Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيت مع أصحابه وهو قائد الأمـة ، بل ويقتسمون اللبن بينهم بالسّوية واليوم نرى من أمته وأتباعه من لا يُكلِّمون الناس إلا من علو، وربما لا يردّون السلام خشية أن تذهب الهيبة فأين هم عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية

 مها الجريس

ربما لا يكون لهذا الفصل علاقة مباشرة بعنوان البحث الذي اقتصر على موضوع رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالبشر، لكنني وضعته في هذا الموضع للتأكيد على أن الرحمة في الإسلام قيمة شعورية تملأ القلب، لا تختص بالبشر وحدهم بل قد أمر الإسلام بالرحمة بكل ذي روح والرفق في الأمر كله وذلك تأكيداً على أهمية هذا الخلق العظيم واعتباره أساساً في أخلاق المسلم مع من حوله وفي أقواله وأفعاله كلها. فهو من أسباب الرحمة بالبشر من باب أولى ومن طرائق الإسلام في التربية على خلق الرحمة التي لا تتجزّأ. لقد جاءت نصوص السنة بالحث على الرحمة بالحيوان والرفق به والإحسان إليه إلى الحد الذي اعتبر الإسلام الإساءة إلى الحيوان سبباً موجباً لدخول النار. ولذلك فلا نعجب من النصوص الكثيرة في هذا الشأن، فقد كان لأحد الصحابة رضي الله عنهم هرة صغيرة يحملها معه ويلعب معها ويخبؤها في كم ثوبه حتى كني بها فأصبح ينادى بأبي هريرة واشتهر بهذه الكنية شهرة غلبت على اسمه الحقيقي.
 
لقد كان نبي الرحمة ينهى عن تحميل الدواب فوق طاقتها من الأثقال أو الأعمال، وكان ينهى عن التقتير عليها أو منعها من الطعام والشراب، وقد قال: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)[1]. وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأسرّ إلي حديثاً لا أحدث به أحداً من الناس، وكان أحب ما اسْتَتَر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفاً أو حائش نخل قال: فدخل حائطاً لرجل من الأنصار فإذا جملٌ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنّ وذرفت عيناه!. فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه فقال: (من ربُّ هذا الجمل؟) فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله. فقال: (ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكى لي أنك تجيعه وتدئبه)[2].
 
وعلى العكس من ذلك عدّ الإسلام الرفق بالحيوان والإحسان إليه من أسباب المغفرة لكبائر الذنوب ومن موجبات الجنة. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له). قالوا: وإن لنا في البهائم أجراً؟. فقال: (في كل ذات كبد رطبة أجر)[3]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به)[4]. وعن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال: (اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة وكلوها صالحة)[5].
 
كما نهى عن إطالة الجلوس عليها أو الوقوف عليها من غير حاجة. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر فإن الله إنما سخرها لكم لتبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجتكم)[6]. وقال صلى الله عليه وسلم: (اركبوها سالمة ودعوها سالمة ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق فرب مركوبة خير من راكبها وأكثر ذكراً لله منه)[7].
 
وكان ينهى عن إخافتها وتفزيعها قبل ذبحها أو أن ترى ذبح أختها، بل أمر بِحَدِّ السكين وأن يريحها الذابح عند الذبح. عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)[8]. ورَغَّب صلى الله عليه وسلم بالرحمة بها عند الذبح وأخبر أن تلك الرحمة مأجور عليها. عن معاوية بن قرة عن أبيه أن رجلا قال يا رسول الله إني لأذبح الشاة وإني أرحمها أو قال إني لأرحم الشاة أن أذبحها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والشاة إن رحمتها رحمك الله)[9]. كما نهى عن فجيعتها بوليدها وأخذه منها، وذلك أبلغ تصوير للرحمة العظيمة التي كان عليها نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش. فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من فجع هذه بولدها؟. ردوا ولدها إليها)[10].
 
ونهى عن حرق النمل بالنار وعن وسم البهائم بالنار. فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قرية نملٍ قد حرقناها فقال: (من حرق هذه؟) قلنا: نحن. قال: (إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار)[11]. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمار قد وسم في وجهه فقال: (أما بلغكم أني قد لعنت من وسم بهيمة في وجهها وضربها في وجهها) ونهى عن ذلك[12]. وكان العباس يَسيرُ مع النبي صلى الله عليه وسلم على بعير قد وشمه في وجههِ بالنار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما هذا الميسمُ يا عبَّاسُ؟) قال العباس: ميسمٌ كنا نسمه في الجاهلية، فقال: (لا تسموا بالحريق)، يعني في الوجه[13].
 
ونهى عن تعذيب الحيوان كما روى أنس رضي الله عنه أنه دخل دار الحكم بن أيوب فرأى غلماناً أو فتياناً نصبوا دجاجة يرمونها فقال أنس: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تُصْبَر البهائم[14].
 
ومن عظيم شفقته صلى الله عليه وسلم أنه أمر أن لا ترى البهيمة آلة الذبح، فقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفق في ذبح الحيوان والإحسان إليه في ذلك وقال لمن أضجع شاة وهو يحد شفرته: (أتريد أن تميتها موتتين؟. هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها!)[15].
 
ونهى صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيوانات من غير حاجة كأن تكون مؤذية أو تكون طعاماً. عن عبد اللَّه بن عمرٍو أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (ما من إنسان قتل عُصْفُورا فما فوقها بغير حقها إلاَّ سأَله اللَّهُ عزَّ وجلَّ عنه). قيل: يارسول اللَّه وما حقُّها؟ قال: (يَذْبَحُها فيأكلها ولا يقطع رأسها يرمي بها)[16]. وجعل من الإحسان إليها الإحسان في اختيار طعامها وشرابها وفي كل ذلك أجر. زار رجلٌ تميمَ الداري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أمير على بيت المقدس فوجده ينقي شعيراً لفرسه فقال له: أما كان في أهلك من يكفيك هذا؟ قال تميم: بلى، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من امريء مسلم ينقي لفرسه شعيراً ثم يعلقه عليه إلا كتب له بكل حبة حسنة)[17]. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصغي الإناء للهرة فتشربُ، ثم يتوضأ بفضلها)[18].
 
ونهى عليه الصلاة والسلام عن التحريش بين الحيوانات. عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله عن التَّحرِيش بين البهائم)[19]، وهو الإغراء وتهييج بعضها على بعض كما يُفْعَلُ بين الجمال والكباش والديوك وغيرها. ووجه النهي أنه إيلامٌ للحيوانات وإلعاب لها بدون فائدة بل مجرد عبث. وهو تماماً كما يُفعل في الوقت الحاضر فيما يقال عنه رياضة مصارعة الثيران وهو التحرُّش بها وتهييجها حتى لا يمكن السيطرة عليها وفيه إيذاءٌ عظيم لها. ومثل ذلك ما يسمى بمصارعة الديكة والتي يتسلى فيها البشر بمشاهدة تهييج هذه الحيوانات حتى تؤذي بعضها، في مشاهد أبعد ما تكون عن الرحمة والرأفة ولو كان هذا الحديث ضعيفاً في منطوقه ولفظه إلا أن نصوص الشريعة كلها فيما جاء في الدواب تؤيد معناه لأن غاية الأمر هو الرحمة بالحيوان حتى في قتله فكيف بإيذائه بلا حاجه؟.
 
بل قد نهى صلى الله عليه وسلم عن قطع نسل الحيوانات وحرمانها من حقها الفطري في التناسل والتكاثر والبقاء، فضلاً عما في ذلك من الأذية والإيلام. فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن خِصاءِ الخيل والبهائمِ[20]. وكان مُلاَّك البهائم يفعلون ذلك لأجل تسمين الذكور منها.
 
كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمراعاة حقها في المرعى الخصيب وإعطائها الوقت الكافي للرعي ولو كان ذلك في السفر، رحمة منه صلى الله عليه وسلم بها. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض)[21].

[1] صحيح البخاري 3071
[2] سنن أبي داود 2186 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/19)
[3] صحيح البخاري 5550
[4] صحيح البخاري 3208
[5] سنن أبي داود 2185 وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (6/48)
[6] سنن أبي داود 2204 وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (6/67)
[7] مسند الإمام أحمد  15076 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/20) دون زيادة (فرب مركوبة خير من راكبها وأكثر ذكرا لله منه).
[8] صحيح مسلم 3615
[9] مسند الإمام أحمد 19470 وصححه الحاكم في مستدركه (15/126)
[10] سنن أبي داود 2300 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/24)
[11] سنن أبي داود 4584 وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (6/175)
[12] سنن أبي داود 2564 وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (6/64)
[13]  رواه الطبراني في المعجم الكبير11814 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/304)
[14] صحيح البخاري 5089 ومعنى تُصْبَر أي تحبس لترمى حتى تموت وتكون هدفاً للرمي
[15] رواه الطبراني في الكبير والأوسط والحاكم واللفظ له وقال صحيح على شرط البخاري. وصححه الألباني في الصحيحة (1/23)
[16] سنن النسائي 4274 وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي (9/421)
[17] مسند الإمام أحمد 16343 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (5/268)
[18] رواه الطبراني في الأوسط وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير (19/236)
[19] سنن أبي داود 2199 وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (4/208)
[20]  أخرجه السيوطي في الجامع 2912 وصححه الألباني في صحيح الجامع (26/484)
[21] صحيح مسلم 1926