Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

(هديه عند النوم) كان من هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا أوى إلى فراشه كل ليلة يجمع كفيه ويقرأ "قل هو الله أحد" و"المعوذتين" وينفث حال قراءته ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده الشريف، يفعل ذلك ثلاث مرات. متفق عليه. فهذا من الاستعاذات النبوية، ويحسن تعليمها الصغار تحصينا لهم، ولو بقراءة هذه السور قبل نومهم.

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
سنن الرسول صلى الله عليه وسلم في اليوم والليلة

حياةُ الجدِ سر النجاح، وتنظيم العمل اليومي وسيلة وفرة الإنتاج؛ وإذا كان هذا ضروريًا لعامة الناس في النطاق الضيق الذي يعيشون فيه والعمل الضئيل الذي يزاولونه فهو ألزم للخاصة الذين يقومون بمختلف الأعمال الضخمة، ويحملون أعباء المهام الثقال.

وللرسول -صلوات الله وسلامه عليه- في ذلك المثل الأعلى؛ فمهمته إبلاغ رسالة عظمى إلى الخلق كافة، وتكوين أمة حديثة، ومحاربة ضلالات متأصلة، وهداية أقوام شداد ذوي صلف وعناد، وقد سلخ من عمره أربعين عامًا؛ وأمر بأن يصدع بأمر ربه ليكمل الدين ويؤدي الأمانة فما أحوجه إلى تنظيم وقته حتى يتسع لهذه المهام لذلك أثر عنه -صلي الله عليه وسلم- في ليله ونهاره نظام بالغ الغاية في الدقة.

أما في الليل فقد كان من المفروض عليه التهجد فيه فكان لا يدع قيام الليل في حضر ولا سفر تعبدًا لله تعالى؛ لذلك كان ينام أول الليل بعد صلاة العشاء إلا لضرورة توجبها مصلحة الأمة فينام على فراش غير وثير من أدم وليف ليكون أدعى إلى عدم الإطالة فيه، يقول عند نومه "اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك" ثم يستيقظ إذا انتصف الليل أو قبل منتصفه بقليل أو بعده بقليل فيقول "لا إله إلا أنت سبحانك أستغفرك لديني وأسألك رحمتك، اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب".

ثم يستاك "وكان استعمال السواك عادة دائمة له" ويتوضأ ويصلي ما كتب الله له، ثم ينام وربما قام مرة أخرى وأعاد ذلك حتى إذا أذن المؤذن للفجر خرج إلى الصلاة وهو يقول "اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي لساني نوراً واجعل في سمعي نوراً وفي بصري نوراً واجعل من خلفي نوراً ومن أمامي نوراً واجعل من فوقي نوراً ومن تحتي نوراً اللهم اعطني نوراً".
 
دعاءٌ جامعٌ ما أروعه وما أنسبه بالوقت الذي ترفع فيه سجف الليل المظلم وتبدو فيه تباشير نور الصباح المشرق فيسأل فيه ربه مقلب الليل والنهار أن يجعل له نوراً في قلبه وحواسه وجهاته حتى يغشاه النور ويحيط به من كل جانب في الباطن والظاهر فيكون كله نوراً يسعى بين يديه فيكشف له أسرار الوجود ومعالم الحقائق، ويشرق في قلوب الناس فيستجيبون لدعوته ويهتدون برسالته وما دعوته إلا الحق الأبلج، وما رسالته إلا الصراط المستقيم والدين القويم.

وكم له -صلي الله عليه وسلم- في مقام العبودية ومواقف الضراعة إلى الله من الأدعية المأثورة ما له في الروعة والجلال ما يعجز له اللسان.

أما في النهار فقد كان يجلس لأصحابه كواحدٍ منهم يزيده الوقار جلالًا، والإحسان كمالًا، والتواضع جمالًا، يُعلمهم ويرشدهم ويتفقد شئونهم، ويقضي حوائجهم، ويواسي معوزهم، ويعود مريضهم، ويدير المصالح العامة للأمة ويتحدث ويخطب، وينذر ويبشر ويقسم الأعطية، ويقابل الوفود، ويتلو آيات القرآن الكريم، لا يحجبه عن أحد حاجب ولا يعرض عن سائل ولا يلقى أحدا بمكروه.
 
فإذا أوى إلى منزله جزَّءَ زمنه فيه ثلاثة أجزاء: جزء لله تعالى يعبده فيه بالنوافل والطاعات، وجزء لأهله يدير فيه أمورهم ويصلح شأنهم ويشاركهم فيما يعملون، وجزء لنفسه ثم جعل في هذا الجزء جزءًا لخواص أصحابه وأهل السابقة منهم يدخلون إليه على قدر فضلهم في الدين منهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج فيعني بهم ويرشدهم إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم. ويعهد إليهم أن يرفعوا إليه حوائج العامة الذين لا يستطيعون الدخول إليه ورفع حوائجهم بأنفسهم لكثرتهم وعدم سعة المكان لها ويقضي فيها بما ينبغي أن يقضى ويكلف الخاصة إخبار العامة بذلك؛ فيرد على العامة بواسطة الخاصة، ولا يدخر عنهم شيئاً مما ينفعهم ويقول: "ليبلغ الشاهد منكم الغائب" ويقول. "ابلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته، فإنه من بلغ سلطانًا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدمه يوم القيامة، وفي رواية آمنه الله يوم الفزع الأكبر".
 
ذلك نظامه وعمله وتوزيع وقته بين حق الله، وحق الأمة، وحق أهله، وحق نفسه، في ليله ونهاره في بيته وخارج بيته.
 
فكانت الأمة شغله الأكبر في حركته وسكونه، في نومه ويقظته حتى في وقت راحته، بل كان سكوته تفكيرًا في أمرها، وتدبيرًا لشئونها مع قيامه بحق ربه في كل لحظة وحال.

عنى بالعامة وهو في منزله، ووقف راحته يحث الخاصة على إبلاغه حوائجهم إذا لم يستطيعوا إبلاغها بأنفسهم؛ لأنه راعٍ وكل راع مسئول عن رعيته فقام الخاصة بالسفارة بينه وبين العامة لا لزلفى ولا لجر مغنم بل ابتغاء الله ورسوله.

ولم يكن إيثاره الخاصة لحب أو هوى، ولا تقديم بعضهم على بعض لقربى أو مصاهرة أو تزلف وإنما كان لوجه الله تعالى وعلى حسب تفاضلهم في التقوى وسابقة الإسلام والجهاد في سبيل الله.

بهذا كان المجتمع الإسلامي في عهده -صلي الله عليه وسلم- بريئاً من الأضغان، سليما من الشوائب. فلا أثرة ولا أنانية، ولا حقوق مهدورة ولا مصالح مهملة، ولا إرشاد يدخر ولا نفع يؤخر.

إن في رسول الله -صلي الله عليه وسلم- لأسوة حسنة لكل من وَلِىَ أمرًا من أمور المسلمين، دق أو جل، وفي هديه نور يعصمه من الزلل، ويُمَكِّن له العمل ويحبب إليه النفوس ويعطف عليه القلوب ثم يريح ضميره إذا خلا إلى نفسه فحاسبها على ما قدمت يداه في ليله ونهاره وهل أدى حق الله تعالى وحق الأمة فيهما أو قصر عن ذلك؟ فعلم أنه وَفّىِ الحق ونهض بالعلم وأدى الأمانة وخرج من يومه طاهر اليد نقي العرض. موفور الكرامة عدلًا في الولاية لم يَجْن إثمًا ولم يعقب وزرًا.
 
والله يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم.

بقلم الشيخ حسنين محمد مخلوف رحمه الله

المصدر: مجلة كنوز الفرقان؛ العددان: (الثالث والرابع)؛ السنة: (الثالثة)، ربيع الأول والثاني 1370 هـ.
http://www.alukah.net/Spotlight/11382/44412/