Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          الاستبراء للعرض:

إذا رمي المسلم بما هو منه بريء، أو رمي أهله بلا بينة، فالرامي أفاك أثيم، وللمسلم حق الدفاع عن نفسه ولو بمدح نفسه أو أهله، وله أن يحلف على ما يعلم، ففي حادثة الإفك، حين جرى ما جرى من الكلام الأثيم، ووقع من وقع في القول العظيم، قال (صلى الله عليه وسلم): (والله ما علمت على أهلي إلا خيراً، وقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً) متفق عليه.

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية

ومن الغيوب الدالة بتحققها على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم  مراراًً من انتشار الإسلام وظهور أمره على الأديان، وبلوغه إلى الآفاق، وهو أمر غيب لا مدخل فيه للتخمين ورجم الظنون، فإما أنه كاذب صادر من دعي، أو هو خبر صادق أوحاه الله الذي يعلم ما يُستقبَل من الأحداث والأخبار.
وشواهد ذلك كثيرة في القرآن والسنة، منها قوله تعالى: } هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون { (التوبة: 33)، وقد صدقه الله فقد ظهر أمره، وتم نوره، وعظُم دينه .
وقد قال صلى الله عليه وسلم  منبئاً عن ملك أمته وسلطانها: ((إن الله زوى لي الأرض، فرأيتُ مشارقَها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكُها ما زوي لي منها، وأعطيتُ الكنزيْن الأحمرَ والأبيض)).[1]

قال النووي: "وهذا الحديث فيه معجزاتٌ ظاهرة, وقد وقعت كلُّها بحمد اللّه كما أخبر به صلى الله عليه وسلم  ... المراد بالكنزين الذّهب والفضّة, والمراد كنزَيْ كسرى وقيصر، ملِكي العراق والشّام، وفيه إشارة إلى أنّ مُلكَ هذه الأمّة يكون معظم امتدادِه في جهتي المشرق والمغرب, وهكذا وقع، وأمّا في جهتي الجَنوب والشَّمال فقليل بالنّسبة إلى المشرق والمغرب".[2] فقد أعلمه الله بانتشار دينه، وبسؤدد أتباعه وأمته من بعدِه على فارس والروم وغيرها من البلاد.
ومثل هذه النبوءة العظيمة بل أعظم منها؛ تنبؤه صلى الله عليه وسلم  عن بلوغ دينه إلى أقاصي الأرض، في قوله: ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليلُ والنهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وبرٍ، إلا أدخله اللهُ هذا الدين، بعز عزيز، أو بذلِّ ذليل، عزاً يُعز الله به الإسلام، وذُلاً يذل الله به الكفر)). 
 
وكان تميم الداري رضيى الله عنه يؤكد تحقق هذه النبوءة فيقول: قد عرفتُ ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلمَ منهم الخيرُ والشرفُ والعزُ، ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذلُ والصَغارُ والجزيةُ.[3]
ولسوف نعرض لذكر بعض الفتوحات التي بشر بها النبي صلى الله عليه وسلم  ، فتحققت حال حياته أو بعد وفاته ، فكانت دليلاً على نبوته ورسالته.
منها، تنبؤه صلى الله عليه وسلم  بنصر بدر العظيم، وذلك في وقت كان المسلمون يعانون في مكة صنوف الاضطهاد ويُسامون سوء النكال؛ وفي وسط هذا البلاء نزل على النبي صلى الله عليه وسلم  قوله تعالى: } أكفاركم خيرٌ من أولئكم أم لكم براءةٌ في الزبر % أم يقولون نحن جميعٌ منتصرٌ % سيهزم الجمع ويولون الدبر% بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمرّ { (القمر: 43-46).
فقال عمر بن الخطاب [أي في نفسه]: أي جمع يهزم؟ أي جمع يُغلَب؟ فلما كان يوم بدر رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم  يثِب في الدرع، وهو يقول: }سيهزم الجمع ويولون الدبر{ فعرفتُ تأويلها يومئذ.[4]

فهذه الآية نزلت قبل الهجرة بسنوات؛ تتحدث عن غزوة بدر واندحار المشركين فيها، وتتنبأ بهزيمتهم وفلول جمعهم.
وقبيل معركة بدر أدرك النبي صلى الله عليه وسلم  اقتراب تحقق الوعد القديم الذي وعده الله، فقام إلى العريش يدعو ربه ويناجيه: ((اللهم إني أنشِدُك عهدَك ووعدَك، اللهم إن شئت لم تُعبَد بعدَ اليوم)).
 ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم  من عريشه، وهو يقول: ] سيهزم الجمع ويولون الدبر % بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر [.[5]
وهكذا كان، فقد هزمت جموعهم، وولوا على أدبارهم، وصدق الله نبيَه الوعدَ، وعدَ الله لا يخلف الله الميعاد.
ورأى النبي صلى الله عليه وسلم  في رؤياه أنه يأتي المسجد الحرام ويطوف به، فأخبر أصحابه، فسُروا بذلك، وظنوا أن ذلك يكون في عامهم، فتجهزوا مع النبي صلى الله عليه وسلم  آمّين البيت الحرام معظمين لحرْمَته، فصدتهم قريش عن البيت، وانتهى الأمر بإبرام صلح الحديبية الذي ألزم المسلمين بالعودة إلى المدينة، وأن يعتمروا من عامهم القابل.
وشعر الصحابة بغبن الشروط التي تضمنها الصلح، حيث اعتبره بعضهم من الدنية، فجاء عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله، ألسنا على الحق، وهم على الباطل؟ فقال: ((بلى)) فقال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: ((بلى)).

 قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ أنرجع ولما يحكمِ الله بيننا وبينهم؟
فقال صلى الله عليه وسلم : ((يا ابن الخطاب، إني رسول الله، ولن يضيعني الله أبداً)) ... فنزلت سورة الفتح فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم  على عمر إلى آخرها.
فقال عمر: يا رسول الله أوَفتح هو؟ قال: ((نعم)).[6] وأنزل الله في إثرها آياتٍ من سورة الفتح.
لقد صدق الله رسوله القول: }إنا فتحنا لك فتحا مبيناً{ (الفتح: 1) ، فكانت الآية عزاء للنبي وصحابته في عودهم إلى المدينة من غير أن يطوفوا بالبيت الحرام، فقال صلى الله عليه وسلم : ((لقد أُنزلت عليَّ آية هي أحب إليّ من الدنيا جميعاً)).[7]
قال ابن حجر في تبيان معنى الفتح العظيم الذي حققه المسلمون في صلح الحديبية: "المراد بالفتح هنا الحديبية، لأنها كانت مبدأَ الفتح المبين على المسلمين , لما ترتب على الصلح الذي وقع منه الأمن ورفع الحرب، وتمكن من يخشى الدخول في الإسلام والوصولَ إلى المدينة من ذلك، كما وقع لخالدٍ بنِ الوليد وعمرو بنِ العاص وغيرِهما, ثم تبعت الأسباب بعضَها بعضاً إلى أن كمل الفتح ...

قال [الزهري]: لم يكن في الإسلام فتحٌ قبلَ فتح الحديبية أعظمَ منه, وإنما كان الكفر حيث القتال, فلما أمن الناس كلهم؛ كلم بعضُهم بعضاً، وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يكن أحد في الإسلام يعقِل شيئاً إلا بادر إلى الدخول فيه , فلقد دخل في تلك السنتين مثلُ من كان دخل في الإسلام قبل ذلك أو أكثر .

قال ابن هشام: ويدل عليه؛ أنه صلى الله عليه وسلم  خرج في الحديبية في ألف وأربعِمائة، ثم خرج بعد سنتين إلى فتح مكة في عشرةِ آلاف.[8]
وقبل أن يظهر لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  أبعاد الفتح العظيم؛ عزم النبي صلى الله عليه وسلم  على الرجوع إلى المدينة ؛ وأمر الصحابة بذبح الهدي والعود إلى المدينة، فكرهوا عودتهم من غير أن يأتوا البيت، فيحققوا رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتى عمرُ رضيى الله عنه النبيَّ صلى الله عليه وسلم  فقال: أوليس كنتَ تحدثُنا أنا سنأتي البيت فنطوفَ به؟ قال: ((بلى، فأخبرتُكَ أنّا نأتيه العام؟)) فقال عمر: لا. فقال صلى الله عليه وسلم : ((فإنك آتيه ومطَوِّفٌ به)).[9]

ونزلت آيات القرآن تؤكد صدقَ ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم  في رؤياه وتنبأ بحتميةَ تحققِ ما أوحى الله إليه في رؤياه: } لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون { (الفتح: 27)، وقد تحقق ذلك في عمرة القضاء في العام الذي يليه.
 قال القرطبي في هذه الآية وغيرِها: " فهذه كلها أخبار عن الغيوب التي لا يقف عليها إلا رب العالمين، أو من أوقفه عليها ربُ العالمين ، فدل على أن الله تعالى قد أوقف عليها رسولَه، لتكون دلالة على صدقه".[10]
وأثاب الله الصحابة على صدق بيعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم  عند شجرة الرضوان بفتح قريب ومغانم وفيرة، أثابهم بفتح خيبر، فقال واعداً إياهم: } لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً % ومغانم كثيرةً يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً % وعدكم الله مغانم كثيرةً تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آيةً للمؤمنين ويهديكم صراطاً مستقيماً { (الفتح: 18-20).
إن الله يعد أصحاب الشجرة في هذه الآية بمغيَّبات عدة ، منها الوعد بفتحٍ قريب ومغانمَ كثيرةٍ فيه } وأثابهم فتحاً قريباً % ومغانم كثيرة يأخذونها { (الفتح: 18-19).

قال الطبري: "وأثاب الله هؤلاء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم  تحت الشجرة - مع ما أكرمهم به من رضاهُ عنهم وإنزالِه السكينة عليهم وإثابتِه إياهم – فتحاً قريباً ، معه مغانمُ كثيرةٌ يأخذونها من أموال يهود خيبر، فإن الله جعل ذلك خاصة لأهل بيعة الرضوان دون غيرهم".[11]
والتنبؤ بفتح خيبر لم يكن تنبؤاً بأمر ميسور قريب النوال، بل هو أمر دونه خرط القتاد؛ فإن خيبر حصون منيعة ، وفيها عشرة آلاف من المقاتلين الشجعان ، أي ما يساوي سبع مرات عدد المسلمين القادمين لفتحها ، لكنه موعود الله.
وما إن لاحت بالأفق حصونها حتى قال صلى الله عليه وسلم : ((خرِبت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم ]فساء صباح المنذرين[ (الصافات: 177)، قال أنس: فهزمهم الله)).[12]
قال أبو القاسم الأصبهاني: "وفيه من دلالة النبوة أنه كان كما قال، خرِبت خيبر بعد نزوله صلى الله عليه وسلم  بساحتهم".[13]
وكما أخبر عن فتح خيبر فإنه تحدث عن جلاء اليهود منها، وقد وقع ذلك زمن خلافة عمر رضيى الله عنه ، فقد اعتدى بعض أهل خيبر على عبد الله بن عمر؛ فقام عمر خطيباً فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم  كان عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال: ((نقِرُّكم ما أقرَّكم الله))، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك، فعُدي عليه من الليل، ففُدِعت يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدو غيرهم، هم عدونا وتهمتنا، وقد رأيت إجلاءهم.

فلما أجمع عمر على ذلك؛ أتاه أحد بني أبي الحقيق فقال: يا أمير المؤمنين، أتخرجنا وقد أقرنا محمد، وعاملنا على الأموال، وشرَطَ ذلك لنا؟
 فقال عمر: أظننتَ أني نسيتُ قول رسول الله: ((كيف بك إذا أُخرجت من خيبر تعدو بك قَلوصُك ليلةً بعد ليلة؟)) فقال: كانت هذه هُزَيلة [مزاحاً] من أبي القاسم.
 قال: كذبتَ يا عدو الله.
 فأجلاهم عمر، وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالاً وإبلاً وعروضاً من أقتاب وحبال وغير ذلك.[14]
وقال ابن حجر: " أشار صلى الله عليه وسلم  إلى إخراجهم من خيبر، وكان ذلك من إخباره بالمغيَّبات قبل وقو عها". [15]
ولم يكن فتحُ خيبرَ الوعد الوحيد الذي وعده الله أصحابَ الشجرة، بل قد بشّرهم بغيرِها، فقد بشرهم بفتح بلاد منيعة لم يقدروا على فتحها من قبل.
واختلف العلماء في تحديدها ، هل هي الطائف أو مكة؟ فكلتاهما استعصت على المسلمين، قال تعالى: } وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيءٍ قديراً{ (الفتح: 21).

والذي اختاره الطبري وغيرُه أن هذه الآية الكريمة بشارة بفتح مكة، وأنها البقعة التي رامها المسلمون ولم يقدروا عليها بعد، قال الطبري: " المعنيُّ بقوله: } وأخرى لم تقدروا عليها { غير [غيرُ خيبر]، وأنها هي التي قد عالجها ورامها فتعذّرت، فكانت مكةُ وأهلُها كذلك، وأخبر الله تعالى ذِكرُه نبيَه صلى الله عليه وسلم  والمؤمنين أنه أحاط بها وبأهلها، وأنه فاتحُها عليهِم". [16]
وتحقق الوعد بفتح مكة التي وعد الله - من قبل - نبيه بفتحها يوم الهجرة، وهو قريب من الجُحفة فقال له مواسياً: } إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد { (القصص: 85).
قال القرطبي: "ختم السورة [سورة القصص] ببشارة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم  بردِّه إلى مكة قاهراً لأعدائه .. وهو قول جابر بن عبد الله وابن عباس و مجاهد وغيرهم".[17]
وقد غادر النبي صلى الله عليه وسلم  الدنيا ولما يرى بأم عينه بعضاً مما وعده الله تعالى في دينه وأمته، ولكنها تحققت زمن خلفائه وأتباعه عليه الصلاة والسلام.
وأول هذه الأخبار الصادقة ما ذكره القرآن من وعد للأعراب الذين لم يخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم  إلى عمرة الحديبية، فقال لهم الله مختبراً صدقهم وإيمانهم: } قل للمخلفين من الأعراب ستُدعون إلى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذاباً أليماً { (الفتح: 16).

وقد اختلف المفسرون في هؤلاء القوم أولي البأس الشديد الذين سيدعى الأعراب المتخلفون إلى قتالهم على أقوال، منها أنهم هوازن أو ثقيف أو فارس والروم ، ونقل الواحدي عن جمهور المفسرين أنهم بنو حنيفة، لقول رافعٍ بنِ خَديج رضيى الله عنه: (والله لقد كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى } ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد { فلا نعلم من هم، حتى دعانا أبو بكرٍ إلى قتال بني حنيفة، فعلمنا أنهم هم).[18] فكان هذا الوعد غيباً آخرَ أطلع الله عليه نبيه، حين بشره بالنصر والظفر على قوم أولي بأس شديد، يُدعى هؤلاء الأعراب إلى قتالهم، وكان ذلك في حروب المرتدين أتباعِ مسيلمةَ الكذاب.
ومما بشّر به صلى الله عليه وسلم ، فتحقق بعده كما أخبر، بشارتُه بفتوح اليمن والشام والعراق واستيطان المسلمين بهذه البلاد، حيث قال صلى الله عليه وسلم : (( تُفتَح اليمن فيأتي قوم يُبِسُّون[19] فيتحملون بأهلهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتُفتح الشام فيأتي قومٌ يُبِسُّون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتُفتح العراق فيأتي قومٌ يُبِسُّون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)).[20]

قال النووي: "قال العلماء: في هذا الحديث معجزاتٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه أخبر بفتح هذه الأقاليم، وأن الناس يتحملون بأهليهم إليها ويتركون المدينة، وأن هذه الأقاليم تفتح على هذا الترتيب [اليمن ثم الشام ثم العراق]، ووجِد جميعُ ذلك كذلك بحمد الله وفضله".[21]
ويؤكد الإمام ابن حجر تحقق هذه النبوءات النبوية، فينقل عن ابن عبد البر وغيره قولهم: "افتتحت اليمن في أيام النبي صلى الله عليه وسلم  وفي أيام أبي بكر, وافتتحت الشام بعدها, والعراق بعدها، وفي هذا الحديث عَلم من أعلام النبوة, فقد وقع على وفق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم  وعلى ترتيبه, ووقع تفرق الناس في البلاد لما فيها من السعة والرخاء, ولو صبروا على الإقامة بالمدينة لكان خيرًا لهم".[22]
وأما فتح فارس، فقد بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم  أصحابه، فقال: ((لتفتحن عصابة من المسلمين كنز آل كسرى الذي في الأبيض)).[23]
وتحقق الوعد زمنَ خلافة عمر بن الخطاب، ففتحه الصحابة فكان أول من رأى القصر الأبيض ضرار بن الخطاب، فجعل الصحابة يكبرون ويقولون: هذا ما وعدنا الله ورسوله .[24]
وكذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم  بفتح مصر؛ ودعا إلى الإحسان إلى أهلها إكراماً لهاجر أم إسماعيل، فقد كانت من أرض مصر، كما أخبر بدخول أهلها في الإسلام واشتراكهم مع إخوانهم في التمكين له، قال صلى الله عليه وسلم : ((إنكم ستفتحون مصر .. فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذِمة ورحِماً))، في رواية لابن حبان: (( فاستوصوا بهم خيرًا، فإنهم قوة لكم، وبلاغ إلى عدوكم بإذن الله)).

والتفت النبي صلى الله عليه وسلم  إلى أبي ذر فقال: ((فإذا رأيتَ رجلين يختصمان فيها في موضع لَبِنة فاخرج منها)).
 وتحقق ذلك زمنَ خلفائه الراشدين، فكان أبو ذر رضيى الله عنه ممن فتح مصر وسكنها، يقول رضيى الله عنه: فرأيت عبدَ الرحمنِ بنَ شرحبيلَ بنِ حسنة وأخاه ربيعة يختصمان في موضع لَبِنة، فخرجت منها.[25]