Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

كانت له صلى الله عليه وسلم مع الفصاحة صباحة ودماثة تحببانه إلى كل من رآه وتجمعان إليه قلوب من عاشروه , وهي صفة لم يختلف فيها صديق ولا عدو
ولم ينقل عن أحد من أقطاب الدنيا أنه بلغ بهذه الصفة مثل ما بلغه محمد بين الضعفاء والأقوياء على السواء(محمود العقاد)

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
نظرته (صلى الله عليه وسلم) إلى المرض

ينظر الناس إلى المرض على أنه معيق يطرأ عليهم، وشرّ قد اعتراهم، وضرر قد أصابهم، فيصيبهم الغم والحزن والهم، ويكرهون تلك الفترة، ويتمنّون انقضاءها، ولا يرضون بها، وربما بعضهم لا يسلم لقضاء الله فيهم ! ولكن محمد (صلى الله عليه وسلم) كان ينظر إلى المرض نظرة ذات عمق أبعد من ذلك من كل الوجوه:

  ‌أ.  الشر ليس إليك:
الإنسان بعقله لا يعي إلا ما يراه أمامه، ويدركه بحواسه، والخير والشر لا يعلمه إلا الله، فكم من مرة يأتي الإنسان شيء يظنه خيرًا فإذا به شرّ عظيم، وكم من مرة يأتينا شيء هو في ظاهره شرّ، ويأتي من ورائه خير عميم، والجميع قد جرَّب ذلك، فالمرض ليس شرًّا كما يعتقد بعضهم، وقد يحمل في داخله كثيراً من الخير، لكن مع الرضا والتسليم لقضاء الله وقدره.

ولا ينبغي أن ينسب الإنسان الشر إلى الله سبحانه، فكل أقداره -عز وجل- حكمة بالغة، فلئن رأى الناس بعض الأمور شرًّا وضررًا؛ فإنها من وجه آخر خير ونعمة، فكمْ فيها من تكفير للسيئات ورفع للدرجات، ودفع لأضرار أكبر منها.

وقد تأدب إبراهيم - عليه السلام - في مقولته التي حكاها الله تعالى ؛ حين نسب المرض إلى نفسه فقال :  (الشعراء: 80). ، فليس في فعل الله شر، ولكنه قد يبتلي الإنسان لحكمة يعلمها فهو العليم الحكيم سبحانه، لذا فقد كان من  مناجاة محمد (صلى الله عليه وسلم) لربه في صلاته بجوف الليل أن يقول: «لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك»([1]).

‌ب.    المرض كبح لجماح النفس:
إن من عادة الإنسان الميل إلى الطغيان في الأرض إذا ظن أنه قادر على كل شيء، وأنه يمتلك كل القوى كما قال تعالى: (العلق: 6-7). فعندما يتمكن ويستغني عن أمر ربه يطغى على الخلق، وينسى الخالق، فيأتيه المرض رحمة به، وإنقاذًا له من انحرافات خياله وفكره ومهالك سلوكه، ومذكِّرًا بوجود إله قوي قادر، لا مُعَقِّب لحكمه، ولا رادّ لأمره، وما الدنيا كلها بكل ما فيها إلا مخلوقات ضعيفة تعجز عن نصرة أنفسها، وقد يسلط الله على الإنسان المتجبر مخلوقات قد لا تُرَى بالعين المجردة تُقعِده وتُشِلّ حركته لأيام تقصر أو تطول،وعندها يعود الإنسان إلى طبيعته وإنسانيته ويعرف قدره، ويعلم أنه مخلوق، عاجز وأن له ربًّا قادرًا لا يعجزه شيء فيلجأ إليه ويطلب منه المعونة والشفاء، وتصفو نفسه، ذلك لأن الله يريد لعباده النجاة من عذابه والفوز برضاه، فيقول الله سبحانه:   (الزمر: 7).

‌ج.المرض مراجعة للنفس:
قد تمر الأيام والشهور والسنون، ولا يتذكر الإنسان نفسه ليراجعها في مواقفها ويقّوم حسناته وسيئاته وإصاباته وسقطاته، وخطراته وغفلاته، ربما لانشغاله في دوامة الحياة اليومية، وربما لعدم وجود سبب للمراجعة كما يظن.  ويأتيه المرض فيسكن بعد حركة، وينفرد بنفسه كثيرًا، وعندها يبدأ في تقويم أفعاله وعلاقاته بالناس، ويتذكّر ما شُغِلَ عنه أو نسيه، وينظر إلى الناس من حوله خصوصاً إن طال المرض أو اشتد؛ ينظر إلى تصرفاتهم، ويستبين له الصادق في مودته من مدعيها، وعندها قد يرى الدنيا بعين لم يرها بها قبل ذلك، فتكون فترة المرض فرصة للمراجعة والتقييم والتقويم، وربما تعظم مكاسبه فيها، فيجدد توبته ويلتزم بطاعته لربه سبحانه،وعندها سيشكر الله الذي أنعم عليه بتلك النعمة، وهي المرض في تلك الفترة. وكم رأينا عصاة متمردين كانوا بعيدين تمامًا عن ربهم، ويظنون أنهم لا يحتاجون إلى خالقهم؛ رأيناهم قد هدأت نفوسهم، وعادوا إلى صوابهم بعد فترة مرض مرت بهم.

 ‌د.  المرض بلاء واختبار من الله:
يعتقد محمد (صلى الله عليه وسلم) أن كل ما يصيب المرء إنما هو بقَدَر الله سبحانه، وكل أمر الناس بيده كما يقول جل وعلا :  (آل عمران: 154)، ويقول:  (يس: 83) ، ويقول في آية أخرى:  (الأعراف: 54).

 ومن ذلك: المرض، فهو مقدَّر من عند الله، والشفاء أيضًا، ويختبر الله عز وجل الإنسان ليظهر صبره وتسليمه لقضاء الله.

إن محمداً (صلى الله عليه وسلم) يعلم ويوقن أنه هو والبشر جميعًا ما جاؤوا إلى الدنيا لكي يتمتعوا ولا لكي يتنعموا بما فيها، ولكنهم جاؤوا للاختبار والامتحان، فقال الله عز وجل:  (الملك: 2). فالأصل هو الابتلاء والاختبار، ولهذا ما كانت الدنيا تمثل عندهم الشيء الكثير.

فإذا كان المرض اختبارًا فلا بد لمحمد (صلى الله عليه وسلم) أن يوطّن نفسه على تحمّل الاختبار والنجاح فيه، ويعلّم أتباعه ذلك لكي تكتمل عبودية الإنسان لله، فهو يشكر ربه إذا كان في نعمة، ويصبر إذا كان في بلاء، والإنسان لا يخلو من أحدهما، ومن ثم  هو موصول بالله مرتبط به على الدوام كما يقول (صلى الله عليه وسلم) : «‏عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له»([2]).

فالمؤمن يرى الخير في كل ما يفعله الله به، ويرضى بقضاء الله فيه؛ لأنه يعلم أنه وحده النافع الضار، ولا يملك كل من في الأرض أن يقدموا خيرًا له أو يدفعوا شرًّا إلا بإذن ربه عز وجل، ولهذا كان حرص محمد (صلى الله عليه وسلم) على أن يرسِّخ هذا المعنى عند الجميع وخصوصاً الصغار منهم حتى ينشؤوا على تلك المفاهيم، فكان يقول للغلام عبدالله بن عباس t : «يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلام وجفت الصحف»، وفي رواية: «احفظ الله تجده أمامك، تَعَرَّفْ إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا»([3]).

‌ه.    المرض مُكَفِّر للذنوب مَاحٍ لها:
يعتقد محمد (صلى الله عليه وسلم) أن المرض يمحو به الله تعالى الذنوب إذا صبر الإنسان عليه، فيقول محمد (صلى الله عليه وسلم) : «ما من مؤمن يصيبه مرض فما سواه إلا حط الله به خطاياه، كما تحط الشجرة ورقها»([4]).

 ويقول (صلى الله عليه وسلم): «ما من مؤمن ولا مؤمنة ولا مسلم ولا مسلمة يمرض مرضًا إلا قضى الله به عنه من خطاياه»([5]).

  وحينما سمع رجلاً يسبّ الحمى فقال محمد (صلى الله عليه وسلم) : «لا تسُبّها؛ فإنها تنفي الذنوب كما تنفي النار خبث الحديد»([6]).

بل إنه (صلى الله عليه وسلم) لم يحصرها في المرض الشديد، فذكر أن أي أذًى يلحق بالإنسان ويصبر عليه يؤجر به ويكفر الله عنه من خطاياه، حيث يقول: «ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفَّر به من سيئاته»([7])، والوصب هو الوجع الملازم للإنسان في عضو من أعضائه، والنصب التعب وكلل الجسم من عمل اليوم والليلة، والسقم هو المرض عامة، والحزن هو الألم على شيء فات، والهم هو الألم والخوف من شيء مستقبليّ آت.

بل أدرج محمد (صلى الله عليه وسلم) في ذلك حتى أذى الشوكة تصيب الإنسان وهو في طريقه فيقول: «ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفَّر الله بها سيئاته كما تحطّ الشجرة ورقها»([8]).

ولما أصيب رجل بإصابة، وضحك بعض الناس منه، قالت لهم عائشة - رضي الله عنها-: لا تضحكوا، فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:               «ما من مسلم يُشاك شوكة فما فوقها إلا كُتبت له بها درجة ومحيت عنه خطيئة»([9]).

هل المرض عقوبة إلهية؟
يعتقد بعض الناس أن الابتلاء عامة ومنه المرض قرين للمعصية فحسب، ولذا فهو عقوبة من الله دائمًا، ولكن محمدًا (صلى الله عليه وسلم) قد علَّم الناس أن المرض هو من تقدير الله على العبد، وليس بالضرورة أن يكون عقوبة، بل إنه يقرر أن أكثر الناس بلاًء وامتحانًا هم الأنبياء والصالحون، فكلما عظم عند الله قدر العبد كلما زاد بلاؤه، فيسأله كثير من صحابته: يا رسول الله!أيّ الناس أشد بلاءً ؟ قال: «الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتُلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة»([10]).

ويوضح البلاء في قوله: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة»([11]).

المرض رفع لدرجات المؤمن:
إن المريض إذا صبر على مرضه نال أجراً كبيراً من الله عز وجل ، فقد قال الله في كتابه: (البقرة: 155- 157).ولهذا قال محمد (صلى الله عليه وسلم): «عِظَم الأجر عند عِظَم المصيبة، وإذا أحب الله قومًا ابتلاهم»([12]).

ويقول (صلى الله عليه وسلم) عن تعويض الله للمصاب في الدنيا بأعظم الأجر عنده، فيقول أنس t: سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: «إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه (يريد عينيه) فصبر عوضته منهما الجنة»([13]).

وجاءته ذات يوم امرأة تشتكي فقالت: إني أُصرع، وإني أتكشف، فادعُ الله لي. قال: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئتِ دعوت الله أن يعافيك» . فقالت: أصبر. فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها([14]).

ولكن مع نظرته (صلى الله عليه وسلم)  تلك إلى لمرض، ومع بيان عظيم الفضل فيه والدرجات، إلا أنه نهى أصحابه عن تمنّيه أو الدعاء به؛ لأنه اختبار شديد قد لا يثبت فيه الإنسان، فقد ذهب (صلى الله عليه وسلم) إلى أحد أصحابه وهو مريض حتى صار مثل الفرخ، فقال له: «أما كنت تدعو؟ أما كنت تسأل ربك العافية؟»، قال كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجِّله لي في الدنيا. فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «سبحان الله، إنك لا تطيقه أو لا تستطيعه، أفلا كنت تقول: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار»([15]).

بل كان أكثر دعائه (صلى الله عليه وسلم) بالعافية في الدين و الدنيا،فيقول عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: لم يكن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح: «اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي»([16]).