الرحمة في حياة الرسول
هيأ محمد لأمته أسباب القوة والعزة والمنعة[1]
أكد تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية تعرض 4% من المجندات في الجيش الأمريكي للاغتصاب على أيدي الزملاء الذكور والقادة، وهي نسبة تزيد عشر مرات عن معدل الاغتصاب في الحياة المدنية في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تعرض 52% من هؤلاء المجندات للتحرش الأخلاقي والجنسي بدرجات متفاوتة[2]!!
هذا حالهم ولكن الإسلام شئ آخر!!
بدايةً قد يتعجب بعض من يرى عنوان هذا المبحث ومكانه!!
إن رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن قاصرة على من عاصره من المسلمين، بل كان صلى الله عليه وسلم مشغولاً دائمًا بأمته جميعًا، وذلك في عمق الزمان والمكان، بل وإلى يوم القيامة، ولقد تعرضنا في الفصول السابقة إلى مواقف من رحمته مع الصحابة }، ولا شك أن رحمته بأصحابه قد عادت على الأمة جميعًا بالخير، لأن أفعاله وأقواله معهم لم تكن خاصة بهم، ولكنها كانت تشريعًا ثابتًا سيظل معمولاً به إلى يوم القيامة، وفي هذا الفصل - إن شاء الله - سنتعرض لطرفٍ من رحمته صلى الله عليه وسلم بالمسلمين الذين سيأتون بعد زمانه صلى الله عليه وسلم ، فهو صلى الله عليه وسلم لم يكن كزعماء الدنيا الذين
جعل محمد من مختلف القبائل المتقاتلة أمة واحدة[1]
أصدر القديس كولبمان عقوبات صارمة على أتباعه منها:
ستة سياط إذا سعل وهو يبدأ ترنيمة، أو إذا تبسم أثناء الصلاة، واثنا عشر سوطاً عقاب الراهب إذا نسي أن يدعو الله قبل الطعام، وخمسون عقاب المتأخر عن الصلاة، ومائة لمن يشترك في نزاع، ومائتان لمن يتحدث من غير احتشام مع امرأة[2].
هذا حالهم ولكن الإسلام شئ آخر!!
كان محمد رئيسًا للدولة وساهرًا على حياة الشعب وحريته[1]
تعد الثورة الفرنسية من أهم المحطات في التاريخ الفرنسي بقضائها على الملكية الفاسدة وفتحها الطريق أمام نهضة فرنسا، ولكن اللافت للنظر النهج العنيف والدموي الذي اختارته هذه الثورة ليس فقط في تصفية رموز الفساد والاستبداد، بل أن المقصلة تحولت إلى لغة الحوار مع المخالفين لوجهة نظر الثورة وتوجهاتها، ويكفي أن نعرف أن مدينة باريس بمفردها فقدت 2.600 من أبنائها على يد الثوار الحاكمين الجدد[2]!!
هذا حالهم ولكن الإسلام شئ آخر!!
إن الموت حق على كل مخلوق!!
يقول تعالى: "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ[1]".
ويقول: "كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ[2]"
والموت كما سماه ربنا مصيبة، تصيب الميت وأهله..
يقول تعالى: "فَأَصَابَتْكُم
ولأن الموت مصيبة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أشدَّ الناس رحمة بهذا الميت وبأهله، ولقد مَرَّ بنا في هذا البحث كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا بأقارب الميت، وسنتعرض هنا لرحمته صلى الله عليه وسلم بالميت نفسه، وسنتناول هذا المعنى من خلال المباحث الآتية:
المبحث الأول: رحمته بالمسلمين عند الموت
كان محمد من أعظم المحسنين للإنسانية[1]
يقدر عدد من مات خلال القرن العشرين نتيجة النزاع المسلح بأكثر من 100 مليون إنسان، وعدد من مات نتيجة لأحداث عنف سياسي 170 مليون إنسان[2]!!
هذا حالهم ولكن الإسلام شئ آخر!!
قد يتخيل أحدٌ أن الرباط مع الصحابة كان رباطًا عاطفيًا نتيجة الصُّحبة والعشرة، ولذلك يظهر الاهتمام بهم عند لحظات الموت وعند الدفن، ثم لا يلبث هذا الرباط أن يزول بمرور الوقت، كما يحدث معنا كثيرًا عندما ننسى موتانا، وتسير عجلة الحياة!
قد يتخيل أحد أن هذا يحدث أيضًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم !
ولكن واقع الأمر أن رحمته صلى الله عليه وسلم كانت تشمل من مات، ومَرَّت الشهور والسنوات على موته، فلا يكسل عن زيارته، ولا يفتر عن الدعاء له، ولا يمل من تذكره والثناء عليه بالخير..
ذا كنا قد تعجبنا من سعة رحمته صلى الله عليه وسلم بالمسلمين - كما بيَّنا في الباب الثاني – فإننا – ولا شك – سننبهر برحمته صلى الله عليه وسلم بغير المسلمين!
لعل من المهم أن نُدرك أولاً طبيعة النظرة الإسلامية إلى النفس الإنسانية بصفة عامة؛ لندرك كيف تناول المنهج الإسلامي قضية غير المسلمين وكيفية التعامل معهم.
إن النفس الإنسانية بصفة عامة مُكَرَّمَةٌ ومُعَظَّمَة.. وهذا الأمر على إطلاقه، وليس فيه استثناء بسبب لون أو جنس أو دين، قال تعالى في كتابه: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ
تتوق أحلام العقلاء من الناس أن يتعايشوا في سلام وتفاهم مع المخالفين لهم في العقيدة والجنس والأفكار، وقد تتطور هذه الأحلام والآمال فتطلب احترامًا متبادلاً بين الأطراف المختلفة، أو قد تطلب عدلاً في التعامل؛ فلا ظلم ولا عدوان..
وقد يحلم القليل بما هو أسمى وأرقى، وهو أن يصل التعامل - ولو في موقف من المواقف - إلى درجة الألفة والإحسان والرحمة؛ فتُتَبادل الابتسامات - وأحيانًا الهدايا - ويسود جوٌّ من الهدوء النسبي والأمان..
لكن أن يصبح الإحسان إلى المخالفين، والبر بالمعارضين، والرحمة بهم قانونًا أصيلاً يُتَّبَعُ في غالب مظاهر الحياة، فهذا ما لا يخطر على بال أحد!!