأُبَي بن كعب وعبادة بن الصامت، فلما دخلنا ناولوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الصبي ونفسه تقلقل في صدره حسبته قال: كأنها شنة، فبكى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال سعد بن عبادة: أتبكي؟ فقال: «إنما يرحم الله من عباده الرحماء»([8]).وبكى (صلى الله عليه وسلم) لما جاءته أخبار غزوة مؤتة، فقد كان في المدينة يحدث أصحابه عنهم فقال: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب - وإن عيني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لتذرفان - ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح له»([9]).وبكى عند موت صاحبه عثمان بن مظعون t، فقد دخل عليه بعد موته - كما تروي زوجته عائشة - وقبَّله وهو يبكي ([10]).وكان مع أصحابه في سفر فمر بقبر أمه فزارها ووقف عليها وبكى (صلى الله عليه وسلم).

وكان محمد (صلى الله عليه وسلم) يبكي رحمة لليتيم، فعندما مات زيد بن حارثة كان محمد (صلى الله عليه وسلم) يتذكره عندما يرى ولده أسامة أمامه ويبكي حزنًا على فراق صاحبه وحبيبه، وشفقة على اليتيم، فيقول ابن مسعود t: لما قُتل زيد بن حارثة أبطأ أسامة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) فلم يأته، ثم جاءه بعد ذلك، فقام بين يدي النبي (صلى الله عليه وسلم) فدمعت عيناه، فبكى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فلما نزفت عبرته قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «لم أبطأت عنا ثم جئت تحزننا؟» قال: فلما كان الغد جاءه فلما رآه النبي (صلى الله عليه وسلم) مقبلاً قال: «إني للاقٍ منك اليوم ما لقيت منك أمس» فلما دنا دمعت عينه فبكى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ([11]).ويبكي رقَّة لحال أصحابه، وخوفًا عليهم في مرضهم، فقد زار محمد (صلى الله عليه وسلم) أحد صحابته في مرض ألَمَّ به، فبكى من رقَّته عليه، فيقول عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي (صلى الله عليه وسلم) يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله فقال: «قد قضى؟» (أي: هل مات؟). قالوا: لا يا رسول الله! فبكى النبي (صلى الله عليه وسلم) ([12]).

([1]) أخرجه مسلم (2722).
([2]) أخرجه البخاري (6485)، ومسلم (426).
([3]) أخرجه البخاري (4621)، ومسلم (2359)
([4])أخرجه أبو داود (904)، والنسائي (1214)، وأحمد (15877).
([5]) أخرجه البخاري (5050)، ومسلم (800).
([6])أخرجه ابن ماجه (1589). أصله في البخاري (1303)،ومسلم (2315)
([7]) أخرجه البخاري (1432).
([8])أخرجه البخاري (7448)، ومسلم (923).
([9])أخرجه البخاري (1246).
([10])أخرجه الترمذي (989)، وأبو داود (3163)، وابن ماجه (1456).
([11])مصنف عبد الرزاق (6698).
([12]) أخرجه البخاري (1304)، ومسلم (924).