Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          معاملته أهله:

ليس للسعادة الأسرية سبب أيسر من أن تسعد أهلك، وأن تكون قريباً منهم في إقامتك وفيما تيسر من سفرك ونزهتك، إن أصحابك إذا لم يجدوك وجدوا غيرك، ولكن أهلك إذا فقدوك فقدوا كل شيء! ولقد حج النبي (صلى الله عليه وسلم) واعتمر في صحبة أهله، بل كان لا يخرج إلى الغزو إلا بعد أن يستعمل القرعة بين أزواجه فتخرج معه من تكون لها القرعة .

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

ننصحك بقراءة هذا الإصدار

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للجيران

 

معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للجيران

  مطوية فائزة في مسابقة أفضل مطوية   للكاتب عبد العزيز الشامي

بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم  فوجد بعض الناس يتخذون من سوء الجوار خُلقًا يختصون به، فكان كل رجل يظلم ويسيء الجوار لجاره، ولا يعتبر ذلك نقيصةً أو خطأ، وقد وصف جعفر بن أبي طالب ابن عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم  حالهم بينما هو يخاطب النجاشي ملك الحبشة وصفًا مختصرًا؛ فقال: «إنّا كنا أهل جاهلية وشر، نقطع الأرحام، ونسيء الجوار... ».([1])

فكان الجار لا يأمن من جاره شرّه، بل إنه كان ينتظر منه الشر في أي لحظة، فجاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم  فرفع قيمة حسن الجوار، وأعطى للجار حقوقًا كثيرة ساعدت في تأمين المجتمع وإرساء قواعد المحبة والأمن والسلامة والتعاون بين أفراده .

وهو بهذا يفصح عن أن رسالته لم تكن فقط رسالة عبادية لإصلاح الدين فقط، بل إنها تدعو لإصلاح الحياة والمجتمع وكافة صنوف المعاملات، فهي رسالة إصلاحية لشتى جوانب الحياة. وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم  هو أول من يطبق تلك الحقوق والواجبات؛ ليكون قدوة عملية لغيره في ذلك.

حق الجار في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم :

جاءت آيات القرآن تؤكد على حق الجار وتوصي به، فقال سبحانه: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } (النساء: 36).

يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية وما المراد بالجار، يقول: الجار ذي القربى: يعني الذي بينك وبينه قرابة، والجار الجنب: الذي ليس بينك وبينه قرابة، وينقل قولاً لبعض العلماء مفاده أن: الجار ذي القربى، يعني الجار المسلم، والجار الجنب، يعني غير المسلم، وكلا القولين يوصي بالجار.([2])

وقد نقلت عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم  أحاديث عديدة تشدّد الوصاية بالجار، لمكانة هذا الجار وما له من حقوق يجب أن يهتمّ بها؛ حتى إن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم  ظنّ من كثرة ما يوصيه جبريل عليه السلام بالجار، أنه سيورّثه، ويجعله كأنه فرد من أبناء الأسرة، فعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورّثه».([3])

وكلمة ما زال يوصيني، أي أنه كلما لقيه، وأراد الانصراف أوصاه بحق الجار، ويؤكد عليه فيه، ويذَكِّره بحسن الجار حتى ظن محمد صلى الله عليه وسلم  أن الله عز وجل من كثرة هذه الوصية بالإحسان للجار سيجعل له في مال جاره حقًّا.

بل جعل الإسلام أفضل الجيران خيرهم لجاره فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن الرسول صلى الله عليه وسلم  قال: «خير الأصحاب عند الله خيرُهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرُهم لجاره».([4])

ويخبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم  أن أقبح المعاصي وأشدّها إثمًا: إيذاء للجار، وخيانة حق المجاورة؛ لأن الواجب على الجار أن يكون أمينًا على مال جاره، محافظًا على عرضه وشرفه، فإذا جاء الخلل من الجار نفسه، فإن هذا تَعَدٍّ وتجاوز لا يُغتفر عند الله؛ إذ إنه أذية وخيانة، فقد روى المقداد بن الأسود عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم  أنه قال لأصحابه يومًا، وهو يحدّثهم: «ما تقولون في الزنا؟» قالوا: حرام حرّمه الله ورسوله، وهو حرام إلى يوم القيامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لأن يزني الرجل بعشر نسوة، أيسر من أن يزني بحليلة جاره». قال: «فما تقولون في السرقة؟» قالوا: حرّمها الله ورسوله، فهي حرام إلى يوم القيامة، قال: «لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات، أيسر من أن يسرق من جاره».([5])

وعن ابن مسعود قال: قلت: يا رسول الله أيّ الذنب أعظم؟، قال: «أن تجعل لله نِدًّا وهو خلقك». قلت: ثم أي؟، قال: «أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك»، قلت ثم أيّ؟ قال: «أن تزاني حليلة جارك».([6])

وتسأله زوجته عائشة: يا رسول الله إن لي جارين، فإلى أيهما أُهدي – يعني لو كان لدي شيء واحد أهديه، فأيهما أقدم في الاختيار؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إلى أقربهما منك بابًا».([7])

ونبه إلى أهمية الابتسامة بين الجار لجاره، وأن يأكل من طعامه إذا أطعمه، فعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تحقرنّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق»([8])، وقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم  «يا أبا ذر! إذا طبخت مرقة، فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك».([9])

لقد علّم محمد صلى الله عليه وسلم  أن للجار حقًّا على جاره، في المشاركة بالسراء والضراء، وفي إطعامه مما يأتي عنده، ولو بمرقة مما تُطبخ، لكي يُشعره بمكانته واهتمامه به وعدم إيذائه، أو الإساءة إليه، والمحافظة على أهله وأولاده، في حال غيابه، وتقديم الخدمات لهم، ورعاية شئونهم إذا احتاجوا لذلك، وكفّ الأذى عنهم، وعدم تعدي الكبير على صغيرهم، أو أخذ حق لهم.

إنه يوصي بمحبته إذن واحترامه، وحسن معاملته، والتودد إليه، كلما سنحت لك الفرصة، وزيارة مريضه، ومواساته والقيام بخدمته، ومعاونته عند الضرورة، وحبّ الخير له، وغضّ البصر عن محارمه.

 يقول صلى الله عليه وسلم : «أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء. وأربعة من الشقاء: الجار السوء، والمرأة السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيق».([10])

التعامل مع الجيران:

لقد حرص النبي محمد على تأكيد وترسيخ الممارسات العملية الخاصة بالجيرة؛ لتنفيذ المعاني النظرية التي أعلنها وأكد عليها، فيؤكد مثلاً على كفّ الأذى بطريقة عملية؛ ذلك أنك تعلم خبيئة جارك، وجارك يعلم خبيئتك، وربما تسمع منه أو عنه شيئًا من خصوصياته لا يطلع عليها أحد غيرك، ومن الممكن أن تستغل ذلك في إيذائه وسيكون إيذاؤك له أبلغ وأعظم من إيذاء أي أحد غيرك؛ لأنك تعلم من أين يُؤْذَي، وأيّ الجروح أكثر إيلامًا له، حتى إنه قد قرن بين سلامة الإيمان وإبعاد الأذى عن الجار، فقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذِ جاره».([11])

يقول أبو هريرة قال رجل: يا رسول الله إن فلانة يُذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: «هي في النار»، قال: يا رسول الله، فإن فلانة يُذكر من قلة صيامها وصلاتها، وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها، قال: «هي في الجنة».([12])

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ».([13])

وعلى جانب آخر أرشدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم  إلى أن الجار لو استأذن جاره في استعمال بعض ما أعطاه الله، فينبغي يأْذن له بذلك، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يمنعنَّ جارٌ جاره أن يغرز خَشَبه في جداره».([14])

فقد يحتاج الجار  أو يضطر إلى التوسعة على نفسه وعياله، وقد يتطلب ذلك أن يفعل شيئًا في ملكك، فإن أراد ذلك فأُذن له حبًّا وكرامة، فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.

أما فيما يخص العطاء؛ فإن الجار أعلم بجاره، ويعلم عنه ما لا يعلمه غيره، وقد ينخدع الناس في مظهر بعض الناس، ولا يعلمون عنه شيئًا، ولكن الجار لا ينخدع، فإن كان في حاجة إلى مال فأعطه مما أعطاك الله، فإن له فوق حاجته كفقير حق الجار، فهو أوْلى من الفقير البعيد، وإذا استقرضك وكان لديك سَعَة فأَقْرِضْه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما آمن بي مَن بات شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم».([15])

وهكذا تتجلى أروع معاني الوفاء والتعاون والحرص على الآخر ممن يعيش معنا، وهذه المعاني الرائعة غرسها النبي محمد صلى الله عليه وسلم  في أصحابه، وكان هو خير جار لجيرانه وأفضلهم لهم صلى الله عليه وسلم .

 

([1]) رواه أحمد (3/180) وصححه الألباني في صحيح السيرة.

([2]) تفسير ابن كثير (1/424).

([3]) متفق عليه.

([4]) رواه الترمذي (1944) وصححه الألباني.

([5]) رواه أحمد (23342) وصححه الألباني.

 ([6])متفق عليه.

([7]) رواه البخاري (2259).

 ([8])رواه مسلم (6857).

 ([9])رواه مسلم (2625).

([10]) رواه ابن حبان في صحيحه (4032) وصححه الألباني.

 ([11])متفق عليه.

 ([12])رواه أحمد (9383) وصححه الألباني.

 ([13])رواه مسلم (46).

([14]) متفق عليه.

([15]) رواه الطبراني في الكبير (751) وصححه الألباني.