نبي الحكمة...( حسن التصرف )

أتطلبون من المختار معجزة؟  يكفيه شعبٌ من الأجداث أحياهُ . ( إن العالم
أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، .. لقد اطلعت على أمر هذا الرجل،
فوجدته أعجوبة خارقةً، وتوصلت إلى أنَّه لم يكن عدوًا للنصرانية، بل يجب أن
يسمى منقذ البشرية، وفي رأيي أنه لو تولى أمر العالم اليوم، لوفق في حل
مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها).  برنادشو

نبي الحكمة في شئونه الأسرية و في تأديب نسائه وحل الخلافات الزوجية
س:
ما موقف سيد الأخلاق رسول الله  من زوجاته إن أخطأن، ووجه عِظم الخطأ في
أنه كان في حقه، وكلنا يعرف ما حقوق نبينا  علينا ؟ ثم أن خطأهن قد تكرر
وتعدد ؟

(1) لا للابتزاز العاطفي

لما أشاعت حفصة رضي الله
عنها سر رسول الله ، أراد رسول الله  أن يؤدبها ويؤدب سائر زوجاته ؛
لأنهن شاركن في الموضوع، ففي صحيح مسلم، عن ابن عباس  أنه قال: حدثني عمر
بن الخطاب  فقال : ( لما اعتزل نبي الله  نساءه قال : دخلت المسجد فإذا
الناس ينكتون بالحصى ويقولون : (طلق رسول الله نساءه ) وذلك قبل أن يؤمرن
بالحجاب فقال عمر : فقلت : فلا أعلمن ذلك اليوم .. فدخلت على حفصة بنت عمر
فقلت لها : يا حفصة، أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله ، والله لقد علمت
أن رسول الله لا يحبك ولولا أنا لطلقك، فبكت أشد البكاء فقلت لها : أين
رسول الله ؟ فقالت : هو في خزانته في المشربة، فدخلت فإذا أنا برباح غلام
رسول الله  فناديت : يا رباح استأذن لي عندك على رسول الله  ورفعت صوتي،
فأومأ لي أن أرقه، فدخلت على رسول الله  وهو مضطجع على حصير .. قال: ودخلت
عليه حين دخلت وأنا أرى في وجهه الغضب، فقلت : يا رسول الله، ما يشق عليك
من أمر النساء، فإذا كنت طلقتهن فإن الله معك، وملائكته وجبريل وميكائيل،
وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك . فقلت : يا رسول الله، أطلقتهن ؟ قال : ( لا )
. قلت : يا رسول الله إني دخلت المسجد والناس يقولون : طلق رسول الله 
نساءه، أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن ؟ قال: ( نعم )، إن شئت، قال: فلم أزل
أحدثه حتى تحسر الغضب عن وجهه وحتى أكثر مضحك، وكأنه من أحسن الناس ثغرًا،
ثم نزل نبي الله ونزلت، فقلت : يا رسول الله، إنما كنت في الغرفة تسعًا
وعشرين . قال : ( إن الشهر يكون تسعًا وعشرين ) .

 إذا كانت كتب
السيرة والسنة قد دونت لنا مواقفاٌ كثيرة في لطفه  ومداراته لزوجاته إلا
أن ذلك اللطف والرفق كان له حدوداٌ يقف عندها وضوابط لا يتجاوزها، فالزوجة
في الغالب إذا وجدت من الزوج رفقًا فهو يتلمس رضاها ويتجنب غضبها قد تطمع
منه في المزيد مما يوقعه في الحرج والزلل، أو قد تغض عن بعض حقوقه، فيسقط
في يده إذ يصعب عليه مطالبتها بها بعد .. وكم يقع في المجتمعات من أنواع
القصور والزلل مما لا يعلمه إلا الله كحالات عقوق الوالدين وقطيعة الأرحام
وأكل الأموال بالباطل وغير ذلك كثير مما قد يتسبب فيها النساء ممن أخلص
أزواجهن في حبهن وتفانوا في طلب رضاهن !!

ولذا كان من حكمة الزوج ورجاحة عقله أن يكبح جماح عاطفته المندفعة ليسمع صوت عقله ونداء فطرته وتحذير ربه

يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوًا لكم فاحذروهم  [
التغابن، 14 ]، وألا يستجيب للابتزاز العاطفي الذي يمارسه عليه أهل بيته .


كما أنه من القواعد التربوية الهامة مراعاة التناسب بين حجم الذنب وعقوبته
في الزمن والقدر، فلا يفرط المربي في العقوبة فيغلظ معه قلب المذنب ويعتاد
العقوبة ويألف الذنب أو يخففها فيستخف المذنب بالمربي وبأدبه.


التنوع في العقوبة له وقعه في النفس ومن أكثرها إيلامًا الهجران أو ما يسمى
بـ (الانسحاب) أو إن شئت نسمها بـ ( الحرب الباردة ) ! .

 إن نجاح
عقوبة المربي تقاس بنتائجها، وإن الخروج بتوصية حازمة ونتيجة صارمة يتفق
عليها كل الأطراف المتنازعة ليدل على قوة في شخصية المربي وذكاء في تعامله
مع الأشخاص وقدرة على تطويعه للأحداث، إذ بعد هجرانه  لنسائه خيرهن بينه
وبين التسريح بالحسنى فكلهن أجمعن على اختياره فكان الاختيار الموفق ..


من اللفتات الإنسانية في حال الخلافات الزوجية عند انتهاء فترة الهجران
والخصومة أن يُشعر الزوج زوجاته بقدرته على الانصياع للغة العقل مهما طالت
مدة الخصام مع بقاء الود والشوق، ولا أدل على ذلك من إنهاء رسول الله  مدة
الهجر بأقل زمن للشهر وهو تسع وعشرون !!

الخلع، الورقة الرابحة بيد الزوجة


جاءت امرأة ثابت بن قيس لرسول الله  فقالت : يا رسول الله، ما أنقم على
ثابت في دين ولا خلق، إلا إني أخاف الكفر، فقال لها رسول الله : ( أتردين
عليه حديقته؟) فقالت: نعم. فردت عليه وأمره ففارقها ) البخاري.

وقد
جاء عن ابن عباس  : ( أول خلع كان في الإسلام امرأة ثابت بنت قيس، أتت
النبي  فقالت : يا رسول الله رأسي ورأس ثابت أبدًا إني رفعت جانب الخباء
فرأيته أقبل في عدة، فإذا هو أشدهم سوادًا، وأقصرهم قامة، وأقبحهم وجهًا،
فقال : ( أتردين عليه حديقته ؟ ) قالت : نعم ) .

 كلما قرأت الحديث
السابق يتجدد تعجبي من جرأة الصحابية رضي الله عنها في التصريح برأيها،
وتبرير موقفها من زوجها، ويتعاظم تعجبي من ذلك الأمن النفسي الذي بثه رسول
الله  في نفوس صحابته جميعًا ذكورًا وإناثًا، قريبين منه أو كانوا بعيدين
عنه، فيمكن للواحد منهم أن يعبر عن رأيه صراحة ويوضح وجهة نظره ولو كانت
مخالفة دون خوف من نقد لاذع أو تعيير صارخ .

 ثم ماذا عن موقفه 
من الزوجة الكارهة لزوجها النافرة من هيئته، هل رغبها في الصبر عليه
والاحتساب ؟ هل حذرها من مغبة طلاقها منه إذ لا يعاب عليه في سوء خلق أو
دين ؟ هل أهمل عاطفتها، وهمش رأيها، وسخر من قرارها ؟

حاشاه صلوات
ربي وسلامه عليه أن يتخذ موقفًا ظالمًا ينتصر فيه لبني جنسه من الرجال، بل
كان موقفه عادلاً وحله عاجلاً، وجوابه مرضيًا (أو تردين عليه حديقته ؟) إنه
(الخلع) الذي جاء به الإسلام منذ خمسة عشر قرنًا كحل منصف وورقة رابحة في
يد المرأة المسلمة في الوقت الذي لم تقرره المحاكم الأوربية بعد، وما زال
محل دراسة ونظر في المحاكم الوضعية في أغلب الدول الإسلامية !!

 (
أو تردين عليه حديقته ) لم يطالب الرسول  الزوجة بافتداء نفسها بأكثر مما
أصدقها زوجها، تحقيقًا للعدل وصدًا لباب الابتزاز واستغلال حاجة المرأة
الملحة للانفصال ..

وبيت رسول الله  كسائر بيوت الناس تعتريها بعض
الرياح الهوجاء التي تهددها بالانكفاء أو تغيير وجهة المسار، فهل يعجز رسول
الله  الزوج الحكيم أن يسيطر على دفة القيادة، وأن يجتاز بقاربه أمواج
الأقاويل المتلاطمة، والإشاعات المظلمة ؟

(بلسان زوج حكيم : ولن تنكفئ السفينة)

لما
انتشر خبر الإفك وذاع في المدينة، ولم ينزل بعد وحي ببراءة عائشة رضي الله
عنها وقف  في الناس خطيبًا وبعد أن حمد الله وأثنى عليه قال : ( أيها
الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي ويقولون عليهم غير الحق، والله ما علمت
عليهم إلا خيرًا، ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه إلا خيرًا، ولا يدخل
بيتًا من بيوتي إلا وهو معي ) .

إن وقوف رسول الله  في وجه تلك
الريح المهلكة من الإشاعة المفرطة والتي كانت تعصف ببيت النبي  بل وبأحب
بيوت نسائه إليه موقفًا يسجل نجاحًا هائلاً من سلسلة نجاحاته الأسرية،
فتأمل أخي القارئ في الخطوات الحكيمة التي اتبعها بنور من ربه ..

أ-
أعلن على الملأ براءة أهله ومن أتُهِم معهم، إخراسًا للألسن وقطعًا
للأقاويل المغرضة، وتحذيرًا من مغبة الانزلاق في المشاركة في الفتنة،
وتعزيزًا لجانب الزوجة، وحفاظًا على كرامتها وتصريحًا بالوقوف بجوارها، إذ
أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.

ب- ولا تمنع الخطوة السابقة من اتباعهما الخطوات التالية :

- دوام البحث والتحري بسؤال المقربين وأهل خاصتها حفاظًا

على السرية ومراعاة لحرمة زوجه وضمانًا لبلوغ الحق كما

ثبت من سؤاله  لأسامه  وبريرة.

-
إظهار الاستياء وشيء من الجفاء كأسلوب تأديـبي يهدف لمراجعة الزوجة نفسها
ويخلصها من خطئها، كما يدل عليه قول عائشة رضي الله عنها : ( وما يربيني في
وجعي أني لا أعرف من رسول الله  اللطف الذي كنت أرى منه حين اشتكى، إنما
يدخل عليَّ رسول الله  ثم يقول : كيف أتيكم؟ ثم ينصرف .

- مراجعتها
في شأنها ودعوتها للتوبة مع ترك الأبواب مشرعة أمامها وعدم التضييق عليها
بحشرها في زاوية الاتهام، وذلك بغرض احتواء المشكلة،كما جاء في وصفها رضي
الله عنها للحادثة تقول : ( دخل رسول الله  فسلم ثم جلس، ولم يجلس عندي
منذ قيل ما قيل قبلها ولقد لبث شهرًا لا يوحى إليه في شأني شيء، فتشهد رسول
الله  حين جلس، ثم قال: ( أما بعد يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن
كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت قد ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه،
فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه ) .

وكم أرثي لحال
كثير من الزوجات حينما تتلقف آذان أزواجهن كل كلمة مغرضة عنهن فيبادرون
بالبحث عن أدلة تؤكدها بعيدًا عن روح البحث النـزيه أي حياة ضعف وذل
تتغصصها تلك المسكينة في كنف رجل لم تجد في ظله المنعة والعزة والأمان ؟؟
ولا أجد تشبيهًا للحياة الزوجية من هذا النوع إلا لمن يعيش فوق أرض سطحها
هش تهدده الحمم البركانية في كل لحظة من لحظات حياته، يحسب كل هزة، لا تكاد
تفارق يده قلبه منتظرًا الساعة الكبرى .

وعلى طرفي نقيض هناك صنف
آخر من الأزواج، يبصر بأم عينه زوجة تدخل وتخرج لحاجة أو لغير، تصول وتجول،
تأمر وتنهي تقدم وتأخر، وقد تحوم حولها الشبهات وتكثر في وجهتها الإشاعات
.. وهو يكتفي من ذلك كله بالرضا أو التظاهر به، قد ماتت الغيرة في قلبه
وضعفت الرجولة في شخصه مؤثرًا حياة الدعة والسكينة في كنف ( الرَجِلَة ) من
النساء  .

أين الأب الراعي وأين الزوج
 في بيت تنهى النساء وتأمُر ؟
إني لأسأل عن رجال عشيرتي
 أين الثبات وأين أين الجوهرُ ؟
أين القوامة يا رجال أما لكم شرف ؟
 أليس لكم إباءٌ يذكرُ ؟
أين العقول أما لديكم حكمة ؟
 أين القلوب أما تحس وتشعر ؟
فقط للزوج قبل أن يعدد
أسئلة هامة
لقد
ضرب رسول الله  بحكمته في معالجته شئون نسائه وحسن تصرفه في مواجهة ما
ينشب بين الضرائر من مشكلات مثلاً إنسانيًا لما ينبغي أن يكون عليه حال
الأسر المسلمة ممن تجتمع تحت معيل واحد من الانسجام النفسي والتوافق الأسري
ولا أدل على ذلك من شهادة بعض زوجاته رضي الله عنهن في بعض من نزاهة
وإنصاف بعيدًا عن رائحة التجني وفتن الغمز واللمز !! فهذه عائشة رضي الله
عنها تمتدح سودة رضي الله عنها فتقول : ( ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في
مسلاخها من سودة من امرأة فيها حدة ) أخرجه مسلم / كتاب الرضاع . أي تمنت
أن تكون في مثل هديها وطريقتها .

وفي حادثة الإفك لما سأل رسول الله
 زينب بنت جحش عن أمر عائشة رضي الله عنهما لم تصطد في الماء العكر
منتهزة الفرصة السانحة لتطعن في خاصرة غريمتها وضرتها فكان لسانها شاهدًا
على ما يحمل جنانها من تقوى وورع إذ قالت : ( يا رسول الله احمي سمعي
وبصري، والله ما علمت إلا خيرًا ) لتجيء شهادة عائشة رضي الله عنها بعد،
تحمل الشكر والامتنان، إذ قالت في زينب : ( وهي التي كانت تساميني من أزواج
النبي  فعصمها الله بالورع ) متفق عليه .

س: ما موقفك حيال خطأ نسائك في حق بعضهن من جراء الغيرة الناشئة بينهن ؟

ج: استمع لهاتين الحادثتين :

1-
فهذه عائشة رضي الله عنها قالت : حسبك من صفية كذا وكذا وتعني قصيرة )
فقال  : ( لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ) أبو داود ( 4875 )

فكون عائشة رضي الله عنها هي الأثيرة عند رسول الله  لا يعني ذلك السكوت عن خطئها في حق غيرها .

 وإذا كان الوعظ والتذكير مما ينتفع به المخطئ فينبغي الاقتصار عليه .


فلو قدر للزوج السكوت عن خطأ نسائه في حق بعضهن فإنه بذلك قد اقترف ذنبًا
في حق نفسه بالسكوت عن الخطأ أولاً وبالدخول في دوامة المشكلات بين النساء
والتي لا تنتهي غالبًا.

2- روي أن نساء رسول الله  كن حزبين، فحزب
فيه عائشة وحفصة، وصفية وسودة، والحزب الآخر أم سلمة وسائر نسائه  وكان
المسلمون قد علموا حب رسول الله  لعائشة، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد
أن يهديها لرسول الله  أخرها حتى إذا كان رسول الله  في بيت عائشة . فكلم
حزب أم سلمة فقلن لها كلمي رسول الله  يكلم الناس، فيقول من أراد أن يهدي
إلى رسول الله  هدية فليهديها إليه حيث كان من بيوت نسائه، فكلمته أم
سلمة بما قلن، فلم يقل لها شيئًا، فسألتها، فقالت : ما قال لي شيئًا، فقلن
لها فكلميه، قالت : فكلمته حين دار إليها أيضًا، فلم يقل شيئًا، فسألتها
فقالت : ما قال لي شيئًا، فقلن لها كلميه حتى يكلمكِ، فدار إليها فكلمته،
فقال لها : لا تؤذينني في عائشة، فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا
عائشة، فقالت : أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله ، فأرسلن فاطمة رضي
الله عنها إلى رسول الله  تقول : إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي
بكر فكلمته، فقال : يا بنية : ألا تحبين ما أحب . قالت : بلى، فرجعت إليهن
فأخبرتهن، فقلن : ارجعي إليه، فأبت أن ترجع، فأرسلن زينب بنت جحش، فأتته
فأغلظت، وقالت : إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي قحافة فرفعت صوتها
حتى تناولت عائشة، وهي قاعدة، فسبتها حتى أن رسول الله  لينظر إلى عائشة
هل تتكلم، قال : فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها . قالت : فنظر
النبي  إلى عائشة، وقال: ( إنها بنت أبي بكر الصديق ) صحيح البخاري، باب
الهبة .

 فتأمل – يا رعاك الله – في حكمته في معالجة الموقف بين
زوجاته، فقد طالبن منه أمرًا ليس بمقدوره، فليس بيده أن يرغم الناس على أن
يهدونه في أيام الأخريات من نسائه ولعل

ذلك  أحد أسباب إيثاره الصمت حيال مطلبهن .


ثم فكر في موقفه حيال المشادة التي دارت بين زينب وعائشة رضي الله عنهما،
فقد اكتفى بالصمت، مع السماح للمتظلمة بالانتصاف لنفسها، دون أن يقحم نفسه
بالدفاع عن إحداهن أو التدخل عمومًا فيما دار بينهن من خلاف ولو بقصد
الإصلاح ؛ لأن ذلك في الغالب يفضي إلى اشتعال الخصومة وإيقاد نار الفرقة
بينهن، ولو التزم الأزواج بهذا الهدي النبوي لما ارتفعت زفرة الشاعر بتلك
الأبيات :

تزوجت اثنتين لفرط جهلي
فقلت أصير بينهما خروفًا
فصرت كنعجة تضحي وتمسي
رضا هذي يهيج سخط هذي
وألقى في المعيشة كل ضر

 بما يشقى به زوج اثنتين
أُنعم بين أكرم نعجتين
تداول بين أخبث ذئبتين
فما أنجو من إحدى السخطين
كذلك الضر بين الضرتين

(
قد تسيطر كثير من الأفكار السلبية والخواطر السوداوية على تفكير الزوجة
فتدفعها إلى تصور اعتقادات أو ممارسة سلوكيات مجانبة للصواب،ومن ذلك الشك
في سبب كثرة غياب الزوج والاعتقاد بحياة هانئة يرفل بها الزوج مع غيرها من
الزوجات .)
س: فما موقفك فيما لو كانت زوجتك هي المعنية مما سبق ؟

ج:
أولاً : مما جاء عن عائشة رضي الله عنها : ( أن رسول الله  خرج من عندنا
ليلاً، قالت : فغرت عليه أن يكون أتى بعض نسائه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال :
( أغرت ؟ ) فقالت : وهل مثلي لا يغار على مثلك ؟ ) مسلم .

 فتأمل
موقفه الكريم  فقد بادرها أولاً بسؤاله : (أغرت؟) وهو في الحقيقة دعوة
لإخراج ما يعتلج داخل النفس من صراع عن طريق الحوار العلني .

 ثم
إن في إخباره بما في نفس عائشة رضي الله عنها من مشاعر على هيئة سؤال : (
أغرت ؟ ) إشارة إلى فهمه لنفسية زوجه وتقديره للدافع وراء سلوكها وهذا ما
يخفف على الزوجة مشاعرها السلبية لشعورها بالتقارب النفسي بينها وبين زوجها
..

وفي سؤاله صلوات ربي وسلامه عليه ( أغرت ؟ ) تشكيكًا في صحة
المقولة الشائعة بشأن الفروق النفسية بين الرجل والمرأة وذلك بزعمهم أن
الرجل لا يعبأ بالتفاصيل مكتفيًا بالنظرة الإجمالية والحكم العام .. ولا شك
أن تصديق هذا الزعم يفضي إلى سوء فهم وضعف في التواصل بين الزوجين .. وهاك
هذا المثال ..

تقول ( هند ) – وهي ممسكة بالمرآة تبحلق في وجهها –
لقد أثر الحمل الأخير بولدي ( ثامر ) فيَّ كثير، فهذه بشرتي انتشرت فيها
التصبغات ( كلف الحمل ) ينتبه الزوج لملاحظتها ويجيب وهو يركز بناظريه إلى
وجنتي زوجه ؛ نعم.. لقد تغير جمالك كثيرً وبدوت أكبر سنًا*!!

*(إن سمات الرجال والنساء أحكام عامة لا تنقض بمجرد وجود موقف فردي يخالف السمة العامة).(الدويش)

(
فهند ) الزوجة أبدت ملاحظتها تلك لعلها تخطى بتقدير ودعم من زوجها ولكن
الرسالة لم تصله لأنه لم يفكر في السبب واكتفى بالحكم المباشر الوقاف عند
حدود الصورة !!

ثانيًا : ( قالت عائشة رضي الله عنها : وارأساه،
فقال رسول الله  ذلك لو كان وأنا حي ( يعني لو توفيت ) فاستغفر لك وأدعو
لك فقالت عائشة : واثكلياه، والله إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك لظللت
آخر يومك معرسًا  ببعض أزواجك، فتبسم رسول الله ، فقال النبي  : ( بل أنا
وارأساه ) رواه البخاري / 125 .

وتبدو حكمته  في التخفيف من غيرة عائشة رضي الله عنها في خطوتين – كما يبدو - .


مقابلة كلامها بابتسامة لتخفيف حدة الانفعال الناشئ في نفسها من شدة
الغيرة ولقد تقرر أن الاختلافات والخلافات الموجودة بين الزوجين يصبح
تفهمها وحلها غاية في السهولة

من خلال التعامل معها بروح الدعابة([1]) ..


قوله  : ( بل أنا وارأساه ) مواساتها في وجعها بإشعارها بمشاركته إياها
في الوجع نفسه، وهذا أسلوب حكيم آخر للتخفيف من التوتر النفسي الناشئ من
التركيز في الألم الشخصي بتوزيع التفكير في الوجع الذي يشاركها فيه الآخرون
..

ثالثًا : أخرج البخاري عن أنس  قال : ( كان النبي  عند بعض
نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي  في
بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي  فِلق الصحفة ثم جعل
يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول : غارت أمكم، ثم حبس الخادم حتى
أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت
صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت فيه ) كتاب النكاح، باب الغيرة.

وتتضح حكمته صلوات ربي وسلامه عليه في الخطوات التالية حيال هذا الموقف المفاجئ والتوتر العاصف :

- تشاغله بجمع فلق الصحفة كمحاولة لإخماد النار قبل اشتدادها بصرف القلوب عن الاشتغال بها .

- اعتذاره عنها بتشخيص الدافع وراء تصرفها، وهذه محاولة ثانية لاحتواء الموقف، وتهدئة النفوس الثائرة .

- إشعارها بذنبها بإلزامها بدفع العوض .

-
في قوله  ( غارت أمكم ) إشارة إلى مرتبة أم المؤمنين التي لا ينبغي لهذا
الموقف أن ينقصها حقها ويبرر النيل منها وتذكير للمخطئة بفضيلتها وأن خطأها
لا يقلل من شأنها في حق نفسها .

قبل أن تعض أصابع الندم

اختيار الزوج المناسب للابنة

خطب
أبو بكر وعمر  فاطمة رضي الله عنها فقال رسول الله  : ( إنها صغيرة )
فخطبها علي  فزوجها، ( سنن أبي داود ) فها هو نبي الحكمة تخطب ابنته من
اثنين من أكابر الصحابة وأوفرهم دينًا وأعظمهم خلقًا، ولا يخفى عليه ذلك
صلوات ربي وسلامه عليه، فيردهم متلطفًا بحجة صغر سنها، ولما تقدم لخطبتها
الشاب الأعزب الكفء سارع بتزويجها إياه، إذ أن لنجاح الحياة الزوجية لوازم
دقيقة قد تخفى على الكثير من الأولياء كعدم وجود ( ضرائر ) والتقارب
العمري، والتشابه البيئي، والانسجام الفكري ونحوه ..

وكم من
الأولياء نجده خبيرًا في شئون وظيفته، ماهرًا في إدارة عمله نشطًا في تمويل
أمواله، لكنه فاشلاً في حسن انتقاء الأزواج لبناته، فإما يسارع بتزويجهن
من أول طارق للباب دون التحري عنه والسؤال وإما أن يكتفي ببعض الأوصاف من
حيث كفاءة النسب والمال دون العناية بحسن الخلق والدين بحجة ( أن الرجل لا
يعيبه شيء ) لتدخل الابنة ( الضحية ) بعدها في مرحلة جديدة من التعاسة
والشقاء، لا تنتهي إلا بأحد أمرين، إما أن تعيش في حال انتظار الفرج
الرباني متجرعة مرارة الصبر صبحًا ومساءً، وإما إنهاء حياتها الزوجية
برصاصة الرحمة المسماة بالطلاق، وعلى كل فقد جاء في أحد الأمثال الصينية (
إذا نجح زواج ابنتك فقد كسبت ابنًا، وإذا خسر فقد خسرت بنتًا ) .

تأملات في فن القيادة

هل
كل أحد يصلح للقيادة ؟، وماذا لو أعطي فرصة لممارسة الدور على أرض الواقع
باعتبار أن الخبرة الكافية والتجارب المتتابعة كفيلة بصقله قياديًا ؟ أم أن
القيادة الناجحة تحتاج إلى قائد من نوع خاص، قائد يتمتع بالذكاء الفطري
والحس القيادي وبعد النظر وسداد الرأي، وهذه مؤهلات تحتاجها الأمم في
قياداتها منذ اللحظة الأولى دون أن يكون هناك ضحايا لعدم نضج القيادة بعد
.. ؟

الفتى الملهم

قد تعيننا هذه القصة في كتب السير في
الإجابة على الاستفهامات السابقة، وموجزها ( هو اختلاف قريش بشأن من يضع
الحجر الأسود في مكانه، وذلك بعدما فرغوا من بناء البيت، وقد كاد أن يكون
بينهم حربٌ وقتالٌ، فقالوا : اجعلوا بينكم أول رجل يدخل من هذا الباب، فدخل
رسول الله ، وكانوا يسمونه بالأمين، فقالوا : قد دخل الأمين، فقالوا : يا
محمد قد رضينا بك، فدعا بثوب فبسطه، ثم وضع الحجر فيه، ثم قال لجميع
البطون من قريش، ليأخذ من كل بطن منكم بناحية من الثوب، فرفعوه، فأخذه رسول
الله  فوضعه ) .

إن أول ما يدل على استحقاق الرسول  للاصطفاء
بالنبوة هو ما كان يتمتع به من صفات القيادة الناجحة وعلى رأسها الحكمة في
تيسير الأمور واحتواء المواقف والسيطرة على زمامها، وحل الخلافات بين
الأفراد بذكاء وبداهة تجتمع لها القلوب وترضى بها العقول .. إلى أن تنزل
عليه وحي من ربه وقبس من هديه فكان نورٌ على نور  ويهدي الله لنوره من
يشاء  [ النور، 35 ] .

(المُعلم المعَلَم)..

(قصة المسيء في صلاته)

*
يقول رفاعة بن رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في
المسجد يوماً ونحن معه إذ جاءه رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته ثم انصرف.

- فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم.

- فقال النبي صلى الله عليه وسلم:وعليك،فارج فصل فإنك لم تصل.

- فرجع فصلى ثم جاء فسلم عليه.

- فقال:وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل.

(ففعل
ذلك مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم على
النبي صلى الله عليه وسلم فيقول النبي صلى الله عليه وسلم وعليك فارجع فصل
فإنك لم تصل فخاف الناس وكبر عليهم أن يكون من أخف صلاته لم يصل.

- فقال :الرجل في آخر ذلك فأرني وعلمني فإنما أنا بشر

أصيب وأخطئ.

-
فقال:أجل إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله ثم أشهد وأقم فإن كان
معك قران فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله ثم اركع فاطمئن راكعاً ثم
اعتدل قائماً ثم اسجد فاعتدل ساجداً ثم اجلس فاطمئن جالساً ثم قم فإذا فعلت
ذلك فقد تمت صلاتك وإن انتقصت منه شيئاً انتقصت من صلاتك.

قال الراوي وكان هذا أهون عليهم من الأول أنه من انتقص من ذلك شيئاً انتقص من صلاته ولم تذهب كلها) الترمذي/الصلاة ..

- أما بشأن المتعجل في صلاته،فتأمل-أخي القارئ-في التوجيهات النبوية الحكيمه تجاهه:-

أولاً:إعطاء
المخطئ الفرصة الكافية والمتكررة لتصحيح الخطأ بدلاً من تصحيح القائد أو
المربي ذلك بنفسه،ومن أمثلة ذلك:(طالب لم يتمكن من معرفة جواب المسألة
المعروضة عليه،فلا بأس من إعطائه فسحة من الوقت وتكرار ذلك ليتمكن من حلها
بنفسه).

"ابنك جاء معترفاً باعتدائه بالضرب أو الشتم على أحد
زملائه،فمن الأفضل توجيه الابن لإصلاح الموقف بنفسه،دون أن تملي عليه
تفصيلياً ما الذي يجب عليه فعله"

أما فوائد هذه الإستراتيجية التوجيهية فتتلخص في الآتي:-

1- تقوية ملكة التفكير(التحليل أو التأملي...الخ)لدى المتربي.

2- تنمية فضيلة الصبر والقدرة على التحمل وحسن التصرف عند المربي.

3- بث روح التحدي والتنافس في الباحث وهما الوقود الذي لا ينضب في طريق النجاح والتفوق.

4- مع اشتداد البحث تقوى معها الرغبة والحاجة إلى معرفة الصواب وهذا أدعى لثباته وشدة الانتفاع به.

5- إن مجرد التجربة لا تخلو من فائدة إذ قد تكون سبباً للاكتشاف والإبداع.

6-
إن أصاب بعد محاولاته لا شك أنه سيفرح بإصابته ويعدها مكسباً لأنه يرى أن
ذلك جاء ثمرة جهده وإن أخطأ،فإنه على الأقل تذوق حلاوة المحاولة..

7-
قد يرجع الباحث إلى نفسه ويقر بمحدودية تجربته أو بقصور فهمه،وإن لم يصرح
بذلك-إلا أن عودته للمربي للإستنارة به ينم عن تواضعه للحق وصدق رغبته في
معرفته،واعتراف ضمني بمكانه المربي وحاجة المتربي له.

ثانياً:- إن
هذا الحديث المنقول يسجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم السبق في تفعيل
الدروس العملية والتي من شأنها أنها لا تفيد الممارس وحده بل كل من عاينه.

من هو القائد الرباني ؟

جاء
في صحيح مسلم في رواية شروط الصلح ما يثبت حدة ذكائه ونفاذ بصيرته صراحة،
فإنه لما كتب في الشروط أن من جاء من المسلمين إلى قريش لا يردونه عليهم،
ومن جاء من قريش إلى المسلمين ردوه عليهم، وهنا توقف الصحابة، وسألوا
الرسول  أنكتب هذا ؟ قال : ( نعم، إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن
جاءنا منهم سيجعل الله له فرجًا ومخرجًا ) .

والسبب الذي أزعج
المسلمين هو عدم المساواة في المعاملة، فالعدل يقتضي أن يتعامل الطرفان على
حد سواء ولكن رسول الله  فهم من الشروط فهمًا لم يدركه غيره ولذا فقد
شرحه لهم، إن الذي يذهب من المسلمين إلى الكفار لا يكون إلا رجلاً ناكصًا
على عقبيه،ارتكس في الضلال بعد أن ذاق حلاوة الهدى، ومثل هذا لا خير فيه
فذهابه ذهاب شر عن المسلمين، لأن وجوده بينهم قد يضر بوحدتهم، وأما من جاء
إلى المسلمين من المشركين، فإن كان صادقًا في إيمانه فلن يضره فتنة القوم
ومحاولة صرفه عن دينه، وسيكون للمسلمين بمثابة العين يتجسس لهم أخبار القوم
ويقف على ما يدبرون للمسلمين من الدسائس والكيد، ولن يتركه الله تحت رحمة
هؤلاء الظالمين، بل سيجعل له فرجًا ومخرجًا ..

أدرك المسلمون هذا
المعنى العميق فهدأت نفوسهم واطمأنت قلوبهم ووقفوا على السر الذي جعل رسول
الله  يقبل هذا الشرط الذي حسبوه إجحافًا بحقهم إلى أن نزلت آيات من سورة
الفتح :  إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما
تأخر، ويتم نعمته عليك، ويهديك صراطًا مستقيمًا، وينصرك الله نصرًا عزيزًا 
[ 1 – 3 ]

فكانت بردًا وسلامًا على قلب رسول الله  وعلى المسلمين .

ثمار صلح الحديبية :

-
لقد حققت هذه المعاهدة سلامًا للناس جميعًا في جزيرة العرب ولو لمدة
وجيزة، فمكنت من التقاء الناس، وتبادل الأفكار، وعرض الإسلام في صورته
الصحيحة ..

- اعتراف قريش بدولة الإسلام، وأذعنت أن المسلمين أندادٌ لها، لا مجرد أفرادٌ متمردين .

- تفرغ المسلمون لألد أعدائهم وهم يهود المدينة، الذين حرضوا على المسلمين، وحزبوا الأحزاب ضدهم .

- لجوء رسول الله  إلى أسلوب جديد من أساليب الدعوة لدين الله وهو مكاتبة الملوك والأمراء ودعوتهم للإسلام .

- كان الصلح تمهيدًا لفتح مكة ذلك الفتح العظيم الذي كان تمهيدًا لتوحيد أرض الجزيرة تحت راية الإسلام([2]) .


قد لا نجد ما يمكن إضافته على ما سبق إلا التنويه على ضرورات ينبغي أن
يتحلى بها المربون، كافة والقادة خاصة كالثقة بنصر الله وبوعده وتمكينه
وهذه المعاني القلبية الجليلة لا ترد إلا على قلب مؤمن قد أخلص في دعوته
لدين الله لا يدعو لنفسه والتفات الناس من حوله وللمكاثرة والمفاخرة بكثرة
تلاميذه ومحبيه أو لغير ذلك من شهوات النفس وأعراض الدنيا.

 إن
نجاح الدعوات لا يكون إلا على أيدي قادة ربانيين عرفوا بالتؤدة ووضوح
الرؤية، ونفاذ البصيرة وسعة الأفق، والصلابة في الحق، وما جر على أمتنا
عمومًا وعلى الجماعات الإسلامية خصوصًا من ويلات التعقب و شرور المطاردة
والقتل والتنكيل إلا بسبب شرذمة من المتعجلين وقصار النظر .

 إن من
أحكم وسائل الدعوة لدين الله وسيلة المكاتبة والمراسلة مع مراعاة آدابها
وأحكامها ككتاباته صلوات ربي وسلامه عليه لكبار الحكام في زمانه لأنها
وسيلة تجمع بين الجو الآمن والسلام النفسي وبين قلة وقوع الخطأ إذ قلما
يخطئ القلم إذا أحسن صاحبه توجيهه، كما أنها فرصة مناسبة بالنسبة للمرسل
إليه لمراجعة قراءة الخطاب بتأني والتفكير الموضوعي بعيدًا عن ضغط الكبرياء
وخوف الملامة .

 إن خصائص تفكير القائد الناجح قد اجتمعت واتضحت بجلاء في صلح الحديبية وإليكم هذه الخصائص ومطابقتها على موقفه من شروط الصلح .

خصائص التفكير الناجح([3])
 الأمثلة من موقفه من الصلح
 
إتباعه منهجًا سليمًا متجردًا من أثر الهوى و العاطفة
 لم
تثنه المواقف المثيرة العاطفة ممن جاءه من الصحابة مسلمًا وفارًا من مكة
ولكن بعدما فرغ رسول الله  من كتابة الصلح فأعاده رسول الله  وفقًا
للشروط إلى أهل مكة على الرغم من استياء الصحابة واحتجاجهم
 
إعطاء الأمور والقضايا حجمها دون مبالغة أو تهوين
 وهذا يتضح في ثباته في مبدئه وصلابة موقفه
 
الانفتاح على الأفكار الخارجية ووجهات النظر الأخرى
 وهذا أيضًا جليٌ في المحاورة التي دارت بينه وبين من تولى كتابة شروط الصلح من رسل قريش
 
التوقيت
المناسب في الحكم على الأمور واتخاذ القرارات بتوازن بين العجلة والتأخير
بناء على وضوح التصور وتوفر الإمكانات والدلائل ( مع حسن التوقع والتنبوء )
 وهذا يتبين من عبارته الحكيمة في تطمينه لصحابته ( إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله،ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجًا ومخرجًا )
 
ويبقى الود

قد
لا يكون الفصل بين المتخاصمين بالرجوع إلى حكم القضاء هو الحل الأمثل
دائمًا، إذا كان في الأمر سعة أي كان بوسع الحاكم فض الخلاف بين المتخاصمين
مع ضمان الصلح بينهما على أساس من التسامح والعفو، فإن ذلك أدعى لإزالة
أسباب الخلاف مع بقاء الود وسلامة القلب، وإليك هذه الواقعة :

إن
كعب بن مالك تقاضى ابن أبي حدرد دينًا كان عليه، في المسجد، فارتفعت
أصواتهما، حتى سمعهما رسول الله  وهو في بيته فخرج إليهما، حتى كشف سجف
حجرته، فنادى : ( يا كعب ) قال : لبيك يا رسول الله، قال : ( ضع من دينك
هذا ) وأومأ إليه، أي الشطر، قال : لقد فعلت يا رسول الله، قال : ( قم
فاقضه ) متفق عليه .

الوجه الحقيقي للقوة

 وإن كنَّا قد
أشرنا إلى إمكانية حل الخلاف بين المتخاصمين بشكل ودي ومرضٍ لجميع الأطراف،
إلا أنه ينبغي الإشارة إلى موقف لا مناص منه في تطبيق شرع الله، إذا كان
ذلك في حد من حدود الله فلا مجال حينئذ - إذا رفع الحكم للقاضي – للتغاضي
أو التنازل، ولا يخفى عليكم موقفه  الصارم بشأن المخزومية التي سرقت فأرسل
قومها شفيعًا لرسول الله  لعله يسقط عنها الحد، فقال، كلمته المحفوظة (
إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق
فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت
يدها ) متفق عليه .

فالقوة الحقيقية إذًا هي في عدم قبول المساومة أو التنازل على حساب الشرع وتطبيق حدوده مهما كان حجم التضحيات .

إن
رقي الأمم وتحضرها لقياس بتحقيقها العدل في تطبيق الشرع أو القانون بين
أوساط أفراد شعوبها على اختلاف تركيبتهم الاجتماعية ودرجاتهم العلمية
ومستوياتهم الاقتصادية , ولقد كان لرسول العدالة  سجل السبق في تقرير ذلك
وتطبيقه.

 إن مجرد إدراك أن سيف العدالة مسلط على رقاب كل من تسول
له نفسه الاعتداء على حقوق الآخرين , لا يحول دون سله ( فزعة) قبيلته وافرة
العدد , أو منصب اعتلاه بعد طول عهد , أو مال أصلح به حال البلد, إن مجرد
إدراك هذا ومعاينة كفيل بسد باب للفساد والشر كبير, لو فتح لاندفعت منه ريح
عقيم أهلكت وما ذرت ..

 إن تعاون الولاة مع علماء الدين في التمكين لشرع الله عز وجل بدءا بأنفسهم أحد أقوى أسباب نصرة الشعوب وسؤددها.


كما أن القوة التي ينبغي أن يتحلى بها القائد ليست في فرض أوامره بالإكراه
أو تحت سلاح التهديد، إن القوة الحقيقية هي في القدرة على معرفة نقاط
القوة وجوانب الضعف لدى الأفراد قبل تكليفهم بما قد لا يناسبهم من مهام،
ولذا نجد رسول الله  يحذر بعض صحابته من تولي الإمارة كقوله  لأبي ذر 
لما رأى فيه غلبة العاطفة ورقة القلب : ( يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا، وإني
أحب لك، ما أحب لنفسي، لا تأتمرن على اثنين، ولا تولين على مال يتيم ) .

فالحديث إذًا يشير إلى أهم مواصفات القيادة القوية وهي
(
القدرة على معرفة نفسيات الأفراد واستيعابها، يقول ج.كورتوا : يتطلب عمل
الرئيس فهم الرجال . وهذا لا يتحقق إلا بالاحتكاك المباشر الذي يرافقه
انسجام متبادل بين الرئيس ومرؤوسيه )([4]) .

إذًا ( فإن القوة
المقصودة هنا ليست هي القوة البدنية وإن كانت تشتمل عليها، بل تعني توفر
القدرات التي تجعل الفرد متمكنًا من أداء الفعل أو المهمة الموكولة إليه ..
فالفرد يعمل ضمن حدود قدراته وإمكاناته فقد قال تعالى :  قل كل يعمل على
شاكلته  [ الإسراء، 84 ]([5]) .

فها هو عليه الصلاة والسلام يكلف
خريج المدرسة المحمدية، القائد الدعوي الشاب الزاهد وأكثر الصحابة شبهًا
لرسول الله  ( مصعب بن عمير ) سفيرًا للعقيدة السمحاء والأخلاق الحسنة في
المدينة، ويختار ( حذيفة بن اليمان )  لحفظ سره، ويوكل مهمة الحرب
الاقتصادية للقائد الشجاع، وحبيب رسول الله  ( زيد بن الحارثة ) ، ويصطفي
الجندي العظيم والعبقري القائد ( عبد الله بن أنيس )  الذي لا يهاب أحدًا
لقتل رأس الكفر سفيان بن خالد ويعمل برأي القائد الموهوب ( الحباب بن
المنذر )  في بدر الكبرى، ويمتثل لمشورة الفارسي الحذق ( سلمان )  في حفر
الخندق، ويستأمن الزاهد المنقطع للحفظ والرواية ( أبي هريرة )  لنقل
حديثه، ويرشح صاحب الصوت الشجي والقلب الندي ( بلال )  للإعلام بدخول
شعيرة الإسلام، وأعطى الراية يوم خيبر لرجل ملأ حب الله ورسوله شغاف قلبه (
علي بن أبي طالب ) ، وآثر ( عثمان )  الحيي السخي لتزويجه اثنتين من
بناته، ودعا بالعزة للإسلام على يد من جُمعت له الحكمة والقوة ( الفاروق
عمر بن الخطاب )  واصطفى الصاحب الصادق الوفي ( أبا بكر )  لينال شرف
رفقته في رحلة الهجرة ويومئ بأحقيته للخلافة بترشيحه لإمامة الصلاة عند قرب
رحيله صلوات ربي وسلامه عليه .

إنها عقلية القائد الفذة، وروح
المربي الواعي، التي تبحر بنظرتها الثاقبة في أعماق النفوس، وتغوص بفراستها
الصادقة لتستخرج نفائس الكنوز، ثم تشرف على توظيفها، وتطويرها
وتوجيهها،ولعل عمله  برعي الأغنام في مقتبل عمره أحد أهم أسباب تهيأته
للعناية بكل أفراد رعيته كلً على حدة !!..

وكم نتأسف اليوم لهدر
الطاقات وفوات المواهب وضياع للقدرات لغفلة ذويها، وتجاهل المربين وتشاغل
القيادات .. وإن بدت من أحدهم يقظة، فعرض باكورة مواهبه لبعض ذوي الاختصاص
يبغي دعمًا وعونًا قد لا يجد منهم إلا تعاليًا وتهكمًا فيعود أدراجه من حيث
أتى أسيفًا محبطًا !!

وقد تتلقفهم أيدٌ ماكرة وتسيطر عليهم أفكار منحرفة، تطوعهم لخدمة أهدافهم المغرضة ولو كلفهم ذلك المروق من الدين وخيانة الأمة ..

أو
قد تستثار تلك الطاقات وتوجه تلك المواهب والقدرات نحو مصب واحد فقط، فما
أن يتجاوز حده حتى ينقلب لضده، كما جاء في الأمثال، وهاك مثالاً من أنواع
الرياضات البدنية وأكثرها شعبية ( كرة القدم )، فهي وإن أمدت الأبدان
باللياقة والقوة إلا أن الاستغراق فيها يعطل القدرات الذهنية عن النافع من
العلوم ويصرف الحماسة العاطفية عن ( الولاء والبراء ) المقرر من أركان
الدين .

الاشتغال بالمهمات عن التوافه

اطفىء النار سرًا ولو كلفتك يديك

إن
القادة الأذكياء هم أولئك الذين يجعلون التئام اللُحمة ووحدة الصف في
مقدمة اهتماماتهم، فإذا ما فاحت ريح فتنة بادرت القيادة بإخماد نارها
وإخفاء رمادها، دون أن يحس بها أحد وبذا تضمن القيادة سلامة الصف وبقاء
الولاء ونزاهة الذمم ..

في غزوة بني المصطلق حصل شجار بين أجير لعمر
بن الخطاب وحليف للخزرج على الماء فسمع ذلك عبد الله بن أبي فقال وقد
فعلوها، قد فاخرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما نحن وقريش إلا كما قال
الأول : سمن كلبك يأكلك أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها
الأذل ..

ووصل الخبر إلى رسول الله  وعنده عمر بن الخطاب فقال عمر
: مر به عباد بن بشر فليقتله . فقال له : ( كيف إذا تحدث الناس أن محمدًا
يقتل أصحابه ولكن أذن بالرحيل ) .

وسار رسول الله  بالناس حتى
أمسوا وليلته حتى أصبحوا وصدر يومه حتى اشتد الضحى ثم نزل بالناس . فلم
يلبثوا أن جلسوا إلى الأرض حتى ناموا جميعًا من شدة التعب .

- البلد
الواحد,اللغة الواحدة,التاريخ والمصالح المشتركة,روابط قد تبدو
قوية,ولكنها ليست بالقدر اللازم للحفاظ على وحدة اللحمة!ولا أدل على ذلك من
ظهور نتن العصبية القبلية والتجمعات العرقية بمجرد مفارقة الأوطان أو
الترنم بقصيد الفخر والتنافس بالأشعار,يحس بها بل ويراها بأم عينيه تعبث
بجرأة في قلوب كل من فتح لها بابه وأفسح لها الطريق لقلبه..وإن كان زعيم
المنافقين عبد الله بن أبي كان ناطقاً رسمياً باسمها في غزوة بني المصطلق
فإن أمثاله كثر في أيامنا هذه,إذ من المفترض أن يكون الشعور المشترك
بالاغتراب أو التحدي سبباً في اجتماع كلمتهم ووحدة صفهم,واتحادهم في وجه
العدوان ولكن هذا الشعور هو الآخر ينحى جانباً لثبوت ضعفه,وتبقى الرابطة
الأخوية في الدين هي الأنجع والأقوى.

- إن النسيج المحكم الصنع,تعود براعته إلى أمرين:-

إتقان
صنعه وإلى قوة مادته وكذا المجتمعات البشرية سواء كان ذلك على الصعيد
الدولي أم على المستوى الأسري,فبالسلطة والقوة وحدها لا تستطيع القيادة لم
الشمل وجمع الصف على الدوام فبعد الاستعانة بالله وطاعته التي بهما تتآلف
القلوب ويجتمع الصف لابد من الحكمة والسياسة معاً فهذين هما دعامتا القيادة
الناجحة في ساسة الأفراد ونضرب لذالك مثالين:-

1- سقوط حاكم ساس شعبه بالقوة وجمع صفهم بالقهر والغلبة وحدها,فإن سقوط سيادته مؤذناً بافتراق الشعب شيعاً متناحرة وأحزاباً متفرقة.

2-
وفاة عائل أسره وولي أمرها الذي يمثل القوة وحدها قد يتسبب في تفرق أبنائه
البالغين واختلافهم,فتقف حكمة الأم ورحمتها عاجزة عن لملمة الأبناء
والتقاطهم للمحضن الأسري من جديد.

لقد أراد رسول الله  شغل الناس
عن الحديث الذي تكلم به عبد الله خوفًا من حدوث شرخ في جسم الجماعة المسلمة
فكان السير المتتابع المتعب وسيلة ناجعة لما أراده الرسول فشغل كل إنسان
بنفسه ثم لما وجد من الأرض ذهب نائمًا([6]) .

 إن أكثر ما يسهم في
إشاعة قالة السوء ونشر أحاديث الفحشاء والمنكر ونقل الإشاعات الفاسدة هو (
الفراغ ) بكل ما تعنيه تلك الكلمة فراغًا روحيًا أم فكريًا أم بدنيًا .


إن الموظف الجاد الذي يحترم مهنته، فيؤدي ما عليه من مهام والتي تستغرق
ساعات عمله كاملة وإن عاد منهك البدن متعبًا إلا أنه خير ممن يسوق أعماله
أو يوزعها على غيره لينعم بسويعات راحة ينغمس فيها بالأحاديث الجانبية
والتي لا تخلو من اللغط والغلط فيعود مشحون القلب ضيق الصدر بعد أن فقد
احترام زملائه وثقة مراجعيه .

 إن الأم الراعية في بيت زوجها إذا أنصفت في توزيع

الأعمال بينها وبين الخدم كلٌ بما يناسبه لن تجد لديها متسعًا

من
الوقت للدخول في عراك كلامي مع جارة أو مشاجرات لا تنتهي مع الزوج إذ أننا
نلاحظ .. أن أصحاب الأعمال البدنية المرهقة كعمال البناء والجزارين أو
المزارعين . قد يكونون أكثر فئات الناس انشراحًا و أسبقهم إلى تلقف الطرائف
المضحكة أو الترنم بالأناشيد المبهجة .

 إن تكثير عدد الخدم في
البيت الواحد أحد الكوارث الاجتماعية التي بليت بها مجتمعاتنا الخليجية،
فقد جرَّ ذلك على كثير من بيوت المسلمين ألوانًا من الفساد، فأصبحت أوكارًا
للفاحشة مع جهل أو تجاهل أصحابها، هذا فضلاً عن الخسائر الاقتصادية التي
لا معنى لها ..

سيد المتوكلين و التخطيط المتقن

قد يتوهم
البعض التعارض بين التخطيط المتقن وحسن التوكل على الله ولا تعارض بينها بل
إن التخطيط من كمال التوكل ولا أدل على ذلك من تلك الخطة التاريخية
المحكمة لأكبر حدث غير مجرى الدعوة الإسلامية إلا وهي ( حادثة الهجرة )

فإذا
كان التخطيط يهدف إلى تحقيق غاية معينة فإن هذا يستلزم إتباع خطوات منسقة
للوصول إلى الهدف المنشود، وقد جاء في كتاب ( إدارة الذات ) لـ د. أكرم رضا
عناصر التخطيط وهي :

1- الهدف من التخطيط .

2- الزمن الذي تنفذ فيه الخطة .

3- الأفراد القائمون عليها .

4- عملية التنفيذ .

5- عملية المتابعة .

ولو
أردنا أن نستعرض أهم الخطوط البارزة في حادثة الهجرة، لوجدنا أنها خطة
محكمة اشتملت على جميع سمات الخطة الناجحة، ولنشر سريعًا إلى أهم خطواتها .

1-   مبيت علي  في فراش الرسول  .

2-   الخروج نهارًا وقت القيلولة وقلما يوجد إنسان بمكة .

3-   الخروج من الكوة الخلفية من البيت .

4-   الاتجاه إلى غار في غير طريق المدينة وذلك في جنوب مكة.

5-   التعرف على الأخبار والمعلومات المتصلة بالموقف عن طريق عبد الله بن أبي بكر.

6-   تأمين الزاد عن طريق أسماء بنت أبي بكر .

7-  إخفاء الأثر عن طريق عامر بن فهيرة مولى أبي بكر يرعى غنمًا لها في السهل حول الجبل نهارًا بغية محو آثار أقدامهم .

8-     الاستفادة من خبرة المشركين عند الثقة في أحدهم، فقد استأجروا (عبد الله بن أريقط) وكان مشركًا ليدلهما على الطريق.

9-   التمويه ومخالفة توقعات العدو وذلك حينما اتجها نحو الجنوب ثم غربًا ثم ساحل البحر الأحمر .

10-قمة
الثقة بالله  مع قمة التخطيط البشري، يتضح ذلك حينما وصل المشركون إلى
الغار، فقال أبو بكر  : يا رسول الله لو طأطأ أحدهم برأسه لرآنا، فقال  :
ما ظنك باثنين الله ثالثهما([7]) .

 إن التخطيط المتقن الذي سار
عليه رسول الله  وما واكب رحلة هجرته من مشقات الطريق ووعثاء السفر وتربص
الأعداء، فإن ذلك من الأهمية بمكان لتحقيق الأسوة ولإيجاد القدوة للمسلمين
المعاصرين له ولمن جاء من بعده في ضرورة مراعاة التالي لبلوغ النجاح : ـ

1 _ التخطيط المتقن الحذر

2
_ لا يصلح الاعتماد على مجرد سلامة النية وحسن المقصد لبلوغ الأهداف
النبيلة ونيل الأماني الفاضلة، بل لابد من الاجتهاد في طرق أبواب السماء
والأرض .

3 _تجشم مشقة الطريق وأعباء التكاليف لحين بلوغ الهدف،    
إذ لو كانت الهجرة مجرد انتقال من مكان مضطرب إلى مكان آمن لكان ( البراق )
الذي استعان به الرسول  في رحلة الإسراء والمعراج خير وسيلة وأسهلها
لتغيير المكان، ولكن أراد رسول الله  الموحى إليه من ربه أن يلقن المسلمين
درسًا في تحمل مشاق الدعوة والصبر على أذى الأعداء والفرار بالدين لمكان
أكثر أمنًا مع مراعاة التخطيط المتقن والتنسيق المدروس، ولو لم يتم ذلك كله
لانقطعت الهجرة إلى حين اختراع وسائل مواصلات حديثة وأكثر أمنًا كالطائرات
مثلاً ..

 إن إقبال النفس على عمل الخير والرغبة في تدعيم تلك
الرغبة من خلال تبني مشروعٍ خيريٍ تطوعيٍ، قد لا يكتب له النجاح أو الدوام
إذ أنه لا يخلو من خوارم ونقائص وعلى رأسها:

1-   سوء التخطيط .

2-   ضعف التنسيق والتعاون بين الأعضاء المتطوعين .

3- 
سرعة نفاد الصبر وضعف المواظبة لدى القائمين على الأعمال الخيرية، وهذه
النقائص قد تكون لها أسباب جوهرية وإن كان لا يحق لنا التنقيب في البطون
واتهام النوايا إلا أن سنن الله البشرية لا تماري أحدًا ولا تجاري آخر فلكل
مجتهد نصيب، ومن جد وجد، وهذه الأعمال التطوعية الخيرية لن تؤتي أكلها
طالما أننا لم نهبها إلا فضول أوقاتنا وأموالنا

تابعونا على المواقع التالية:

Find موقع نبي الرحمة on TwitterFind موقع نبي الرحمة on FacebookFind موقع نبي الرحمة on YouTubeموقع نبي الرحمة RSS feed

البحث

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

البحث

رسالة اليوم من هدي الرسول

الاعتكاف: لزوم المسجد بنية، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمكث في معتكفه ويلزمه مدة اعتكافه، وقالت عائشة رضي الله عنها: (كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان). رواه مسلم .

فضل المدينة وسكناها

فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

برامج إذاعية