محمد رسول الله

10- من حقوق الضعفاء والفقراء والمساكين اهتمَّ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) بالضعفاءِ الذين لا مالَ لهم ولا عشيرةَ، فكان يقبلُ من محسنِهم ويتجاوزُ عن مسيئِهم، ويسعى في حوائِجهم، ويرفعُ عنهم الضرَّ والأذى ولو بكلمةٍ تُغضِبُهم، فعن عائذِ بنِ عمروٍ أنَّ أبا سفيان ـ من عظماءِ قريشٍ ـ مرَّ على سلمانَ الفارسيِّ، وصهيبٍ الروميِّ وبلالٍ الحبشيِّ ـ وكانوا من العبيدِ والفقراءِ ـ فقالوا: واللهِ ما أخذتْ سيوفُ اللهِ من عنقِ عدوِّ اللهِ مأخذَها. فقال لهم أبو بكرٍ الصديقَ ت: أتقولون هذا لشيخِ قريشٍ وسيدِهم؟ فأتى النبىَّ (صلى الله عليه وسلم) فأخبرَهُ بما قالوا، فقالَ له رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): «يا أبا بكرٍ! لعلّك أغضبتَهم، لئنْ كنتَ أغضبتَهم لقد أغضبتَ ربّك» فأتاهم أبو بكرٍ فقال: يا إخوتاه! أغضبتُكم؟ قالوا: لا، يغفرُ اللهُ لك يا أخي!!([i]). وقالَ (صلى الله عليه وسلم): «ربَّ أشعثَ أغبرَ مدفوعٍ بالأبوابِ، لو أقسمَ على اللهِ لأبرَّهُ»([ii]). وكانَ النبيُّ غ يُعلِّمُ أصحابَهُ أنَّ المالَ والوجاهةَ الاجتماعيةَ والمناصبَ المرموقةَ لا تُضفي على الإنسانِ فضلًا لا يستحقُّه، وأنْ الفقرَ وقلةَ المالِ والجاهِ لا يسلبُ الإنسانَ شرفًا يستحقُّه، فقد مرَّ رجلٌ على رسولِ اللهِ غ ومعه أصحابُهُ، فقالَ لهم: «ما تقولونَ في هذا؟» فقالوا: هذا رجلٌ من أشرافِ الناسِ، هذا واللهِ حريٌّ إنْ خطبَ أن يُنكحَ، وإن شَفَعْ أن يُشفَّع، وإنْ قالَ أن يُسْتَمعَ. فسكتَ النبيُّ غ، ثم مرَّ رجلٌ من فقراءِ المسلمينَ، فقالَ: «ما تقولونَ في هذا؟» قالوا: هذا حريٌّ إن خَطَبَ ألَّا يُنكحَ، وإن شَفَعَ ألّا يُشَفَّعَ، وإنْ قالَ ألا يُسمعَ. فقالَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) عن الفقيرِ: «هذا خيرٌ من ملءِ الأرضِ مثلَ هذا»([iii]).

وقالَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم): «ألا أخبرُكم بأهلِ الجنةِ؟ كلُّ ضعيفٍ متضعِّفٍ، لو أقسمَ على اللهِ لأبرَّهُ. ألا أخبرُكم بأهلِ النارِ؟ كلُّ عُتُلٍ(*) جواظٍ(**) مستكبرٍ»([iv]). ومن اهتمامِ النبيِّ غ بشأنِ الضعفاءِ أنَّ امرأةً سوداءَ كانتْ تقُمُّ المسجدَ، ففقدها رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) ، فسألَ عنها، فقالوا: ماتتْ. فقالَ (صلى الله عليه وسلم): «أفلا كنتم آذنتموني»، فكأنهم صغَّروا أمرَها. فقال النبيُّ (صلى الله عليه وسلم): «دلوني على قبرِها» فدلّوه فصلَّى عليها([v]). إنَّ المجتمعَ الذي يشعرُ فيه الفقيرُ والمسكينُ والضعيفُ بأهميتِهِ واهتمامِ المسؤولينَ والقادةِ والقوانينِ به لهو مجتمعٌ التكافلِ والرحمةِ والإنسانيةِ الذي ينعمْ به الجميعُ ويسعدوا بظلالِهِ. ولذلك قالَ (صلى الله عليه وسلم): «من ولّاه اللهُ شيئًا من أمورِ المسلمينَ، فاحتجبَ دون حاجتِهم وخَلَّتهم وفقرِهم، احتجبَ اللهُ دون حاجتِهِ وخَلَّتِهِ وفقرِهِ يومَ القيامةِ»([vi]). ورواه الترمذي بلفظ: «ما من إمامٍ يَغلقُ بابهُ دونَ ذوي الحاجةِ والخَلَّةِ والمسكنةِ إلا أغلقَ اللهُ أبوابَ السماءِ دونَ خَلّتهِ وحاجتهِ ومسكنتهِ»([vii]).

وقالَ (صلى الله عليه وسلم): «من وَلي أمرَ الناسِ، ثم أغلقَ بابهُ دون المسكينِ والمظلومِ وذوي الحاجةِ، أغلقَ اللهُ تباركَ وتعالى أبوابَ رحمتهِ دونَ حاجتهِ وفقرهِ أفقرَ ما يكونُ إليها»([viii]). وفي الجملةِ كانَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يهيبُ بالأمةِ كلِّها أنْ تقفَ لنصرةِ المظلومِ أيًّا كان مستواه ومكانتهِ؛ حيثُ ربطَ بين هذه القضيةِ وقضيةِ كرامةِ الأمةِ نفسِها، فقال: «كيفَ يقدسُ اللهُ أمةً لا يؤخذُ لضعيفِها من شديدِها حقَّه وهو غير متعتعٍ»([ix]).

* * *

11- من حقوق الرقيق

بُعِث النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) في مجتمعٍ يتشكَّلُ من السادةِ والعبيدِ، ولم يكنْ للعبيدِ أيةُ حقوقٍ ماليةٍ أو اجتماعيةٍ أو سياسيةٍ، فرفعَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) من شأنِ هؤلاءِ، وحثَّ على تحريرِهم، وجعل تحرير العبيد كفارة للعديد من الخطايا، ورتَّبَ على ذلك الثوابَ الجزيلَ، فمن وصايا النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) بالرقيقِ:

قولُه (صلى الله عليه وسلم): «اتقوا اللهَ فيما ملكتْ أيمانُكم»([x]).

وقولُهُ (صلى الله عليه وسلم): «أرقّاءَكم، أرقّاءَكم، فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، وإنْ جاؤوا بذنبٍ لا تريدون أنْ تغفروهُ، فبيعوا عباد اللهِ ولا تعذِّبوهم»([xi]).

وقالَ (صلى الله عليه وسلم): «إخوانُكم خولُكم(*)، جعلهم اللهُ قُنيةً(**) تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحتَ يدِهِ، فليطْعِمْهُ من طعامهِ، وليلبسْهُ من لباسِهِ، ولا يكلِّفْهُ ما يغلبُهُ، فإنْ كلِّفه ما يغلبُهُ فليُعنْهُ»([xii]).

وقالَ (صلى الله عليه وسلم): «من ضَرَبَ مملوكَهُ ظالمًا، أُقيدَ منه يومَ القيامةِ»([xiii]).

وقالَ (صلى الله عليه وسلم): «من لطمَ مملوكهُ أو ضربهُ، فكفّارتهُ أن يعتقَهُ»([xiv]).

وحثَّ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) على عتقِ العبيدِ، فقالَ: «أيُّما امرئٍ مسلمٍ أعتقَ امرأً مسلمًا فهو فِكَاكُه من النارِ، يُجزَى بكلِّ عظمٍ منه عظمًا منه، وأيما امرأةٍ مسلمةٍ أعتقتِ امرأةً مسلمةً فهي فكاكُها من النارِ، تُجزَى بكلِّ عظمٍ منها عظمًا منها، وأيما امرئٍ مسلمٍ أعتقَ امرأتينِ مسلمتينِ فهما فكاكُه من النارِ، يُجزى بكلِّ عظمينِ منهما عظمًا منه»([xv]).

وعن عبدِ اللهِ بن عمروٍ ب وجاءه قَهْرمانٌ(*) له فقالَ له: أعطيتَ الرقيقَ قُوتَهم؟ قالَ: لا، قال: فانطلقْ فأعطِهم، قالَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): «كفى إثمًا أنْ تحبسَ عمن تملكَ قوتَهم»([xvi]).

وقالَ (صلى الله عليه وسلم): «إنَّ اللهَ يعذّبُ الذين يعذّبونَ الناسَ في الدنيا»([xvii]).

* * *

 

--------------------------------------------------------------------------------

(*) العتل: الغليظ الجافي.

(**) الجواظ: الفاجر.

(*) خولكم: خدمكم.

(**) قنية: مملوكين.

(*) القهرمان: القائم بأمور الرجل ـ مدير الأعمال ـ.

 

--------------------------------------------------------------------------------

1- رواه مسلم (4559).

2- رواه مسلم (4754).

3- رواه البخاري (4701)، وابن ماجه (4110).

4- رواه البخاري (4537)، ومسلم (5093).

5- رواه مسلم (1588)، وابن ماجه (1522).

6- رواه أبو داود (2559).

7- رواه الترمذي (1253).

8- رواه أحمد (15097).

9- رواه ابن ماجه (2417)

10- رواه أبو داود (4489)، وأحمد (552).

11- رواه أحمد (15813).

12- رواه البخاري (2359)، والترمذي (1868).

13- صحيح الأدب المفرد (134).

14- رواه مسلم (3130)، وأبو داود (4500).

15- رواه الترمذي (1467)، وأبو داود (3453).

16- رواه مسلم (1662).

17- رواه مسلم (4734)، وأبو داود (2648).

تابعونا على المواقع التالية:

Find موقع نبي الرحمة on TwitterFind موقع نبي الرحمة on FacebookFind موقع نبي الرحمة on YouTubeموقع نبي الرحمة RSS feed

البحث

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

البحث

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          صفة النبي:

عن كعب بن مالك في قصة تخلفه عن تبوك، لما نزلت آيات توبته، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  وهو يبرق وجهه من السرور: أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك، قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: لا بل من عند الله. قال: وكان رسول الله  صلى الله عليه وسلم  إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه. متفق عليه.

فضل المدينة وسكناها

فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

برامج إذاعية