Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

 -         (تمام أخلاقه) قال (تعالى): (وإنك لعلى خلق عظيم). قال (صلى الله عليه وسلم):إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق.رواه أحمد، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. إن الأخلاق من مضمون الدين، وهي أخلاق مرتبطة بالإيمان كما تدل عليه العديد من الآيات والأحاديث، وفوق ذلك فهي شرط ضروري لحمل الرسالة والدعوة إلى الله وبناء المجتمع الإسلامي الفاضل .

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

ننصحك بقراءة هذا الإصدار

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية

 مها الجريس

كـان صلى الله عليه وسلم رحيماً بالمؤمنين وقد أثنى عليه ربه تبارك وتعالى بذلك، لكنه على الجانب الآخر لم يكن قاسياً على المشركين بل كان يرحم ويعفو ويصفح. وكان ليناً في دعوته لهم وحريصاً على هدايتهم ولم يمنعه مفارقة دينهم وبغضه لعاداتهم من برهم والإحسان إليهم. وقد بذل قصارى جهده ليدخل عمه أبو طالب في دين الإسلام لكن أبا طالب كان يخشى من تعيير قومه له إذا ترك آلهة آبائه وأجداده وهو من أسياد قريش. لقد كان أبوطالب قريبا من الإسلام شديد المحبة لمحمد صلى الله عليه وسلم قوياً في حمايته والدفاع عنه حتى أخبر صلى الله عليه وسلم أن قريشاً ما تطاولن عليه إلا بعد موت أبي طالب ،لقد كان يعلم صدق محمد وأمانته وهو الذي رباه صغيرا ويدرك بفطرته جمال تعاليم الإسلام وفضله على تلك الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر حتى قال في ذلك:
 
ولقد علمت بأن دينَ محمدٍ     من خير أديان البرية ديـنا
لولا الملامة أو حذارِ مسبةٍ      لوجدتني سمحاً بذاك مبينا
 
كان يعلم أن محمداً رجلاً غير اعتيادي، وحين سافر به إلى الشام التقى بحيرا الراهب الذي سأل عمن في القافلة حين رأى سحابة من السماء تظللهم أينما ساروا. وحين علم بمحمد أشار على عمه أن يعود به إلى مكة ولا يدخل به الشام فإن فيها عددا من أحبار اليهود وأبدى خوفه من أن يمسوه بسوء إذا عرفوا أنه النبي المرسل بما يعرفون من علاماته. فعاد به ولم يرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام إلا بعد أن كبر حين ذهب ليتاجر بأموال خديجة رضي الله عنها. لقد أبدى محمد صلى الله عليه وسلم حرصه الشديد على هداية عمه وحين حضرته الوفاة أراد منه أن ينطق بالشهادتين وكان أشياخ الكفر عند رأسه يصدونه ويقولون: أترغب عن ملة عبد المطلب؟، ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول: (يا عم قل لا إله إلا الله، كلمة أحاجّ لك بها عند الله)[1]. وهم يكررون قولهم عليه حتى مات ولم ينطق بها. فحزن صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً رحمة بعمه الذي آواه ونصره ورباه حتى نزل قول الله تعالى معاتباً إياه على شديد حزنه: إِنَّكَ لا تَهْدِيْ مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ الله يَهْدِيْ مَنْ يَشَاءُ[2]. وهكذا هو نبي الرحمة، قمةٌ في الوفاء والإحسان إلى الخلق والرأفة بهم.
 
ولم تكن تلك الرحمة قصراً على قرابته بل كان يرحم كل أحد. وحين مرض لجاره اليهودي غلام زاره في مرضه ودعاه إلى الإسلام والصبي ينظر إلى أبيه خوفاً منه فقال اليهودي: أطع أبا القاسم. فنطق الغلام بالشهادتين ففرح النبي صلى الله عليه وسلم فرحاً شديداً وحمد الله تعالى الذي أنقذه من النار[3]. وليس العجب من الرحمة هنا وحدها والتي تتمثل في حرص النبي صلى الله عليه وسلم على استنقاذ الغلام من النار بل من المنزلة التي كانت للنبي صلى الله عليه وسلم عند جاره الذي عرف قدره وأحس بصدقه فأمر ابنه أن يطيعه وهذا مصداق قوله تعالى: الَّذِيْنَ آتَيْنَاهُمْ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أًَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيْقَاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ[4]. كما أن فرح النبي الشديد بإسلام الغلام يدلنا على رحمته صلى الله عليه وسلم بالناس وحرصه على إسعادهم بدلالتهم على الطريق المؤدي إلى السعادة في الدنيا والآخرة. وحين اشتد أذى المشركين لأصحابه سألوه أن يدعو عليهم فقال صلى الله عليه وسلم: (إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة)[5]. وعن عائشة رضي الله عنها أن يهوداً أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم فقالت عائشة: وعليكم، ولعنكم الله وغضب عليكم. قال: (مهلاً يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش). قالت: أولم تسمع ما قالوا؟. قال: (أولم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في)[6]. لقد كانت الرحمة منهجه وطبعه صلى الله عليه وسلم وهو في هذا يقول: (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)[7]، ويقول: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه)[8]. لقد كان عليه الصلاة والسلام رحيماً رفيقاً بكل الناس، مسلمهم وكافرهم، ذلك أنه أرسل رحمة للعالمين.
 
ومن أبرز ما يدل على رحمته بالمشركين حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: هل أتى عليك يوم كان أشد من أحد؟. قال: (لقد لقيت من قومك ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت. فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلنتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا)[9]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قدم الطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إن دوساً عصت وأبت فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوس، قال: (اللهم اهد دوساً وأتِ بهم)[10]. وقد أطلق أسرى حنين مَنّاً منه صلى الله عليه وسلم ورحمةً. وعفا عن غورث بن الحارث على الرغم من محاولته قتل الرسول صلى الله عليه وسلم  وهو الذي استيقظ فرآه عند رأسه مسلطاً سيفه فجاء غورث إلى قومه فقال: جئتكم من عند خير الناس. إن الناظر في هذه المواقف التي جاءت على خلفية حروب ومنازعات ليتعجب أشد العجب من مواقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخليه عن نزعة الانتقام والعقوبة والثأر، مع أن تلك المواقف تستدعي ذلك، وسلوكه مسلك الرحمة واللين والرفق لاستمالة قلوب الأعداء وضمهم إلى معسكر المسلمين. إن ذلك لم يكن ليكون لولا أنه عليه الصلاة والسلام مؤيد بالوحي من الله، ولولا أن الله سبحانه وتعالى قد اصطفاه لمهمة النبوة والرسالة وهداية البشر وأعده لذلك منذ كان صغيراً.
 
وهكذا حاله مع أكثر من رجل أراد قتله إما من تلقاء نفسه أو بأمر من المشركين، ومن أعجب ما ورد في ذلك قصة عمير بن وهب. فقد تذاكر عمير بن وهب وصفوان بن أمية مصابهم في بدر وكان لعمير ابن مأسور لدى المسلمين إسمه وهب فأَسَرّ عمير بن وهب لصفوان بأنه لولا دين عليه وعيال يخشى عليهم الضيعة لركب إلى محمد حتى يقتله فاغتنم صفوان الفرصة فالتزم له بقضاء دينه وضم عياله إلى عياله إن هو قتل محمداً وأصابه بشر واستكتمه الخبر. وعندما جاء المدينة رآه عمر رضي الله عنه فتوجس منه خيفة فاقتاده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ودار بينهما حوار طلب منه صلى الله عليه وسلم فيه أن يصدقه القول في سبب مجيئه فذكر أنه جاء ليفتدي ابنه وهباً. وعندما أصر على الكذب كشف له الرسول صلى الله عليه وسلم عما دار بينه وبين صفوان وهما بمكة وهو بالمدينة فتعجب عمير من هذا وكان ذلك سبباً في إسلامه فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه أن يفقهوه في الدين ويطلقوا له أسيره. وأذن له أن يعود إلى مكة ليدعو إلى الإسلام بنفس الحماسة التي كان يدعو بها إلى الكفر فأسلم على يديه خلق كثير[11]. وكان صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر مع المسلمين في الحديبية فنزل سبعون أو ثمانون رجلاً من التنعيم يريدون الفتك بالمسلمين فأُخِذوا فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم دون عوض أو عقاب[12].
 
لقد وُصِف صلى الله عليه وسلم في التوراة بأنه يعفو ويصفح ولا يجزي السيئة بمثلها، وها هو صلى الله عليه وسلم يصدّق النبوءات ويترجمها بخير مثال، ويعامل مخالفيه وأعداءه بأعدل من معاملتهم لأنفسهم فضلاً عن معاملتهم لأعدائهم. وبهذا يبدو لنا جلياً مقدار رحمته صلى الله عليه وسلم بالبشر عامة، حتى من كان منهم قد تسبب بالأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو سعى لذلك.
 
ربما يقرأ  البعض ما كتبته عن محمد الرؤوف الرحيم، ولكن يجد صعوبة بالغة في الثبات على هذه القناعة، لأن ما يرتكبه بعض المسلمين من قتل المدنيين وخطف السياح وترويع الآمنين يزرع الشك في الحقائق التي نقدمها عن الإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم. و لا ألومهم على هذا، فبعض الممارسات المروعة الشاذة تشوش الصورة وتشوهها. ولكن هل من المعقول أن نلوم المسيح عيسى عليه السلام على ما يرتكبه بعض النصارى من أخطاء وجرائم؟. ثمَّ إن هؤلاء الأقلية لا يمثِّلون الأمة بأسرها، فكيف تتحمَّلُ أمةٌ جريرة طائفة قليلة منه، أخذت النصوص عن جهلٍ وهوى من غير فقه أو تدبر، والله عز وجل يقول: وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى[13]. وأغلب الدارسين والباحثين لهذه الظاهرة يفسرونها بأنها جاءت كردة فعل على الظلم الصارخ الذي يقع على المسلمين، وأن البطالة والفقر والإحباط والاحتلال كل ذلك عوامل ساهمت في نشوء هذه الظاهرة. ومع كل هذا فإننا لا نبرر تصرفاتهم، فالإسلام لا يقرُّها وقد كفل حقوق غير المسلمين، وصان دماءهم وأموالهم وأعراضهم وسائر حقوقهم، والنبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قَتلَ رجلاً من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً)[14].

[1] صحيح البخاري 4307
[2] سورة القصص / الآية 56
[3] صحيح البخاري 1268
[4] سورة البقرة / الآية 146
[5] صحيح مسلم 4704
[6] صحيح البخاري 5570
[7] سنن الترمذي 1847 وقال حديث حسن صحيح وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2/499)
[8] صحيح مسلم 4698
[9] صحيح البخاري 2992
[10] صحيح البخاري 2720
[11] المغازي لابن إسحاق3/ 64
[12] صحيح مسلم 1808
[13] سورة الأنعام: 164
[14] سنن النسائي 4668 وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي (10/321)