موقع نبي الرحمة

رحمته (صلى الله عليه وسلم) بالنساء عموماً:

عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):"استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن خُلِقْنَ من ضلع، وإن أعوج شيء في الضِّلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمُه كسرتَه، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا"([1]).

مظهر الرحمة:

المرأة حجر الزاوية في الأسرة .. وبحكم تنو

ذثع عملها المنزلي وبما جبلت عليه من لطف وعطف قد يصدر منها في لحظات ضعفٍ أو شغل أو عرضٍ معين ما تلام عليه فأوصى النبي (صلى الله عليه وسلم) خيراً .

وقوله (صلى الله عليه وسلم) : ( استوصوا ) بليغة في الاستمرار والمشاركة الجماعية و( خيراً ) تشمل كل معاني الخير، وربط التقويم بالكسر، وهذا فيه ضرر بالمرأة فرحمته بها جعل إمكانية العيش عبر بوابة الخير الواسعة بالإعراض والتجاوز والتسامح ) عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ( [التحريم:3] .

وعن أبي هريرة (رضي الله عنه): " أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد ففقدها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فسأل عنها. فقالوا: ماتت. قال: أفلا كنتم آذنتمونى؟ - قال فكأنهم صغَّروا أمرَها- فقال: دُلُّوني على قبرها فدلُّوه فصلَّى عليها ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله عز وجل ينوِّرُها لهم بصلاتي عليهم" ([2]).

مظهر الرحمة:

إن القضاء على الأعراف المرفوضة يحتاج إلى قوة ويقضة، وهكذا النبي (صلى الله عليه وسلم) رفع شأن هذه المرأة؛ لما لها من دور ورسالة ثم إشفاقُه عليها وعلى أهل القبور ورحمة بهم جميعاً.

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن امرأة وُجِدت في بعض مغازي النبي (صلى الله عليه وسلم) مقتولة فأنكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قتل النِّساء والصِّبيان " ([3]).

مظهر الرحمة:

رحمته (صلى الله عليه وسلم) حتى مع المخالفين فإن هذه المرأة من جيش الكفار ومشارِكةً معهم ومع ذلك نهى عن قتل النساء وأنكر ذلك؛ لأن المرأة ليست من أهل القتال، ولا طاقة لها بأعبائه لما جبلت عليه من طبيعة تصلح لمهام أخرى .

وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: استأذنتُ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) في الجهاد فقال: " جِهَادُكُنَّ الحجُّ " ([4]).

مظهر الرحمة:

الجهاد فيه من المشقة شيء عظيم، ومن رحمته (صلى الله عليه وسلم) بالمرأة لم يوجب عليها الجهاد ولم يشرع لها، حيث إن الخِلْقة الجسدية والنفسية والعاطفية لا تتحمل أعباء الجهاد أسراً ودماءً وغربة وخلوة. فحتى لا تهُان المرأة أو يُعتَدَى على عفَّتها أو جسدها شرع لهنَّ البديل الذي فيه نوع مشقة من غير تعرض لما يحصل في الجهاد وهو الحج.

وعن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (رضي الله عنه): " لا يكون لأحدٍ ثلاثُ بنات أو ثلاثُ أخواتٍ، أو ابنتان، أو أختان، فيتقيَ الله فيهنَّ، ويحسنَ إليهنَّ إلا دخل الجنة " ([5]).

مظهر الرحمة:

عند تأمل مفاتيح الخير وأبواب الجنة تجدها تدور حول الرحمة والعفو والتسامح، وهذه المنقبة: تربية البنات والأخوات سبب من أسباب دخول الجنة لأن كفالة المرأة وحسن رعايتها يكلِّفُ من التعب واليقظة والسعي والرِّفق ما لا يقوى عليه إلا نادرُ الرِّجال.

وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه): " أن امرأة كان في عقلها شيء. فقالت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة، فقال: يا أمَّ فلان انظري أيَّ السِّكك شئت حتى أقضي لك حاجتك، فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها" ([6]).

وقد علق ابن حجر على هذا الحديث موضحاً معنى قوله: "فخلا معها" قال: " لا يخلو بها بحيث تحتجب أشخاصهما عنهم، بل بحيث لا يسمعون كلامهما إذا كان بما يخافت به كالشيء الذي تستحي المرأة من ذكره بين الناس ... وفيه سعة حلمه وتواضعه (صلى الله عليه وسلم) وصبره على قضاء حوائج الصغير والكبير " ([7]).

قال محمد العظيم آبادي في عون المعبود: " كان في عقلها شيء: أي من الفتور والنقصان. بيان للواقع وإشارة إلى سبب شفقته (صلى الله عليه وسلم) ورعاية جانبها أو إلى علة جرأتها على ذلك" ([8]).

مظهر الرحمة:

مراعاة أصحاب الأحوال الخاصَّة، وتحمُّل نفسياتهم، والرفق بمشاعرهم خلقٌ تحلَّى به الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، فوجد كلُّ صاحب حاجة عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فرصةً يخصُّه بها.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيُركم لأهلي " ([9]).

مظهر الرحمة:

قد تطغى العادات والأعراف، ويتجاذب الناس صور الكرم والبذل في وجوه متعددة، ويغفلون عن باب من أبواب السعادة والخير، وهم الأهل كلُّ الأهل رجالاً ونساء، أطفالاً وكباراً، وجعل ذلك قمَّة الخيرية، وذلك يشير إلى صعوبة الرعاية وتكلفة العيال والأسر، وأنهم يحتاجون إضافة إلى النفقة والقيام بشؤونهم مزيداً من التربية والإحسان والتلطُّف.

--------------------------------------------------------------------------------

([1]) البخاري، ح (4890)، ومسلم ، ح (1468).

([2]) البخاري، ح (448)، ومسلم ، ح (956).

([3]) البخاري، ح (2851)، ومسلم ، ح (956).

([4]) البخاري، ح (2720).

([5]) أحمد في المسند، ح (11402) 3/42، وصححه الألباني، السلسلة الصحيحة ، ح (294).

([6]) مسلم ، ح (2326)، وأحمد في المسند، ح (14078) 3/285.

([7]) فتح الباري، ابن حجر، 9/333.

([8]) عون المعبود شرح سنن أبي داود 13/117.

([9]) الترمذي ، ح (3895)، وصححه الألباني بصحيح الترمذي.