وجاء علي بن أبي طالب، يطلب من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يجمع له شرف الحجابة مع السقاية، وقد كان مفتاح الكعبة مع عثمان بن طلحة، وقد طلب النبي منه تسليم المفتاح ليصلي في جوف الكعبة، ثم رده إليه قائلاً :
" هَاكَ مِفْتَاحَك يَا عُثْمَانُ ، الْيَوْمُ يَوْمُ بِرّ وَوَفَاءٍ " [ ابن هشام 2/412]
ولم يكن يوم ظلم وعدوان. أو مكر وخُتل.

وقد كان في استطاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن يضع مفتاح الكعبة في بني هاشم أو في يد زعيم من زعماء الصحابة . فقد كان إعلاء قيم البر الوفاء أولى من الاستئثار بمفتاح الكعبة، ولم يكن من شيم الفاتحين الإسلاميين سلب الأملاك وكرائم الأموال ونفائس الآثار؛ إن ذلك من شأن الإنقلابيين الفاسدين الذي إذا وصلوا إلى سُدة الحُكم – جَبريةً - ، أكلوا كل شيء عنوة، قصور ومجوهرات، ومال وعقارات- كما فعل أصحاب الثورات النكدة السوداء، حيث يتحول فريق الإنقلاب من أبطال كفاح ونضال، إلى لصوص كبار، ومعربدين فجار، وخونة غَّدار، فلا يتركون صادحًا ولا باغمًا، ولاخفًا ولا حافرًا، ولا شيئًا مما تنبت الأرض من قثائها وفومها وعدسها وبصلها إلا أتوْ عليه، حتى لعاعة الفقير اللابط بالأرض، الذي يبيت طاويًا، لا يجد أكسار بقرة .. يشتهي ظِلفَا يمسك رمقه، أو عرقوبًا يُطفىء لوعته، ولا يجده .
***
هذه دروس في أخلاقيات الفتح؛ تشي بأحقية الناشيء الصابر في الظفر والتمكين والسؤدد، فأقرب الدعاة إلى التمكين أحاسنهم أخلاقًا، وأحق الدعوات بالنجاح أكارمها أخلاقًا، وكذلك الحال في الجماعات والدول والحضارات، فالأخلاق عماد الحضارات، وكم من حضارة زالت بشؤم ظالم فاسد، وعربيد خليع، ومرقص لعوب !
وكم من أناس عاشوا يزفون الفتوحات إلى الأمة، ولم يغنموا من غنائم النصر عقال بعير، أو سلاح غفير، فقضوا نحبهم دون أن تتمرغ أجسامهم في ريش النصر وفراش النعيم والوثير؛ وكانت القبور مساكنهم . فلهم ثواب الله . فأنعم به وأكرم من ثواب !
وآخرون قطفوا ثمرة الفتح سهلة، وقد تعبَ وجاهدَ في سبيلها غيرهم، ونسوا حظًا من تعاليم الإسلام، وطال عليهم الأمد، وقست قلوبهم، وتلَّهوا بالنساء والبنين والمال والأنعام والحرث، وشغلتهم أموالهم وأهلوهم عن منهج الله، واستوردوا دساتير اليهود والنصارى، واتَّبعوهم في ثقافاتهم حذو القذة بالقذة، وتصعلكوا لأعداء الأمة، وجلبوا للمسلمين كل مَضَرَّة ومَعَرَّة .. وأوليئك هم الرُّقعاء السفهاء، الذين أضاعوا المجد، وباعوا العِرض، وهم لصوص الأمة، وإن اعتلوا ذُؤابة منبر المجد، الذي بناه الفاتحون الصادقون.
فعسى الله أن يأتي بفتح جديد، وفاتح مجيد، فيعود المجد التليد !

نقلاً عن موقع رسالة الإسلام
الاثنين 15 رمضان 1429 الموافق 15 سبتمبر 2008

___________________
** عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والمشرف العام على موقع نبي الرحمة، ومستشار لموقع إسلام أون لاين في النطاق الشرعي .
yakoote@gmail.com
http://yakut.blogspot.com/

******

تابعونا على المواقع التالية:

Find موقع نبي الرحمة on TwitterFind موقع نبي الرحمة on FacebookFind موقع نبي الرحمة on YouTubeموقع نبي الرحمة RSS feed

الكتب المختارة

البحث

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

البحث

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          نبي الرحمة

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة ) /رواه البزار وقال الهيثمي:رجاله رجال الصحيح

فضل المدينة وسكناها

فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

برامج إذاعية