Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم فصام وأفطر وخير أصحابه بين الأمرين (ابن القيم)

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
m031.jpg

لم يكن عند بعثته (صلى الله عليه وسلم) قانون مقدس تتحاكم إليه البشرية أو يدَّعيه أحد، وإنما كانت بقايا من الشرائع التي تعرضت إلى أشياء من التحريف و التبديل، أو ما توارثه الناس من الأعراق والعادات والتقاليد التي ليست محلَّ إجماع بشري.

فكان من معالم بعثته (صلى الله عليه وسلم) تكميل مكارم الأخلاق فأتمَّ ما لدى البشرية من فضائلَ بأن جعل القصد بها وجه الله تعالى، وأزال ما علِق بها من عوالق الجاهلية، وأرسى قواعد العدل ومفهوم المساواة، وانتظمت سلسلة الحقوق بين الناس: الدماء، والأعراض، والأموال، والأديان، والعقول. شملت كل الطبقات والفئات والأعراق بشكل لم يحدث معه أيُّ اختراق لمصداقية هذا المنهج ذاته. فهو مطَّرد وأقرَّت به العقول الأخرى، وأعجبت به الأفكار، وبعدله تحدثت الألسنة؛ بل وظهرت قوانين تقيس مسيرتها بمدى قربها منه؛ التي هي أقرب إلى إجماع الناس كلهم عليها، من حيث نزاهة التعاليم، وعدل الأحكام، ومراعاة البشرية بكل الشرائح .

إضافة إلى ما يتعلق بالمعاهدات مع غير المسلمين من المستأمنين والمعاهدين وحتى أهل الحرب والأسرى والتعامل مع أهل الذمة. كل ذلك كان قائماً على العدل والإنصاف الذي اتَّسم به الإسلام.

والمتأمل لامتداد الإسلام عبر تلك القرون يثق بأنه المعلم الشامخ المرتفع الذي يهتدي به السائرون في بيداء قاحلة. فمن وفُقِّ لصعوده نجا وسلم ، ومن اختار لنفسه غير ذلك فسوف يتحمَّل تبعات اختياره في الدنيا من التعاسة وفي الآخرة من العقاب، حين قامت الحجة، وظهر البرهان، وكشفت الشبهات.

1- قدَّم َ (صلى الله عليه وسلم) الإسلامَ كمنهج حياة بشرية واقعية:

لقد قدَّم النبي (صلى الله عليه وسلم) للبشرية الإسلام كمنهجٍ للحياة. منهج حياة بشرية واقعية بكل مقوِّماته. منهج يشمل التصوُّر الاعتقادي الذي يفسر طبيعة الوجود)، ويحدد مكان الإنسان في هذا الوجود، كما يحدد غاية وجوده الإنساني.. ويشمل النظم والتنظيمات الواقعية التي تنبثق من ذلك التصور الاعتقادي وتستند إليه، وتجعل له صورة واقعية متمثلة في حياة البشر. كالنظام الأخلاقي والينبوع الذي ينبثق منه، والأسس التي يقوم عليها، والسلطة التي يستمدُّ منها. والنظام السياسي وشكله وخصائصه. والنظام الاجتماعي وأسسه ومقوماته. والنظام الاقتصادي وتشكيلاته. والنظام الدولي وعلاقاته وارتباطاته. يشتمل على تلك المقومات كلها مترابطة، غير منفصل بعضها عن بعض. المقومات المنظمة لشتى جوانب الحياة البشرية؛ الملبية لشتى حاجات الإنسان الحقيقية؛ المهيمنة على شتى أوجه النشاط الإنسانية ([1]). قال تعالى: )وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ([الإسراء: 70].

2- قدَّم (صلى الله عليه وسلم) كتلة بشرية متزنة:

قدَّم النبي (صلى الله عليه وسلم) كتلة بشرية متزنة حيث لم يلبث العالم المتمدِّن أن يرى من هذه المواد الخام المبعثرة التي استهانت بقيمتها الأمم المعاصرة، وتسلطت عليها البلاد المجاورة.. كتلة لم يشاهد التاريخ البشري أحسن منها اتزاناً، كأنها حلقة مفرغة لا يُعرف طرفها أو كالمطر لا يُدرى أأوَّلُه خير أم آخره، كان فيها الكفاية للأمة في كل ناحية من نواحي الإنسانية ([2]).

3- قدَّم (صلى الله عليه وسلم) حضارة إسلامية متكاملة:

إن من يرى الآثار الإسلامية والأبنية المنتشرة في مصر والهند وتركستان والشام وفارس وتركيا وشمال أفريقية وأسبانيا يعجب كلَّ الإعجاب بالفن الإسلامي، والخط العربي، والجمال الشرقي، والذوق الجميل، والنبوغ في هندسة البناء والزخرفة . وكان لكل بلد إسلامي أثر في تلك النهضة العظيمة، ظهر في دراسة الشريعة الإسلامية، والفقه الإسلامي، والأدب العربي، والعلوم والفلسفة الإسلامية، والزراعة والصناعة والتجارة والحياة. وكان لكل شعب قبل اعتناق الإسلام – نظام خاص، وبيئة خاصة، وتقاليد وعادات معينة يسير عليها؛ لكن بعد أن أسلم سكان تلك الشعوب غيَّروا عاداتهم القديمة وتقاليدهم وبيئتهم لتسير مع روح الدين الحق، وعاداته الحسنة، ومبادئه الروحية، وآدابه المثالية، التي وضعها ربُّ العالمين. وامتزج الفن الفارسي في الزخرفة بالعمارة الهندسية البيزَنطية ( التركية ) فنتج عنها الفن العربي، والعمارة العربية ([3]).

يقول الكاتب الإنجليزي سْتَانْلِي لِين بول في كتابه: " قصة العرب في أسبانيا ":

" ملك المسلمون ثلثي شبه الجزيرة، وسمَّوها بالأندلس. وأنشئوا بها مملكة قرطبة العظيمة، التي كانت أُعجوبة العصور الوسطى، والتي حملت وحدها في الغرب شعلة الثقافة والمدنية مؤتلفة وهّاجة، وقت أن كانت أوربا غارقة في الجهالة البربرية... إن الأندلس لم تحكم في عهد من عهودها بسماحة وعدل وحكمة كما حكمت في عهد العرب ( المسلمين ) الفاتحين. ولم يدَع التسامح الإسلامي للإسبانيين أي سببٍ للشكوى،... لقد سعد العبيد في إسبانيا بدخول المسلمين، وأصبحوا في الرقِّ بمنزلة صغار الزراع، فتركهم ساداتهم أحراراًً يزرعون الأرض كما يشاؤون، على أن يؤدُّوا لهم نصيباً من الغلة؛ لأنهم كانوا مشتغلين بالحروب، ولأنهم كانوا بطبيعتهم يأنفون من أعمال الفلاحة. أما عبيد المسيحيين الذين ظلُّوا يائسين من التخلُّص من الرقِّ طول حياتهم فقد مهُِّد أمامهم اليوم طريق إلى الحرية من أسهل الطرق وأهونها؛ فليس عليهم إلا أن يذهبوا إلى أقرب محتسب أو قاض، وينطلقوا أمامه بالشهادتين: ( شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله ) فيصبحوا في الحال أحراراً؛ فإن الحرية تتبع الإسلام " ([4]).

4- قدم (صلى الله عليه وسلم) الوحدة الإسلامية والأخوة الإيمانية:

إن أبرز ما قَدَّمه نبي الرحمة (صلى الله عليه وسلم)للبشرية: الحنيفية السمحة، والإسلام المهيمن على جميع الأديان والذي كانت أول سيادته في الجزيرة العربية في عهده (صلى الله عليه وسلم) حيث توحَّدت لأول مرة في تاريخها تحت رايته، وبالرغم من أنها عرفت نشوء الدويلات مثل: معين وسبأ وحمير وكندة والغساسنة والمناذرة قبل الإسلام، إلا أن أيَّة دويلات من تلك لم تتمكن من توحيد الجزيرة العربية تحت رايتها؛ بل إن حضارات تلك الدويلات كانت قد اضمحلت وطغت البداوة على مراكزها قبل الإسلام، وقد تمكَّن الرسول (صلى الله عليه وسلم) من تحقيق وحدة الجزيرة في أقلَّ من عشر سنوات رغم قوة الروح الفردية، وتغلغل العصبية القبلية والنزاعات الجاهلية، ولم تكن هذه الوحدة وحدة صورية؛ بل كانت تشابكاً وثيقاً وتجانساً في الروح والعقل والسلوك؛ لذلك صلحت أن تكون لبنةً قويةً وأساسًا متيناً قامت عليه الدولة الإسلامية التي بسطت سلطانها على رقعة شاسعة من آسيا وأفريقيا وأوروبا طيلة القرون الماضية ([5]).

قال الله تعالى: )وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( [الأنفال:63].

يقول جان سبيرو السويسري: " مهما زاد الإنسان اطلاعاً على سيرة محمد النبي لا بكتب أعدائه وشانئيه؛ بل بتأليفات معاصريه وبالكتاب والسنة إلا وأدرك أسباب إعجاب الملايين من البشر في الماضي وحتى الآن بهذا الرجل، وفهم علة تفانيهم في محبته وتعظيمه " ([6]).

 

--------------------------------------------------------------------------------

([1]) المستقبل لهذا الدين، سيد قطب، ص 3.

([2]) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، أبو الحسن الندوي، ص 110-111

([3]) الإسلام منقذ للإنسانية، محمد عطية الإبراشي، ص 158-162.

([4]) الإسلام منقذ للإنسانية، الإبراشي، ص 179.

([5]) السيرة النبوية الصحيحة، أكرم ضياء العمري، 2/555 بتصرف.

([6]) محمد رسول الإسلام في نظر فلاسفة الغرب..، محمد فهمي عبد الوهاب، ص 55.