الموسوعة الميسرة
لم يكن محمد (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه رجلاً عاديًّا، ولم يكن كسائر الناس؛ فهو رجل يأتيهم بالوحي من السماء، وهو زعيم يأمر فيُطاع، وينهى فيُستجاب له.وهو مع ذلك ينتمي إلى أسرة قرشية ذات شرف ومكانة ومنزلة عالية.كان محط اهتمام أصحابه ورِعايتهم وإجلالهم ، إذا تحدث استمعوا له وأنصتوا، وإذا أمرهم تسابقوا لتنفيذ أمره.إن الرجل العادي حين يكون في مثل هذا الموقف، فإن هذا قد يقوده إلى أن يضع لنفسه هالة، ويقوده إلى أن يتعالى على الناس فهو يعلم ما لايعلمون، ويملك ما لا يملكون، ويقوده إلى أن يعيش حياته الخاصة بصورة تتلاءم مع هذه المنزلة والمكانة.لكن محمدًا (صلى الله عليه وسلم) كان بخلاف ذلك كله، كان م
لقد كانت الرحمة مَعْلمًا مهمًّا من معالم شخصية محمد (صلى الله عليه وسلم)، وقد جاء في القرآن بأن الله تبارك وتعالى أرسله رحمة للناس، فقال سبحانه: (الأنبياء: ١٠٧).ولم تكن الرحمة سمة محدودة أو هامشية من سمات محمد (صلى الله عليه وسلم)، بل لقد بلغت قدرًا من الأهمية، لدرجة أنه سُمي بذلك (صلى الله عليه وسلم)، فعن أبي موسى الأشعري قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يسمي لنا نفسه أسماءً فقال: «أنا محمدٌ، وأحمد، والمقفي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة»([1]).وحين نتأمل سيرته وحياته (صلى الله عليه وسلم) نجد الرحمة بارزة في مواقفه كلها وفي تعامله مع الناس جميعًا.لم تكن الرحمة منه (صلى الله عليه
كان محمد (صلى الله عليه وسلم) يُوصف بالحياء، بل بشدة الحياء، حتى ضُرِبَ له المثل في ذلك،عن أبي سعيدٍ الخدري t قال: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) أشد حياءً من العذراء في خدرها([1]).
وقد وصفه الله تعالى في القرآن الكريم بالحياء، فقال في سورة الأحزاب (الأحزاب: ٥٣).
وتروي لنا كتب السنة تفاصيل ذلك في القصة التالية:
ظل محمد (صلى الله عليه وسلم) يدعو إلى رسالته،سِرًّا وجهارًا، لا يصرفه عن ذلك صارف طوال سني حياته الثلاثة والستين، وتعرَّض خلالها لأصناف كثيرة من الآلام والمشاقّ والمحن، وهو في كل ذلك صابر ثابت يريد أن يواصل الطريق إلى نهايته.
فقد استمر في أول عهده يتتبّع الناس في أنديتهم ومجامعهم ومحافلهم، وفي المواسم ومواقف الحج، يدعو من لقيه من: حُرّ وعبد، وقويّ وضعيف، وغني وفقير، إلى الإيمان به والتصديق برسالته، والدخول في عهده.
الكرم خصلة حميدة وصفة جميلة كانت محل الثناء عند العرب، وكان صاحبها محل مدحهم وإعجابهم.
الكرم يعني: سخاء الإنسان وبذله للمال لمن يحتاجه من الآخرين، واعتناءه بإكرام الضيف والإحسان إليه.
وفي مقابل الكرم البخل والشح، وهو من أسوأ الأخلاق لدى العرب، حتى كانوا يسّمون البخيل فاحشًا؛ من شدة كرههم لهذه الخصلة.
يقول عنترة أحد شعراء العرب قبل الإسلام:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي
وقد جاء في القرآن الكريم ذكر البخل بلفظ الفحشاء، قال تعالى: (البقرة: 268).
العدل قيمة ضرورية للسعادة، وقاعدة أساس،ومحور أساسي في بناء استقامة المجتمعات، وضامن قوي لنهضتها واستقرارها وتقدمها.ولقد أكد محمد (صلى الله عليه وسلم) في رسالته على العدل بوصفه مفهوماً تطبيقياً، وعمل على إرساء قواعده بين الناس حتى ارتبطت بها جميع مناحي ما جاء به من تشريعات ونُظم، فلا يوجد نظام في الإسلام إلاّ وللعدل فيه مطلب، فهو مرتبط بنظام الإدارة والحكم، والقضاء، وأداء الشهادة، وكتابة العهود المواثيق، بل إنه مرتبط أيضًا بنظام الأسرة والتربية، والاقتصاد والاجتماع، والسلوك، والتفكير،يقول سبحانه في القرآن: (الحديد: 25).
عاش محمد (صلى الله عليه وسلم) في بيئة كانت الشجاعة فيها تمثل قيمة من القيم المهمة، وكان الرجال يمدحون بهذه الصفة ويفتخرون بها، بل كان الوصف بالجبن من أسوأ أوصاف الذم والمعيبة.واتصف محمد (صلى الله عليه وسلم) بالشجاعة، بل بلغ فيها الغاية حتى وُصف من قِبَل أصحابه بأنه أشجع الناس.عن أنسٍ رضي الله عنه قال: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) أحسن الناس، وأشجع الناس، وأجود الناس، ولقد فزع أهل المدينة فكان النبي (صلى الله عليه وسلم) سبقهم على فرسٍ، وقال: «وجدناه بحرًا».([1])وكذا وصفه بهذا الوصف صاحبه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- فقال: ما رأيت أحدًا أنجد ولا أجود ولا أشجع، ولا أضوأ وأوضأ من رسول الل
كان محمد (صلى الله عليه وسلم) يُواجَه من أعدائه بأساليب موغلة في الاستفزاز والأذى قد تُخرج الإنسان عن طوره، لكنه مع ذلك كان مثالاً للحلم والصبر، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: استأذن رهطٌ من اليهود على النبي (صلى الله عليه وسلم) فقالوا: السام عليك. فقلت: بل عليكم السام واللعنة. فقال: «يا عائشة إن الله رفيقٌ يحب الرفق في الأمر كله». قلت : أولم تسمع ما قالوا؟ قال: «قلت وعليكم»([1]).
كان محمد (صلى الله عليه وسلم) يفي بعهده، ولم يُعرف عنه في حياته أنه نقض عهدًا قطعه على نفسه.وقد أكد القرآن على رعاية العهود التي يبرمها المسلمون مع المخالفين لهم، فجاء في سورة التوبة قوله تعالى: (التوبة: 4).وذمَّ القرآن الذين ينقضون العهود مع الآخرين: (الأنفال: ٥٦).وحتى حين يصل الأمر بمحمد (صلى الله عليه وسلم) أن يخاف الخيانة من قوم، وتبدر له منهم مؤشرات على ذلك، فهذا لا يبرر له نقض العهد،ويوجب عليه أن يشعرهم بذلك، كما جاء في سورة الأنفال: (الأنفال: ٥٨).والوفاء بالعهد والالتزامات لدى محمد (صلى الله عليه وسلم) تبدأ من الالتزامات المحدودة المتعلقة بالتعامل مع الآخرين، كما تبدو في
يستطيع المراقب لتعامل محمد (صلى الله عليه وسلم) مع المحيطين به أن يلحظ كيف كان يتفاعل مع مجتمعه أفرادًا وجماعات، ويحيا آلامهم ويشاركهم في أفراحهم وأتراحهم، ويعدّ نفسه جزءًا لا يتجزأ من مجتمعهم، وربما من أشخاصهم أيضًا.لقد كان محمد (صلى الله عليه وسلم) يمثل محورًا حياتيًّا مهمًّا لأفراد مجتمعه الذي يحيط به، ورآه الآخرون شخصية لا يمكن أن تُهمَل بحال، بل رأوه مؤثرًا فيهم تأثيرًا كبيرًا لدرجة التغيير الواقع في حياتهم كل على حدهَ، واستوى في ذلك القريب والبعيد، والرجل والمرأة، والكبير والصغير، ومن صحبه طويلاً ومن لقيه مرة واحدة في حياته، بل قد امتد أثره عبر الأجيال والسنين إلى كل من قرأ سيرته وتتب