Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          حنكته وسياسته:

سعى المشركون إلى مواجهة المسلمين المعتمرين عام الحديبية، وسعى النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى تجنيب الفريقين أسباب الصدام، وحرص المشركون على مكتسبات شكلية في الصلح، وحرص رسول الله على توطيد الأمن لتنتشر الدعوة، ونقض المشركون الصلح بعد ذلك، ففتح الله مكة للمسلمين بأقل قدر من المواجهة، وإن في ذلك لعبرة لا يدرك حقيقتها إلا من وفقه الله وعصمه.

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

ننصحك بقراءة هذا الإصدار

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
m011.jpg

أكثر الناس حاجة إلى أن يحتمل الإنسان منهم ويغض الطرف عن هفواتهم هم الأهل؛ لكثرة ما يحدث من طول العشرة والتعرض لمختلف الظروف، مما يستدعي الرحمة بهؤلاء فأين يذهبون إذا لم يجدوا في البيت طمأنينةً وراحةً وهدوءًا .

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله (صلى الله عليه وسلم) من فاطمة، كانت إذا دخلت عليه قام إليها (ورحَّب بها)، فأخذ بيدها فقبَّلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها" ([1]).

مظهر الرحمة:

إن التبادل العاطفي والإنصاف يكسو الحياة رونقاً آخر، فينطلق الإنسان بتصرفاته على سجيته، ويقوم بالحقوق من غير تكلف. وفاطمة بنت جارة عائشة، ولفقد الأم ولمكانتها عند النبي (صلى الله عليه وسلم) منحها هذه المنزلة رحمة بها.. وكم في هذا من منقبة لعائشة حين تروي قصة بنت جارتها في معرض الثناء والمدح. والوئام الأسري يتعدى الزوجة إلى البنات فهنَّ أحوج إلى هذه المشاعر.

وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) أرحم الناس بالعيال، وكان له ابن مسترضع في ناحية المدينة، وكان ظئره قينًا، وكنا نأتيه وقد دخن البيت بإِذخر فيقبِّله ويشمُّه " ([2]).

مظهر الرحمة:

تقدَّم أن الصغير نفسُه قريبة، واهتماماته متواضعة، تؤثر فيه النظرة، وتسعده القبلة هذا مع من يدرك التصرفات، فكيف بهذا الرضيع الذي لا يعرف هذا التصرف لو لا أنها رحمة ذاتية من النبي (صلى الله عليه وسلم) يسعد بأن تنبعث منه، حتى ولو لم يشعر بها الآخرون.. ثم تواضعه وتحمُّله للجوِّ المعتم عند هذا القين.. فكلُّ ذلك في سبيل تحقيق هذا الخلق العظيم: (الرحمة).

عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: " دخلنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على أبي سيفٍ القين، وكان زوج مرضعة إبراهيم عليه السلام، فأخذ رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) إبراهيم فقبّله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك، وإبراهيم يجود بنفسه فجعلتْ عينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه) : وأنت يا رسول الله ؟ فقال: يا ابن عوفٍ إنها رحمة ٌ. ثم أتبعها بأخرى، فقال (صلى الله عليه وسلم):" إن العينَ تدمُع، والقلبَ يحزنُ، ولا نقول إلا ما يُرضي ربَّنا، وإنا بفراقك يا إبراهيمُ لمحزونون " ([3]).

مظهر الرحمة:

حين تتذكر شخصيةَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وما لديه من مهام ومواجهة الصعاب ومروراً بالظروف الصعبة. فإن هذا لا يعني قسوة القلب؛ بل قلبه (صلى الله عليه وسلم) كبير وعظيم، ومن عظمته اكتمال المعاني فيه، فإن الرحمة من كمالات القلوب، مع استحضار الواجب في هذه المواقف من الصبر والرِّضى، فجمع بين حقِّ الخالق وحقِّ المخلوق. وهذا من أكمل صور التوازن والاعتدال البشري.

وعن أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يأخذني فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن بن علي على فخذه الآخر ، ثم يضمُّهما ، ثم يقول: " اللهم ارحمهما فإني أرحمهما " ([4]) .

مظهر الرحمة:

الصغير واليتيم والمرأة والفقير أصحاب أحوال تستعدي الرحمة، ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) يضمُ ويقبِّل ويدعو لهؤلاء الأطفال رحمةً بهما، وهي من ملامح التواضع والسماحة، ومن مظاهر اللين والرحمة؛ فإن الغليظ الجاف لا يقترب منه أحد.

وعن عبد الله بن شداد (رضي الله عنه) قال: "خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسناً أو حسيناً، فتقدَّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فوضعه ثم كبَّر للصلاة فصلى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر الرسول الكريم، وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي؛ فلما قضى رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) الصلاة، قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدةً أطلتها حتى ظننَّا أنه قد حدث أمر أو أنه يُوحى إليك، فقال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجلَه حتى يقضي حاجتَه " ([5]).

مظهر الرحمة:

لو لم يكن هذا الطفل يعلم من حال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذا الخلق العظيم لم يجرؤ على هذا الفعل، وهكذا يجب أن يكون الدعاة قريبين من الناس، يَألفون ويُؤلفون، ويصل الناس إليهم بحوائجهم، ويطمئنون إلى أشخاصهم.

وجاء الحسن والحسين وهما ابنا بنته وهو يخطب الناس فجعلا يمشيان ويعثران فنزل النبي (صلى الله عليه وسلم) من المنبر فحملهما حتى وضعهما بين يديه ثم قال: صدق الله ورسوله: ) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ( [لأنفال:28] نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما" ([6]).

مظهر الرحمة:

في عُمِق العمل الدعويِّ والعِباديِّ وهي الخطبة يضرب (صلى الله عليه وسلم) مثلاً رائعاً في الاهتمام بالصغير، ورحمته، والوقوف معه .. ومظهر الرحمة بالمشهد مُعبِّرٌ بنفسه.

 

--------------------------------------------------------------------------------

([1]) أبو داود، ح (5217)، وما بين القوسين لابن حبان في صحيحه، ح (6953) وصححه الألباني، مشكاة المصابيح، ح (4689).

([2])الأدب المفرد 1/137، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ح (376).

([3]) البخاري، ح (1241)، والقين: الحداد، ويطلق على كل صانع ، المصباح المنير، 2/ 521.

([4])البخاري، ح (5657). واستشكل بعضهم ظاهر الحديث، لفارق العمر بين أسامة والحسن، وجمعهما على فخذي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقد أجاب ابن حجر عن هذا بقوله: " والأمر فيه أوضح من أن يحتاج إلى دليل .. فيحتمل أن يكون ذلك وقع من النبي (صلى الله عليه وسلم) وأسامة مراهق والحسن ابن سنتين مثلا ، ويكون إقعاده أسامة في حجره لسبب اقتضى ذلك كمرض مثلا أصاب أسامة فكان النبي (صلى الله عليه وسلم) لمحبته فيه ومعزته عنده يمرضه بنفسه، فيحتمل أن يكون أقعده في تلك الحالة، وجاء الحسن ابن ابنته، فأقعده على الفخذ الأخرى، وقال معتذرًا عن ذلك إني أحبهما والله أعلم". فتح الباري، 10/434.

([5])النسائي في المجتبى، ح (1141)، وأحمد في المسند، ح (16076) 3/493، وصححه الألباني في صحيح النسائي.

([6]) الترمذي، ح (3774)، والنسائي في المجتبى ، ح (1585)، وصححه الألباني، مشكاة المصابيح، ح (6159).