Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

 -اعتكف صلى الله عليه وسلم مرة في قبة تركية , وجعل على سدتها حصيرا , كل ذلك تحصيلا لمقصود الاعتكاف وروحه , عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عشرة , ومجلبة للزائرين , وأخذهم بأطراف الحديث بينهم , فهذا لون , والاعتكاف النبوي لون آخر والله الموفق .ابن القيم

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
شعار الهئية

تعقيب واستدراك على مقال (فلاسفة... أم رسل؟)
بقلم: خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع
الأمين العام المساعد للهيئة العالمية للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم ونصرته
    الحمد لله وحده ، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبينا محمَّد ، وعلى آله وصحبه ، أما بعد:
   فقد اطلعت على مقال بجريدة الحياة بعنوان  (فلاسفة... أم رسل؟) للكاتب فهد الزغيبي ، وذلك في عدد يوم الخميس ١٧ يناير ٢٠١٣.
     وقد تضمن المقال تساؤلات عن الفلاسفة المتقدمين وإمكانية أن يكونوا رسلاً ، وقال الكاتب: (استحضرت الكثير من أسماء الفلاسفة الذين كانت رسائلهم توحيدية، وتساءلت هل كانوا فعلاً أنبياءً ورسلاً؟) ثم نقل عن الدكتور مصطفى محمود رحمه الله بعض أقوال الفلاسفة كأفلاطون وأرسطو وغيرهما. إضافة إلى ما نقله الكاتب من احتمالية أنَّ («كونفيشيوس» كان نبياً عاش في الصين) . إلى آخر ما جاء في المقال.
     وأقول: أولاً: إن النبوة والرسالة لا تُثبت لأحد من الناس إلا بنص من القرآن الكريم أو السُّنة النبوية الصحيحة ، ولذلك لما أخبرنا الله تعالى بأسماء وأخبار جمع من أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام ، فإنه جلَّ وعلا خاطب نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام بأنه سبحانه استأثر بعلم أسماء وأخبار عدد من الرسل.
    كما يدل عليه قوله جلَّ وعلا: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) [النساء: 163، 164]. فلا يعلم تفصيل من لم يُذكر من الأنبياء وأزمانهم إلاّ الله سبحانه ، قال الله تعالى : (وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا) [الفرقان: 38].
     ثانياً: ما ذكره الكاتب عن بعض الفلاسفة وخصوصاً أفلاطون وأرسطو ، فإنهم ما كانوا على التوحيد لله جل وعلا ، بل كانوا مشركين ، أو ملحدين ، فإن إقرار الإنسان بوحدانية الله إنما ينفعه إذا خلص من الشرك ، ولذا قال سبحانه عن أمثال هؤلاء: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [يوسف: 106]. وهكذا الأخلاق والحِكم إنما تنفع صاحبها يوم القيامة إذا صدرت عن موحِّد لله جلَّ شأنه.
    وممن نبه إلى إلحاد عدد من الفلاسفة كأفلاطون وأرسطو القاضي أبو بكر  ابن العربي الاشبيلي المالكي رحمه الله في كتابه "العواصم من القواصم" لأن من مقولاتهم استحالة الإيثار ، وأن صانعاً مؤثراً لا يتصور، وهذا أحد أصول الإلحاد.
     وأنقل في هذا المقام كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حول الاغترار بأقوال الفلاسفة وما فيها من سفسطة وخلط أوهم بعض الناس بإيمانهم وتوحيدهم ، وأوهم آخرين بأنهم من الأنبياء ، وأنّى لهم ذلك ، فيقول رحمه الله:
    " ويقولون : إن أرسطو هو الخضر. إلى أمثال هذا الكلام الذي فيه من الجهل والضلال ما لا يعلمه إلا ذو الجلال. أقلُّ ما فيه جهلهم بتواريخ الأنبياء. فإن أرسطو باتفاقهم كان وزيراً للإسكندر بن فيلبس المقدوني الذي تؤرخ به اليهود والنصارى التاريخ الرومي. وكان قبل المسيح بنحو ثلاثمائة سنة. وقد يظنون أن هذا هو ذو القرنين المذكور في القرآن ، وأن أرسطو كان وزيراً لذي القرنين المذكور في القرآن وهذا جهل. فإن هذا الإسكندر بن فيلبس لم يصل إلى بلاد الترك ولم يَبْن السد ، وإنما وصل إلى بلاد الفرس. وذو القرنين المذكور في القرآن وصل إلى شرق الأرض وغربها ، وكان متقدماً على هذا. يقال: إن اسمه الإسكندر بن دارا ، وكان موحِّداً مؤمناً. وذاك مشركاً: كان يعبد هو وقومه الكواكب والأصنام ويعانون السحر. كما كان أرسطو وقومه من اليونان مشركين يعبدون الأصنام ويعانون السحر. ولهم في ذلك مصنفات ، وأخبارهم مشهورة وآثارهم ظاهرة بذلك. فأين هذا من هذا؟." انتهى ( مجموع الفتاوى 4/ 160 - 161).
      وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة" : فيا للعقول التي لم يخسف بها أين الدِّين من الفلسفة?! وأين كلام ربِّ العالمين إلى آراء اليونان والمجوس وعباد الأصنام والصابئين؟! وأين المعقولات المؤيدة بنور النبوة ، إلى المعقولات المتلقاة عن أرسطو وأفلاطون والفارابي وابن سينا وأتباع هؤلاء ممن لا يؤمن بالله ولا صفاته ولا أفعاله ولا ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر?! وأين العلم المأخوذ عن الوحي النازل من عند ربِّ العالمين ، من الشُّبه المأخوذة عن آراء المتهوكين والمتحيرين?!.
    وهكذا ما نقله الكاتب من احتمالية أنَّ («كونفيشيوس» كان نبياً عاش في الصين لا مستند له ، بل إن فحص المبادئ الكونفيشيوسية تبين أن أسس العقيدة الصحيحة من توحيد الله جلَّ شأنه بالعبادة ومعرفته سبحانه بأسمائه وصفاته لا مكان لها في مبادئهم ، وهذه الملة أشبه بالملل الباطلة الأخرى كالبوذية والهندوسية ونحوها. حتى وإن كان في الكونفيشيوسية من الأخلاق والقيم ما هو حسنٌ وطيب ، فالأساس هو توحيد الله سبحانه.
     ثالثاً: صدَّر الكاتب مقاله بحديث شريف حول عدد من الأنبياء وأشار إلى ما يُذكر من ضعفه ، وأقول: نعم من العلماء من ضعَّف الأحاديث الواردة في حصر عدد الأنبياء ، وهذا ما حمل بعض العلماء على الجزم بعدم صحة الأحاديث في عدد الأنبياء ، كما قال الإمام المفسر ابن عطية رحمه الله عند قوله تعالى: (وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) قال: يقتضي كثرة الأنبياء دون تحديد بعدد ، وقد قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) [فاطر: 24] وقال تعالى: (وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا) وما يذكر من عدد الأنبياء فغير صحيح ، الله أعلم بعدتهم ، صلى الله عليهم وسلم.
    أقول: والعلم بعدد الأنبياء عليهم السلام لا يتوقف عليه عملٌ ذو شأن ، والمسألة فيها سعة ، وحسبنا ما قصَّ الله عليناربنا في كتابه الكريم ، وما ثبتت به السنة والنبوية ، ولما كان مَن علم حجةٌ على من لم يعلم ، فإني أسوق هنا نصَّين شريفين ثابتين عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عدد الأنبياء والرسل:
     1/ ما رواه أبو أمامة رضي الله عنه: " أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله! أنبياً كان آدم؟ قال: نعم، مكلَّم . قال: كم كان بينه وبين نوح ؟ قال: عشرة قرون. قال: يا رسول الله! كم كانت الرسل؟ قال: ثلاثمائة وخمسة عشر". رواه أبو جعفر الرزاز في الأمالي وابن حبان وابن منده وصححه العلامة الألباني.
     2/ ما رواه أبو ذر رضي الله عنه في حديث طويل: قال: قلت: يا نبي الله! فأي الأنبياء كان أول؟ قال: آدم عليه السلام. قال: قلت: يا نبي الله! أوَ نبيٌّ كان آدم؟ قال: نعم ، نبيُّ مكلَّم ، خلقه الله بيده ، ثم نفخ فيه من روحه ، ثم قال له: يا آدم قِبَلاً. قال: قلت: يا رسول الله! كم وفَّى عدد الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً ، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر ، جماً غفيرا " . أخرجه أحمد وغيره ، وحسنه الألباني بشواهده. وأورده ابن كثير وابن حجر ولم يتعقباه بتضعيف.
     والحاصل: أنَّ وصف أحدٍ من الناس بالنبوة أو الرسالة ولو كان مسلماً لا يجوز إلا بنص من الوحي الكريم ، فكيف إذا كان مشركاً أو ملحداً. وهذا هو المتعيِّن حماية لجناب النبوة والأنبياء عليهم وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة وأزكى السلام فإنه الله سبحانه كما أخبر عن علمه وحكمته جل وعلا: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) [الأنعام: 124].
     وأرجو أن يحصل بما تقدم توضيح التساؤل لدى الأخ الكاتب ، وأن نعمل على رد المشكلات والتساؤلات في المسائل الشرعية إلى القرآن والسنة وأهل العلم بهما.
     ونسأل الله للجميع سلوك سبيل المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقاً.  حرر في 11/3/1434هـ
نشر بجريدة الحياة يوم الأحد ٢٧ يناير ٢٠١٣    http://alhayat.com/Details/476512