Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

 -           (لطفه مع أهله) كان صلى الله عليه وسلم يراعي في عائشة رضي الله عنها حداثة سنها ورغبتها في اللعب مع صويحباتها، ففي صحيح مسلم أنها كانت تلعب بالبنات (وهي اللعب المعروفة) فكان صواحبها يأتينها فيستحين من رسول الله ، فكان صلى الله عليه وسلم يسربهن إليها (أي يرسلهن إليها ليلعبن معها). فهذا هديه في إيناس أهله وإدخال السرور عليهم.

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
al_mawsuaa_maysira.jpg

جاء محمد (صلى الله عليه وسلم) بشريعة تحب الجمال، وتدعو إلى الطهارة والزينة الطبيعية الحسنة، ولكنها تنبذ المبالغة، وتمنع ما يُفسِد الأخلاق والمجتمعات من الكساء والثياب والزينات.دعا محمد (صلى الله عليه وسلم) الرجال والنساء جميعًا إلى النظافة والطهارة، حتى إنه ليدعوهم إلى الوضوء للصلاة بالماء الطاهر خمس مرات في كل يوم وليلة، ويدعوهم إلى غَسْل أيديهم إذا استيقظوا من النوم مباشرة، وإلى الوضوء بالماء قبل النوم، وأن يكونوا على طهارة في كل وقت وحين، حتى وصف المحافظين على وضوئهم بالمؤمنين، فقال في حديثه: «لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن»([1]).وأظهر (صلى الله عليه وسلم) قيمة النظافة العامة في مقارنة لطيفة بين طهارة الباطن وطهارة الظاهر من الجسد والثياب فقال: «أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟» قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال:«فذلك مَثَل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا»([2]).وفي التجمعات العامة التي يكثر فيها الناس كان يؤكد على الاغتسال، ولا يكتفي بالوضوء، ففي يوم الجمعة؛ حيث يجتمع المسلمون لصلاة الجمعة، أكَّد محمد (صلى الله عليه وسلم) على أمته العناية بالنظافة والتهيُّؤ لهذا اليوم، فأمرهم بالاغتسال، وبأن يغسلوا رؤوسهم، ويستخدموا السواك لتنظيف أفواههم، وبالتطيب([3]).

وتحكي زوجته عائشة - رضي الله عنها - سبب تأكيده على الاغتسال يوم الجمعة في قولها: كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي فيأتون في الغبار، يصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق، فأتى رسولَ الله (صلى الله عليه وسلم) إنسان منهم وهو عندي؛ فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : «لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا»([4]).ونلمس في هذا التوجيه من محمد (صلى الله عليه وسلم) التلطف ومراعاة مشاعر الناس، فهو لم يتحدث معهم عما يبدو من بعضهم من رائحة غير مناسبة، بل أمرهم بالاغتسال، وكان هذا الأمر أيضًا بلفظ  تلطف «لو أنكم».وحبَّب محمد (صلى الله عليه وسلم) في العطر والتعطر، وأوصى بحسن الرائحة في كل مكان، خصوصًا اجتماعات الناس، وكان يأخذ المِسك فيمسح به رأسه ولحيته، وكان «لا يردُّ الطيب» ([5]).وقال خادمه أنس بن مالك t: «كانت لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) سُكَّة يتطيب منها»([6]).ويدعو محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى تبادل العطر والتهادي بين الناس فيه، ويؤكد على أن من أهدي له طيب فلْيقبله ولا يرده ([7]).

كما حبَّب الرجال في حسن الهيئة قدر استطاعة كل واحد منهم؛ فلما سأله أحدهم فقال له: يا رسول الله! إن أحدنا يحب أن يكون نعله حسنًا وثوبه حسنًا، فقال له: «إن الله جميل يحب الجمال»([8]).وكان يوصي دومًا أن يُصلح المرء من شأنه، ومن هيئته الظاهرة للناس؛ فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما – قال: أتانا رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فرأى رجلاً شعثًا قد تفرق شعره فقال: «أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره؟»، ورأى رجلاً آخر وعليه ثياب وسخة فقال:«أما كان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه؟» ([9]).ومع التأكيد على حسن المظهر والهيئة فقد وضع لذلك ضوابط ومعايير، منها أن يتميز الرجل بلباس يخصه، وتتميز المرأة بلباس يخصها.فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «لعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال».([10])وفي حديث أبي هريرة t قال: «لعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، الرجل يلبس لِبْسَة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل»([11]).إن محمدًا (صلى الله عليه وسلم) لم يُلْزِم الرجال بلبس محدد، ولم يُلْزِم النساء كذلك، لكنه وضع ضوابط ومعايير يمكن أن تستوعب ما يَجِدّ في كل عصر من العصور؛ فحين يتعارف مجتمع ما على أن نوعًا من اللباس خاص بالرجل فالمرأة منهية عن لبسه، وهكذا العكس.

كما أمر محمد (صلى الله عليه وسلم) المرأة بأن تلبس لبسًا ساترًا محتشمًا، ونهاها عن اللبس الفاضح أو إبداء الزينة أمام غير زوجها وغير أقاربها، الذين يسمون في الإسلام بالمحارم، فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:(النور:31).وظر محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى الثياب على أنها نعمة من الله سبحانه على العبد، مثلها في ذلك مثل الطعام والشراب، فيحب الله سبحانه أن يرى نعمته على عبده، من غير أن يتكبر العبد بها، أو أن يسرف في الاستمتاع بها، وإنما عليه التمتع بها بتواضع وقناعة، كما عليه أن ينفق منها ويتصدق على الفقير والمحتاج، فيقول في حديثه: «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير مخيلة ولا سرف، إن الله يحب أن تُرَى نعمته على عبده»([12]).وكان العرب قبل الإسلام يطوفون حول الكعبة وهم عراة، يقصدون بذلك أن يتجردوا من كل الثياب التي عصوا الله فيها، فعلمهم محمد (صلى الله عليه وسلم) أن العبرة بطهارة الجوهر مع التحلي بالزينة المناسبة، قال تعالى: (الأعراف:31). وقد أوضح القرآن في آياته أن الله قد أنعم على عباده بتلك النعمة؛ فينبغي شكره عليها، ولكنه أكَّد لهم أن خير ما يتستر به الإنسان هو مخافة الله وتقواه وبُعْده عن الآثام فقد قال تعالى :  (الأعراف:26)، إن الآيات تُرشد إلى التقوى، وتصفها أنها تقي صاحبها من عذاب الله وغضبه، كما تقي الثياب الجسد من الحر والبرد.

ثياب محمد (صلى الله عليه وسلم):

حرص محمد (صلى الله عليه وسلم) على مشاركة قومه كل ما كان حسنًا من أعرافهم وطبائعهم، ونبذ ما كان سيئًا بغيضًا، كما حرص على أن يعيش بينهم كواحد منهم، فلا يتفضل عليهم في ثيابه أو شيء من خصوصياته.بل إنه لم يشرع لأحد من أمته ثيابًا خاصة يلبسها بوصفه مميَّزًا عن غيره، حتى العلماء والأمراء فهم جميعًا سواء مع كل الأفراد في تلك الأمة.بل إنه قد نهى أمته عن أن يلبسوا ثياب شهرة يتصفون بها بالخصوصية ([13]). كما نهى عن الألوان الفجة التي لا تترك أثرًا نفسيًّا حسنًا في نفوس الناس، فنهى عن الأحمر الشديد، وعن الأصفر الشديد وغيرهما، ففي الحديث عن علي t أنه «نهى عن المعصفر من الثياب»([14]).لذا فالمتأمل في ثيابه (صلى الله عليه وسلم) يرى أنه كان يتعمد أن يلبس المتوسط منها، ويبتعد عن الفاخر الثمين، كما يبتعد عن الرث والقذر، فلبس الثوب، ولبس الإزار والرداء، ولبس العمامة، ولبس القلنسوة تحت العمامة، ولبسها بدون قلنسوة، وكان إذا لبس العمامة أرخاها وجعل لها ذؤابة من خلفها([15]).وكانت ثيابه من قطن أو من صوف أو كتان أو ما تيسر له، فيروي صاحبه المغيرة بن شعبة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) «لبس جبة رومية ضيقة الكمين»([16]).وهو يُعرض إعراضًا تامًّا عن لبس الحرير، وينهى عنه الرجال من أمته، فيقول علي بن أبي طالب t: «أهدي إليّ حلة سيراء - نوع ثمين من الحلل - فلبستها فرأيت الغضب في وجه النبي (صلى الله عليه وسلم) فخلعتها وشققتها بين النساء»([17]).

فكأنه يحفظ شعور الفقير والمحروم من جهة، ويباعد بين رجال أمته وبين الخناعة والليونة والتشبه بالنساء، ونوع النعيم الذي يُنْسِي الإنسانَ حق ربه عليه من جهة أخرى.بل إنه دومًا يذكِّر الرجال بأن يعرضوا عن الحرير والذهب، ويذكرهم دومًا أن لهم في الآخرة - إذا دخلوا الجنة - نعيمًا عظيمًا يتضاءل بجانبه نعيم الدنيا، فعليهم أن يتركوا من الدنيا ما نهاهم ربهم عنه؛ لأنه مما يثقلهم فيها ويُقعِدهم عن عبوديتهم لربهم، فيقول أنس بن مالك t: أُهدِي للنبي (صلى الله عليه وسلم) جبة سندس، وكان ينهى عن الحرير، فعجب الناس منها فقال: «والذي نفس محمد بيده! لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا»([18]).وأهدى له زعيم دومة الجندل ثوب حرير فأعطاه صهره علي بن أبي طالب t وأمره أن يقسمه على النساء ليستخدمْنَه خُمُرًا ([19]) .وكان أحب ألوان الثياب إليه هو الأبيض، وأوصى بالإكثار من لبسه؛ لما يمكن أن يدل على النقاء والشفافية والنظافة، فيقول: «البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم»([20]). ولم يكن تفضيله لبس البياض مانعًا من أن يلبس لونًا آخر؛ فقد ورد عنه أنه لبس حُلة حمراء كما نقل ذلك البراء بن عازب t قال: «رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) في حلة حمراء، لم أر شيئًا قط أحسن منه»([21]).وكان محمد (صلى الله عليه وسلم) يحب أن يلبس من الملابس الواسعة السابغة التي تتناسب مع البيئة الصحراوية الحارة التي عاش فيها، ولم يكن يختلف عن ملابس قومه؛ فتقول زوجته أم سلمة - رضي الله عنها -: وكان أحب الثياب إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) القميص (وهو اسم لما يُلْبَس من المخيط) ([22]).وكان ربما خصص ثيابًا حسنة ليوم الجمعة، والأعياد، وللقاء وفود العرب، وينصح أصحابه بهذا؛ فتروي عنه زوجته عائشة - رضي الله عنها- أنه (صلى الله عليه وسلم) قال: «ما على أحدكم إن وجد سَعَة أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته»([23]).وكان يؤكد على عدم إطالة الثوب والإزار من تحت الكعبين مخافة الكبر والخيلاء، فكان إزاره لا يتجاوز الكعبين.

عبودية محمد (صلى الله عليه وسلم):

ويبيّن محمد (صلى الله عليه وسلم) كيف أنه يمارس عبوديته لربه في كل شأنه حتى شأن ملابسه، فيضع آدابًا للبس ثوبه، فيبدأ بلبسه باليمين، ويخلعه بالشمال، ويحمد ربه إذا ما اشترى ثوبًا ويدعو فيقول: «الحمدُ لله الذي كَساني هذا ورَزَقَنِيه من غير حولٍ مني ولا قُوة»([24]).وكذا كان يدعو ربه أن يجعل أعماله كلها في ثوبه ذلك الجديد أعمالَ خير، وأن يباعد بينه وبين الشرور، وبين كل شر يمكن أن يأتي منه ذلك الثوب فيقول: «اللهم لَكَ الحمدُ أَنتَ كَسَوتَنِيه، أسألك من خَيرِهِ وخَيْرِ ما صُنع له، وأعوذ بك مِنْ شرِّه وشَرِّ ما صُنِعَ لَهُ»([25]). ولما قيل له: إن الرسائل التي يبعث بها إلى الملوك والرؤساء يجب أن تكون مختومة بختم اتخذ خاتمًا من فضة، وكان يضعه في خنصر يده اليسرى، وتارة يضعه في يده اليمنى، وكان نقشه: «محمد رسول الله»، وكانت الكلمات الثلاث هذه قد كُتبت عليه في ثلاثة أسطر([26]).وهكذا كان محمد (صلى الله عليه وسلم) متوازنًا في تعامله مع اللباس، فلم يكن يلبس الرث والقذر، بل أمر بحسن اللباس ومراعاة الجمال، وفي الوقت نفسه لم يكن يبالغ في اللباس أو يلبس ما يقود إلى الكبر والترفع عن الآخرين.وهكذا كان نظام اللباس لا ينفصل عن منظومة القيم والأخلاق التي دعا إليها محمد (صلى الله عليه وسلم) فتتجلى فيه قيم: التواضع، ومراعاة مشاعر الآخرين، والجمال، والحياء.

--------------------------------------------------------------------------------
([1]) أخرجه ابن ماجه (277)، وأحمد (21873)، والدارمي (655).
([2]) أخرجه البخاري (528)، ومسلم (667).
([3]) أخرجه البخاري (880) (884)، ومسلم (846).
([4]) أخرجه البخاري (902)، ومسلم (847).
([5])أخرجه البخاري (2582).
([6]) أخرجه أبو داود (4162).
([7]) أخرجه مسلم (2253)، والترمذي (2790).
([8])أخرجه مسلم (91).
([9]) أخرجه أبو داود (4062)، وأحمد (14436).
([10]) أخرجه البخاري (5885).
([11])أخرجه أبو داود (4098)، وأحمد (8110).
([12]) أخرجه النسائي(2559)، وابن ماجه(3605)، أحمد(6669).
([13]) أخرجه أبي داود (4029)، وابن ماجه (3606)، أحمد (5631).
([14])أخرجه مسلم (2078).
([15]) زاد المعاد.
([16])أخرجه البخاري (363)، ومسلم (274).
([17])أخرجه البخاري (2614)، ومسلم (2071).
([18]) أخرجه البخاري (2616)، ومسلم (2469).
([19])أخرجه مسلم (2071).
([20])أخرجه أبو داود (3878)، وأحمد (2475).
([21])أخرجه البخاري (5848)، ومسلم (2337).
([22]) أخرجه الترمذي (1762)، وأبو داود (4025).
([23]) أخرجه أبو داود (1078)، ومالك في الموطأ (244).
([24])أخرجه أبو داود (4023)، والدارمي (2690).
[25]) أخرجه الترمذي (1767)،و أبو داود (4020).
([26]) أخرجه البخاري (65)، ومسلم (2092).