4- نموذج لتعرف ملك من ملوك الحبشة على محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وفي حديثِ هجرةِ صحابةِ رسولِ اللهِ محمدٍ إلى الحبشةِ بعدَ ما تعرضوا له من الأذى والتضييقِ ذكرٌ لما تنطوي عليه دعوةُ نبيِّ اللهِ محمدٍ (صلى الله عليه وسلم) من محاسنِ الأخلاقِ، ومراعاةِ الحقوقِ الإنسانيةِ، والبرِّ بالآخرينَ وذلك ما لخصهُ الصحابيُّ جعفرُ بنُ أبي طالبٍ لملكِ الحبشةِ وقتئذٍ (النجاشيِّ) حينَ سألَهُ عن دينهِ وما يدعو إليه.
فقالَ: ما هذا الدِّينُ الذي فارقتُم فيه قومكم ولم تدخلُوا في ديني ولا في دينِ أحدٍ من هذه الأُممِ؟
فكانَ الذي كلمهُ جعفرُ بن أبي طالب فقالَ لهُ: أيُّها الملكُ كنا قومًا أهلَ جاهليةٍ نعبدُ الأصنامَ، ونأكلُ الميتةَ ونأتي الفواحشَ، ونقطعُ الأرحامَ، ونُسيءُ الجوارَ، يأكلُ القويُّ منا الضعيفَ، فكنَّا على ذلك حتى بعثَ اللهُ إلينا رسولًا منا نعرفُ نسبهُ وصدقهُ وأمانتهُ وعفافهُ فدعانا إلى اللهِ لنوحدَهُ، ونعبدَهُ، ونخلعَ ما كنا نعبدُ نحن وآباؤنا من دونهِ من الحجارةِ والأوثانِ، وأمرَنا بصدقِ الحديثِ، وأداءِ الأمانةِ، وصلةِ الرحمِ، وحُسنِ الجوارِ، والكفِّ عن المحارمِ والدماءِ، ونهانا عن الفواحشِ، وقولِ الزورِ، وأكلِ مالِ اليتيمِ، وقذفِ المُحصنةِ، وأمرنا أن نعبدَ اللهَ وحدَهُ لا نُشركُ به شيئًا، وأمرنا بالصلاةِ والزكاةِ، والصيامِ.
فعدَّد عليه أمورَ الإسلام، ثمَّ قال: فصدقْناه وآمنَّا به واتبعنَاه على ما جاءَ به فعبَدنا اللهَ وحدَه فلم نُشركْ به شيئًا وحرَّمنا ما حرَّم علينا، وأحللْنا ما أحلَّ لنا، فعدا علينا قومُنا فعذَّبونا، وفتنونا عن ديننا ليرُدونا إلى عبادةِ الأوثانِ من عبادةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وأنْ نستحلَ ما كنا نستحلُّ من الخبائثِ، فلما قهرونا وظلمونا، وشقَّوا علينا، وحالوا بيننا وبينَ ديننا، خرجنا إلى بلدِكَ واخترناكَ على من سواكَ ورغبنا في جوارِكَ، ورجونا أنْ لا نُظلمْ عندكَ أيُّها الملكُ.
فقالَ له النجاشيُّ: هل معك مما جاءَ به عن اللهِ من شيءٍ؟
فقالَ له جعفرُ: نعم.
فقالَ له النجاشيُّ: فاقرأهُ عليَّ فقرأَ عليه صدرًا من ﴿ﭑ﴾ [مريم]، فبكى واللهِ النجاشيُّ حتى أخضلَ لحيتهُ، وبكتْ أساقفتهُ حتى أخضلوا مصاحفَهم حين سمعوا ما تلا عليهم.
ثم قالَ النجاشيُّ: إنَّ هذا واللهِ والذي جاءَ به موسى ليخرجُ من مشكاةٍ واحدةٍ، انطلقا فواللهِ لا أسلمُهم إليكم أبدًا ولا أكادُ([i]).
* * *
------------------------------
1- رواه أحمد في المسند (1649).