سبق تفسير قوله تعالى: )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
وعن جرير بن عبد الله (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " لا يرحم الله من لا يرحم الناس" ([1]).
مظهر الرحمة:
قال ابن حجر: " قال ابن بطّالٍ: فيه الحضّ على استعمال الرحمة لجميع الخلق فيدخل المؤمن والكافر والبهائم ا لمملوك منها وغير المملوك، ويدخل في الرحمة التعاهد بالإطعام، والسعي والتخفيف في الحمل، وترك التعدي بالضرب" ([2]).
وعن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " لن تؤمنوا حتى ترحموا. قالوا: كلُّنا رحيم يا رسول الله، قال: إنه ليس برحمةِ أحدِكم صاحبَه، ولكنها رحمة الناس، رحمة العامة " ([3]).
مظهر الرحمة:
توسيع نطاق المستهدفين في الرحمة؛ لأن هناك أمور جليلة لا حيلة للإنسان بها كرحمة الأقربين، ولكن الآخرين هم الذين يحتاجون إلى مزيد تحفيز إلى من يرحمهم، ولهذا يندرج تحته أن لا يشقَّ الإنسان على الآخرين حين يتولى شيئا من الأمور العامة فلا يصح أن يحمل الناس على ما يطيق هو؛ بل على المشروع مع ملاحظة الأضعف.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: مرَّت بنا جنازة فقام لها النبي (صلى الله عليه وسلم) وقمنا له. فقلنا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي ؟ قال: " إذا رأيتم الجنازة فقوموا" ([4])، وفي لفظ: " أليست نفساً " ([5])، وفي لفظ: " قام... حتى توارت " ([6]).
مظهر الرحمة:
تعظيم هذا المشهد فهذا الميت يتَّجه إلى موقف صعب، وكأن النبي (صلى الله عليه وسلم) يتخيَّل ما الذي سيحدث لها من الحساب وضمة القبر، وبصرف النظر عما تدين به فإن المشاعر قد لا يتحكم به الإنسان.
عن عبدالله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " لا تقتل نفسٌ ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه كان أول من سنَّ القتل" ([7]).
مظهر الرحمة:
يدخل في هذا كل مقتول حتى الكافر حين قتل بغير حق.. ومظهر الرحمة هذا يؤكد خطورةَ أن يكون الإنسان مفتاح شرٍّ على البشرية.
عن أنس (رضي الله عنه) قال: كان غلام يهودي يخدم النبي (صلى الله عليه وسلم) فمرض فأتاه النبي (صلى الله عليه وسلم) يعوده فقعد عند رأسه فقال له: أسلم. فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم (صلى الله عليه وسلم) فأسلم فخرج النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار" ([8]).
مظهر الرحمة:
إن رحمته (صلى الله عليه وسلم) بإسلام هذا الغلام يؤكِّد حرصَه ورحمتَه وشفقتَه على كل نفس؛ لأن الكفر والعذاب في جهنم أشد أنواع الخسران. فأنقذه من ذلك إلى البديل الذي لا حصر لفضائله: (الجنة، والنظر إلى الرحمن..).
------------------------------
([1]) البخاري، ح (6941)، ومسلم، ح (2319).
([2]) فتح الباري، ابن حجر 10/440.
([3]) البخاري، ح (6941)، ومسلم، ح (2319).
([4]) البخاري، ح (1249)، ومسلم، ح (960). والقيام هنا ليس تعظيماً، وإنما لئلا يستمر الإنسان على الغفلة بعد رؤية الموت لما يشعر ذلك من التساهل بأمر الموت فمن ثم استوى فيه كون الميت مسلما أو غير مسلم. فتح الباري 3/180.
([5]) البخاري، ح (1250).
([6]) مسلم، ح (960).
([7]) البخاري، ح (1290).
([8]) البخاري، ح (1290).