Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          قال المرزباني: أصدق بيت قالته العرب هذا البيت:

فما حملت من ناقة فوق مرحلها**أبر وأوفى ذمة من محمد (صلى الله عليه وسلم)

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

ننصحك بقراءة هذا الإصدار

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
 رحمـتـه

وفيه خمسة فصول

الفصل الأول      : حقيقة الجهاد

الفصل الثاني : آداب الغزووتغييرمفهوم القتال

الفصل الثالث     : نموذج عملي لحروبه (صلى الله عليه وسلم)

الفصل الرابع : رحمته  (صلى الله عليه وسلم) بالأسارى

الفصل الخامس: نظرة على غزواته  (صلى الله عليه وسلم)

 

الفصل الأول

حقيقة الجهاد

 

       مهما كان الرجل رحيماً، ومهما بلغ من رحمته في حياته العامة، فلا تراه يرحم عدوه وهو في ساحة الوغى وميدان القتال،ولا يجدر به أن يرحم عدوه وهو له بالمرصاد، يرغي ويزبد،ويتوعد ويتهدد، وإذا كان أراد أن يرحمه فلماذا استعد للحرب وتصدى للقتال؟ ولكن مهلا يا أخي! غيّر نظرك هذا الآن، فإن أمامك محمدا r رحمة للعالمين. وسوف تجده رحيما جد رحيم،كريما فوق كل كريم وهو في ساحة الحرب مع الأعداء. وقد غير وجهة النظر للحرب.

       فمن المناسب،لا،بل مما لابد منه أن تقف قليلا أمام الجهاد الإسلامي، فإن هذا أعظم شئ شوّه به من شوّه صورة الإسلام ونبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام أنه–حاشا لله – كان ظالماً وسفاكاً للدماء، نشر دينه بقوة السيف. وأكثرهم يرددون ذلك القول متعمدين مع أن ضميرهم الإنساني ينددبهم  على هذا الاتهام المتعمد،ذلك لأنهم يعلمون الحقيقة،ولكنهم يسدلون عليها الستار . وليس ذلك إلا حقدا على الإسلام والنبي  (صلى الله عليه وسلم).

       ولكن هناك طائفة لارأي لهم إلامايوحي إليهم أولياءهم من خير أوشر ،من حق أوباطل ،من صدق أوكذب ،فهم في ذلك تبع "يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا"[1]. فهولاء مساكين، حق لهم أن يُرحموا ويوجهوا توجيها سديدا وَيَبلَّغوا علماً صحيحا.فأقول بإذن الله تعالى وتوفيقه:

 

 

حقيقة الجهاد

ليس الجهاد سفك الدماء ولاقتل الأبرياء،ولاهتك الأعراض ولانهب الأموال،إنماالجهاد عبارةعن سعي لتنفيذ شريعة الله ، لتكون كلمة الله هي العليا،بالحكمةوالموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وإن لم يتيسر ذلك بما تقدم ولم يبق إلاالقتال ،فالقتال أخيرًا اضطرارًا "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله"[2].

       ومثله كمثل جرح أصاب رجلا في يده أوفي رجله ،ولم يشف بالتعصيب والتضميد ولا يرجى فيما يرى، ويخشى إن تأخر أن يموت، فمن الضروري أن يبتر ذلك العضوحتى لايهلك الرجل "إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفسادكبير"[3]

وقدشرح حقيقة الجهاد العلامة السيد مناظر أحسن الكيلاني الهندي فأحسن وأجاد, إذ يقول:

       "الجهاد فريضة محكمة ذات أهمية من فرائض الإسلام ، أثيرت اليوم حوله الشكوك والشبهات،مع أن الجهاد ليس معناه القتال والحرب:لافي اللغة ولافي المصطلح. الأصل في هذا أن هناك ثلاث نظرات أوثلاثة أصول في هذه القضية الشائكة:

       الأولى: الإحسان إلي المحسنين والمسالمة مع المصلحين ،بل يخلّى السبيل للمسيئين والمفسدين ليوسعوا نطاق فسادهم ودائرة فتنتهم ،من لطم خدك الأولى قدم إليه الأخرى ليبل من غلته من الفساد والفتنة حتي يبرد ويسكن، واتخذ و اقتن الحيات السامة والعقارب وهيء لها جميع مرافق الحياة.

       الثانية:لابدمن القضاء على كل من دبّ ودرج على الكوكب الأرضي، سواء كان صالحا أوطالحا للحفاظ علي المصالح الشخصية أوالقومية،وهذا مايسمى بقانون التنازع للبقاء في الأرض.

       الثالثة: وهي نظرة الإسلام: الإحسان إلى المحسنين، ومن ليسوا بمحسنين فحاول جهدك لأن يكفوا عن غيهم ويدخلوا في جماعة المحسنين، وهذه المحاولة في هذا السبيل وبذل الجهد لتحقيق هذا الغرض النبيل يدعي في فلسفة الإسلام "جهادا".

مبدأه الأول ومنطلقه الأساسي الدعوة إلى الله. ولو اضطرالداعي إلى التنازع والمواجهة ولايملك هو من القوة المادية ولا من الأسباب المؤدية المؤهلة لمواجهة العدو بل كان الخوف لتأثيرالفساد وتفعيله في المحسنين والصالحين لغلبته واستيلائه ،فعلى الداعي أن يختار لدعوته طريقا آخر، ألاوهوالهجرة.

       ولوكان الداعي يملك من القوة ما يؤهله للمواجهة والمجابهة والمناضلة فلينظر إن أمكن لو قام بتضحية نفسه فداء، بقاء للجماعة، أو أمكن بقاء السواد الأعظم من الأمة بتضحية جماعة وطائفة صغيرة فليأت به، ولكن إذا لم تعد هذه الصورة ممكنة بالفعل فعند ذلك النفير العام للحرب والجهاد، فمن هنا تبين أن الاستماتة لهداية الضالين، ولمنحهم حياة سرمدية قائمة باقية هي الجهاد. وأما إبادة الآخرين للإبقاء على المصالح الشخصية أوالقومية فهو القتال والحرب،لا علاقة له بالجهاد بتاتا.[4]

       هذه حقيقة الجهاد ،رغم ذلك كله يثير المستشرقون حوله الشبهات .أتركك قليلا مع الشيخ محمد حسين هيكل، وأعطي زمامك بيده يقودك إلى كشف الستار عن هذه الشكوك والأوهام، وقد قارن بين الجهاد الإسلامي والقتال المسيحي ،فيقول :

هنا يرفع المستشرقون والمبشرون عقائرهم صائحين:أرأيتم ! هذا محمد يدعو دينه إلى الحرب وإلى الجهاد في سبيل الله ،أي إكراه الناس بالسيف على الدخول في الإسلام . أليس هذا هو التعصب بعينه!وهذا في حين تنكر المسيحية القتال وتمقت الحرب وتدعو إلى السلام، وتنادي بالتسامح وتربط بين الناس برابطة الإخاء في الله وفي السيد المسيح. ولست أؤيد لكي أناقش هؤلاء،أن أذكر كلمة الإنجيل: "ماجئت لألقي على الأرض سلاما بل سيفا …إلخ".وما تنطوي عليه هذه الكلمة من المعاني ، فالمسلمون يقرون دين عيسى كمانزل به القرآن .وإنما أريد باديء الرأي أن أرد قولهم: إن محمدا دعا دينُه إلى القتال لإكراه الناس بالسيف على الدخول في الإسلام. فهذه فرية ينكرها القرآن في قوله تعالي }لاإكراه في الدين قدتبين الرشد من الغي[5]{ وفي قوله تعالي: }وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين[6]{وفي كثير غير هاتين الآيتين الكريمتين.

       والجهاد في سبيل الله معناه الصريح، على نحو ما وردفي الآيات قتال الذين يفتنون المسلم عن دينه ويصدون عن سبيل الله ، وهذا هو القتال في سبيل حرية الدعوة إلى الله وإلى دينه.وبعبارة تتمشى مع أسلوب عصرنا الحاضر:الدفاع عن الرأي بالوسائل التي يقاتل بها أصحاب الرأي .فإذا أراد أحد أن يفتن رجلا عن رأيه بالدعاية وبالمنطق دون أن يحمله على ترك هذا الرأي بالقوة وبغير القوة من وسائل الرشوة والتعذيب، لم يكن لأحد أن يدفع هذا الرجل إلا بإدحاض حجته وتفنيد منطقه، لكنه إذا حاول بالقوة المسلحة أن يصد صاحب رأي عن رأيه، وجب دفع القوة المسلحة بالقوة المسلحة متى استطاع الإنسان إليها سبيلا، من المال ومن الجاه ومن السلطان ومن الحياة نفسها ،من هذه الحياة المادية التي يشترك الإنسان والحيوان فيها،يأكلون ويشربون ،وتنمو أجسامهم وتقوى عضلاتهم .والعقيدة هي هذه الصلة المعنوية بين الإنسان والإنسان ،والصلة الروحية بين المرء وربه .وهي هذا الحظ الذي يمتاز به الإنسان على سائرالحيوان مما في الحياة ،والذي يجعله يحب لأخيه ما يحب لنفسه ،ويؤثر البائس والفقير والمسكين على أهله ولو كان به وبهم خصاصة ،ويتصل بالكون كله ليعمل دائبا كي يبلغ الكون ما قدر الله له من كمال.

       إذا ملكت هذه العقيدة إنسانا فحاول غيره فتنته عنها ولم يستطع دفاعا عن نفسه ، فعل ما فعل المسلمون قبل هجرتهم إلى المدينة، فاحتمل المساءة والأذى وصبر على الهون والضيم، ولم يصده جوع ولا حرمان أياًّ كان نوعه عن التمسك بعقيدته. وهذا الذي فعل المسلمون الأولون هو الذي فعل المسيحيون الأولون. لكن الصابرين لعقيدتهم ليسوا هم سواد الناس ولا جماعتهم، وإنما هم الصفوة والمختارون ومن حباهم الله من قوة الإيمان ما يصغر معه كل أذى وكل ضيم ،وما يدك الرواسي ،وما تقول معه للجبل انتقل من مكانك ينتقل، على حد تعبير الإنجيل .لكنك إذا استطعت أن تدفع الفتنة بسلاح من يحاول الفتنة، وأن تقف في وجه من يصد عن سبيل الله بوسائله، وجب عليك أن تفعل، وإلا كنت مزعزع العقيدة ضعيف الإيمان. وهذا ما فعل محمد وأصحابه بعد أن استقر لهم الأمر بالمدينة، وهذا ما فعل المسيحيون بعد أن استقر لهم السلطان في رومية في بزنطية وبعد أن لان قلب بعض عواهل الروم لدين المسيح.

       ويقول المبشرون :لكن روح المسيحية تنكر القتال على إطلاقه .ولست أقف لأبحث عن صحة هذا القول.لكن تاريخ المسيحية أمامنا شاهد عدل ،وتاريخ الإسلام أمامنا شاهد عدل،فمنذ فجر المسيحية إلى يومنا هذا خضبت أقطار الأرض جميعا بالدماء باسم السيد المسيح، خضبها الروم وخضبتها أمم أوربا كلها. والحروب الصليبية إنما أذكى لهيبها المسيحيون لا المسلمون .ولقد ظلت الجيوش باسم الصليب تنحدر من أوربا خلال السنين قاصدة أقطار الشرق الإسلامية، تقاتل وتحارب وتريق الدماء، وفي كل مرة كان البابوات خلفاء المسيح يباركون هذه الجيوش الزاحفة للاستيلاء على بيت المقدس وعلى الأماكن النصرانية المقدسة. أفكان هؤلاء البابوات جميعا هراطقة وكانت مسيحيتهم زائفة؟ أم كانوا أدعياء جهالا لا يعرفون أن المسيحية تنكر القتال على إطلاقه؟ أم يقولون:تلك كانت العصور الوسطى عصور الظلام فلا يحتج على المسيحية بها؟ إن يكن ذلك بعض ما قد يقولون، فإن هذا القرن المتم للعشرين الذي نعيش فيه والذي يسمونه عصر الحضارة الإنسانية العليا، قد رأى ما رأت تلك العصور الوسطى المظلمة.فقد وقف اللورد اللنبي ممثل الحلفاء:إنكلترا وفرنسا وإيطاليا ورومانيا وأمريكا ،يقول في بيت المقدس في سنة1918م حين استيلائه عليه في أخريات الحرب العالمية الأولى: "اليوم انتهت الحروب الصليبية".

       إذا كان من بين المسيحيين قديسون أنكروا القتال في مختلف العصور وسموا بذواتهم إلى الذروة من معنى الإخاء الإنساني، بل من معنى الإخاء بين عناصر الكون كله ،فمن بين المسلمين كذلك قديسون سمت نفوسهم هذا السمو واتصلوا بكل الوجود اتصال إخاء ومحبة... لكن هؤلاء القديسين، من النصارى والمسلمين، وإن صوروا المثل الأعلى، لايمثلون حياة الإنسانية أثناء تطورها الدائم وفي دأب جهادها إلى الكمال، إلى هذا الكمال الذي نحاول تصوره ثم يقعدبنا العقل ويقعد بنا الخيال دون شيء من الدقة وفي إدراكه ، وإن نحن جازفنا بتصويره تمهيدا لما نحاول من جهود في سبيله . وهذه سبع وخمسون و ثلاثمائة وألف سنة[7] قد انقضت منذ هجرة النبي العربي من مكة إلى يثرب والناس في مختلف العصور يزدادون في القتال افتنانا وفي صنع آلاته الجهنمية المدمرة دقة وإتقانا .وما تزال كلمات نبذ الحرب وإلغاء التسلح والتحكيم لاتزيد على أنها كلمات تقال في أعقاب كل حرب تنهك الأمم، أو على أنها دعايات تلقى في جو الحياة من أناس لم يستطيعوا حتى اليوم, ومن يدري! فلعلهم لا يستطيعون يوما أن يحققوا منها شيئا، وأن يحلوا السلام الصحيح، سلام الإخاء والعدل، محل السلام المسلح نذير الحرب وطليعة ويلاتها.

       والإسلام ليس دين وهم وخيال، ولا هو دين يقف عند دعوة الفرد إلى الكمال ، إنما الإسلام دين الفطرة التي فطر الناس جميعا عليها أفرادا وجماعات، وهو دين الحق والحرية والنظام. وما دامت الحرب في فطرة الناس، فتهذيب فكرتها في النفوس وحصرها في أدق الحدود الإنسانية هو غاية ما تحتمل فطرة البشر، وما يحقق للإنسانية اتصال تطورها في سبيل الخير والكمال. وخير تهذيب لفكرة الحرب ألاتكون إلاللدفاع عن النفس وعن العقيدة وعن حرية الرأي والدعوة إليه، وأن ترعى فيها الحرمات الإنسانية تمام الرعاية.وهذا ما قرر الإسلام على ما رأينا وما سنرى من بعد. وهذا ما نزل به القرآن.[8]

عمدًا أطلنا بعض الإطالة في هذا المبحث ليكون الرجل على بصيرة من مماقام به الرسول صلى الله عليه وسلم من الجهاد ، وليؤمن أنه عاد رحمةً للبشر.والآن نوجز لك القول فيما تظهر به رحمته  (صلى الله عليه وسلم) من أول الجهاد إلى نهايته.

النية في الجهاد:

لا يكون الجهاد للمغنم والمال ،ولا للذكر والشهرة، ولاللغضب والحمية، ولا للفساد في الأرض ،ولا لإهلاك الحرث والنسل، وقدورد في جميع ذلك أحاديث صحيحة ، لانذكرها اختصارا ،وليس هذا موضعها، لما نحن فيه، إلا حديثا يدل على أنه ليس للفساد.

       فعن معاذ بن جبل tقال قال رسول الله  (صلى الله عليه وسلم): الغزو غزوان: فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسرالشريك، واجتنب الفساد، فإن نومه ونبهه أجركله؛ وأما من غزا فخراًورياء وسمعة,وعصى الإمام,وأفسدفي الأرض فإنه لم يرجع بالكفاف.[9]

       تأمل! قد نفى النبي صلى الله عليه وسلم هذه المقاصد كلها التي مازالت تكون من أجلها الحرب ولاتزال ،فلم يبق الجهاد بعد ذلك إلا محاولة شاقة على الأنفس، لايقوم لها إلا مؤمن يتقي الله حق تقاته ولايكون في قلبه أي طمع في الدنيا، ولذلك أمر النبي  (صلى الله عليه وسلم) أن لا يتمنوالقاء العدو،فقال"لاتتنوا لقاءالعدو، وسلوا الله العافية ، فإذا لقيتم فاصبروا.[10]

إذًا فمحمد (صلى الله عليه وسلم)لا يتمنى إلا الأمن والسلام والسكون والعافية.

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] الأنعام: 113

[2] الأنفال:39

[3]الأنفال:73

[4] النبي الخاتم ص: 104طبع لكناؤ 2003م

[5] البقرة: 256

[6] البقرة: 190

[7] والآن : قد انقضت سبع وعشرون وأربعمائة وألف سنة على هجرتهr .

[8] حياة محمد ص164-166

[9] موطأ الإمام مالك 2/466 رقم 43، وأبوداؤد رقم 2515 واللفظ له، والنسأئي 3190, وحسنه الألباني .

[10] البخاري رقم 2966 ومسلم رقم (1742)