Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

 -           قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) يخبر الله تعالى أنه جعل محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، أي: أرسله رحمة لهم كلهم، فمن قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة، سعد في الدنيا والآخرة، ومن ردها وجحدها خسر في الدنيا والآخرة (ابن كثير)

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

ننصحك بقراءة هذا الإصدار

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
al_mawsuaa_maysira.jpg

طهارة ونظافة:يتَّسم محمد (صلى الله عليه وسلم) بحرصه على النظافة بشكل كبير، وعلى استدامة الطهارة، وهو يرى أن الله قد كرَّم الإنسان على سائر الخلق، فينبغي للإنسان أن يحيا هذه الكرامة، وكان يقول: «إن الملائكة تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدم»([1]).وكان يأمر أصحابه بالمحافظة على الوضوء والطهارة، وجعلها من صفات المؤمنين الصالحين، فينقل صاحبه ثوبان (رضي الله عنه) أنه سمعه يقول: «ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن»([2]).ويحدثنا صاحبه أبو هريرة (رضي الله عنه)أنه سمعه يقول: «تبلغ الحِلْيَة من المؤمن (في الجنة) حيث يبلغ الوضوءُ»([3]).ولم يكن معنى الطهارة قاصرًا عند محمد e على نظافة الظاهر، واستعمال الماء في تطهير كل قذر أَلَمَّ بالإنسان، بل كان يتعداها إلى معنًى آخر، وهو طهارة الباطن، بل إنه يعلِّم أتباعه أن الطهارة الحقيقية هي طهارة الباطن، وهي التي تحثّ أصحابها على طهارة الظاهر دومًا.  وأفل ما يعلمنا ويُخبرنا بهذا الارتباط الوثيق بين طهارة النفس من معصية الله ومن الذنوب والآثام، وبين التطهر الخارجي بالماء ؛ هذا الحديثُ الذي علَّمه محمد e أصحابَه؛ إذ يقول: «إذا توضأ العبد المؤمن فمَضْمَضَ خرجتِ الخطايا من فِيهِ، فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من بين يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه، ثم كان مشيُه إلى المسجد وصلاتُه نافلةً له»([4]). وفي مقابل هذه العناية بالطهارة والنظافة نرى بعض الديانات تُنفِّر من الطهارة، ويحرص أتباعها على الظهور بمظاهر غير لائقة؛ فيطيلون شعورهم، وأظافرهم، ويجتنبون الغسل والنظافة.

رائحة زكية:
ومما يلفت النظر عند لقائه أيضاً، حبُّه للطيب واهتمامُه به، وحرصُه على الروائح الزكية، وأن يخرج للناس دومًا بعطر تحبه النفوس، وكان ينصح أصحابه بالتعطر، ويدعوهم إلى الحرص على الرائحة الطيبة، يقول خادمه أنس (رضي الله عنه): «ما شممت ريحًا قط أو عَرْقًا قطّ أطيب من ريح أو عَرق رسول الله »([5]).يقول صاحبه جابر بن سَمُرَة - وكان صبيًّا -: «مسح رسول الله e خدي فوجدتُ لِيدِه بردًا وريحًا كأنما أخرجها من جونة عطر».(والجونة هي الإناء المخصص للعطر)([6]).ويقول صاحبه جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – واصفاً إيَّاهe بأنه: «لم يسلك طريقًا فيتبعه أحدٌ إلا عرف أنه قد سلكه من ريح عَرفه»([7]).وهناك دلالة حسنة على الريح الطيبة، فالنفس الطيبة تحب الريح الطيبة، والنفس الخبيثة تقبل المعيشة في الروائح الخبيثة، ولذلك فإننا نرى السحرة والدجالين والمشعوذين يستخدمون الروائح المقززة ويتصفون بها.

وجه صادق:
لا يستشعر من لقي محمدًا (صلى الله عليه وسلم) نوعًا من الارتياب أو المكر، أو الخديعة أو الكذب، إنما يعطي وجهُه انطباعَ الصدق التام، والتلقائية الكاملة، والوضوح والصراحة.ودعني هنا أذكر لك ذلك الوصفَ الذي وصفه به أحدُ أعدائه([8])، وهو أبو سفيان بن حرب، عندما دعاه هرقل، إمبراطور الروم، هو وجماعة من العرب ليسألهم عن محمد (صلى الله عليه وسلم)، فقال لهم هرقل: فهل كنتم تتَّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال أبو سفيان: لا . فقال هرقل - تعليقًا على ذلك -: لم يكن لِيَذَرَ الكَذِبَ على الناس ويكذِبَ على الله([9]).كذلك فإن شهادةً أخرى قد تكفي لبيان تلك الصفة فيه، وهي شهادة واحد من أحبار اليهود وعلمائهم، وهو عبد الله بن سلام، يقول: «لما قدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة انجفل الناس إليه – تجمعوا إليه – فجئتُ في الناس؛ لأنظر إليها، فلما اسْتَثْبَتُّ وجهَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عرفتُ أن وجهه ليس بوجه كذَّاب،وكان أول ما تكلم به أن قال: «أفشوا السلامَ، وأطعمِوا الطعامَ، وصِلُوا الأرحامَ، وصَلُّوا بالليل والناس نيامٌ؛ تدخلوا الجنةَ بسلامٍ»([10]).كذلك فإن هناك وضاءةً كانت تَعُمّ وجهَه، وراحةً كبيرة كانت تحيط بلُقْيَاه، وهذا لا يرتبط بوسامة أو بجمال، فقد تَلْقَى إنسانًا غير وسيم الملامح، ولكنك تلمحُ إشراقًا في وجهه، وتستشعرُ راحةً في حديثه، ولا شكّ أن ذلك يرتبط بمدى قدرة القلب على الظهور بآثاره على ملامح كل إنسان، وكذلك فإن القتامة والكآبة قد تعلوان وجهًا جميل الملامح، بسبب ما يُضمِره قلبه من سوء وفسادٍ.

حُسْن اللقاء:
إن طلاقة وجه محمد (صلى الله عليه وسلم) وحُسْن تبسُّمه في لقاء من يلقاه من الناس، وإقباله عليهم إذا لقيهم ؛ جعلتْ في لقائه ميزةً كبيرة، وأعطته قدرًا أكبر عند كل من لاقاه من أعدائه قبل أصدقائه، فقد عُرِفَ عنه أنه كان لا يُفَرِّق في حُسْن لقائه وبشاشته بين الغنيّ والفقير،ولا يميِّز بين الأسود والأبيض، حتى الأطفال كان يبتسم في وجوههم ويُحسِن لقاءهم.لقد كان محمد (صلى الله عليه وسلم) يحترم الإنسانية في البَشَر الذين يلقاهم، ويقدِّر كل الناس، ويهتم بأن يُوصل إليهم فكرته، ويعرض عليهم دعوته، حتى يظن كل من يتعامل معه أنه أقرب الناس إليه. وها هنا نسوق موقفًا طريفًا لصاحبه عمرو بن العاص (رضي الله عنه)، وكيف أنه من كثرة إقبال محمد (صلى الله عليه وسلم) عليه طمع أن يكون أحبّ الناس إليه، فذهب إليه وسأله: «من أحبُّ الناس إليك»؟ فقال النبي(صلى الله عليه وسلم): «عائشة».فقال: ومِن الرجال؟ فقال:«أبوها»- يقصد صاحبه أبا بكر- فقال: ثم مَن؟ فقال: «ثم عمر»([11]). عندئذ سكت عمرو بن العاص؛ مخافة أن يجعله في آخرهم.كما اتصف محمد (صلى الله عليه وسلم) أيضًا بالأدب الشديد مع مَن يلقاهم، فهو يُقبل عليهم بوجهه، ولا يلتفت عنهم ويُحدِّثهم وهو ينظر في أعينهم، ويصافحهم، وكان يقول: «أيما مسلمَيْن التقيا فأخذ أحدهما بيد صاحبه فتصافحا وحمِدا الله تعالى جميعًا؛ تفرَّقا وليس بينهما خطيئة»([12])، وكان لا ينزع يدَه من يد مَن يُصافحه حتى يكون الآخر هو الذي ينزع يده([13]).كما اتصف بعلامات الذوق الرفيع ؛ من توقير الكبير، ورحمة الصغير، وكان يقول: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا»([14]).كما اتصف بأدب شديد في طعامه، وشرابه، وحديثه، وحركاته، وسكناته، وسيأتي معنا في الكتاب – إن شاء الله – مزيدُ بيانِ ذلك.

إفشاء السلام:
وكان يبدأ الناس بالسلام، ويحب السلام، ويأمر أصحابه بإفشاء السلام. وكان يقول: «إن أَوْلى الناس بالله من بدأهم بالسلام»([15])، بل إنه كان يحرص على أن يكرِّر السلام على الناس إذا حَال بينه وبينهم شجرٌ أو حجر أو جدار، فيروي صاحبه أبو هريرة (رضي الله عنه) أنه قال: «إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإذا حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فلْيسلم عليه»([16])، بل كان يُسلِّم على الصبيان إذا لقيهم في الطريق([17]).وكان يرى أن السلام هو طريق المحبة والوداد والوئام، فكان يقول: «ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم»([18]). ولم يكن محمد (صلى الله عليه وسلم) يخص بالسلام مَن يعرفهم فقط، بل كان يُسلِّم على كل مَن يعرف ومَن لا يعرف؛ رغبة في نشر هذا المعنى والمفهوم العظيم، وكان يأمر أصحابه بذلك، ومثاله : لما جاءه أحدهم يسأله عن أي أعمال الإسلام خير؟! - فقال له (صلى الله عليه وسلم):«تُطعِم الطعامَ – يعني للفقراء وغيرهم – وتَقرأ السلام على مَن عرفتَ ومَن لم تعرفْ»([19]).فالسلم إذن محورٌ فكري ودعوي في دعوة محمد e، يأمر بنشره، ويحرص على الابتداء به، وهو يعني عنده الأمان والتودد، وإعلان المسالمة والمودة والمحبة في الله سبحانه، بل هو دومًا يُتْبِع السلامَ على الناس الدعاءَ لهم بالرحمة والبركة؛ فيقول: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

--------------------------------------------------------------------------------
([1]) أخرجه مسلم (564).
([2]) أخرجه أحمد (21873)، وابن ماجه (277).
([3]) أخرجه البخاري (5953)، ومسلم (250).
([4]) أخرجه النسائي (103)، وابن ماجه (282)، وأحمد (18585).
([5]) أخرجه البخاري (2561)، ومسلم (2330).
([6]) أخرجه مسلم (2329).
([7]) أخرجه الدارمي في المقدمة (66).
([8]) قبل أن يُسْلِمَ.
([9]) أخرجه البخاري (7) ، ومسلم (1773).
([10]) أخرجه الترمذي (2485).
([11]) أخرجه البخاري (4358)، ومسلم (2384).
([12]) أخرجه أحمد (18121).
([13]) أخرجه أبو داود (4794)، والترمذي (2490) وابن ماجه (3716).
([14]) أخرجه أبو داود (4943)، والترمذي (1919).
([15]) أخرجه أبو داود (5197)، والترمذي (2694).
([16]) أخرجه أبو داود (5200).
([17]) أخرجه البخاري (6247)، ومسلم (2168).
([18]) أخرجه مسلم (54).
([19]) أخرجه البخاري (12)، ومسلم (39).