Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

كمال عقل المصطفى صلى الله عليه وسلم  من النوع الذي يخص الله تعالى به بعض المصطفين من عباده؛ ليُعِدَّهم بذلك إلى أشرف مقام, هو مقام النبوة والرسالة. (محمد الحمد)

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
مرض محمد (صلى الله عليه وسلم) وتعامله مع المرضى

عاش محمد (صلى الله عليه وسلم) بشريته الكاملة بما فيها من الصحة والمرض، فأصابه الألم والمرض كما يصيب الناس، ولكنه كان يتعامل مع المرض والآلام تعاملا مختلفًا عنهم، إنه تعامل الرضا والتسليم والقبول بقضاء ربه، والصبر والثبات ورباطة الجأش أمام الآلام والأمراض، والشكر والحمد على الابتلاءات والاختبارات، وتطويع الأعضاء والجوارح كلها على عدم التسخط وقول الخير في كل حال، حتى إنه حين يجد ما يكره فيسأله الناس عن حاله يبتسم ويقول: «الحمد لله على كل حال»([1]).

وقد ذكر الله له في القرآن قصة نبي ابتلاه الله بالمرض فصبر، ورفعه الله سبحانه بهذا الصبر، فكان خير أسوة لمحمد، فقال له:  (الأنعام:90)،فقد مرض أيوب عليه السلام، فقال الله عز وجل :  (ص: 41-44).، فختمها الله بقوله:  ﭽ ﭤ  ﭥ ﭦ ﭼ على ذلك المرض الذي طال مدّةً، وما تغير في علاقته بالله بعد ذلك البلاء الشديد الذي لا يقدر عليه أحد، فلما طال الأمر واشتدت الحال تضرع إلى رب العالمين وإله المرسلين فقال:  (الأنبياء: 83) ([2]).

فلم يكن عجيبًا أن يُصاب محمد (صلى الله عليه وسلم) بالمرض، بل يصاب بما هو أشد منه بالموت لأنه داخل في عموم حكم الله تعالى وقدره على جميع المخلوقات كما قال سبحانه:   (الرحمن: 26- 27) .

حرصه (صلى الله عليه وسلم) على الصحة:
حرص محمد (صلى الله عليه وسلم) على صحته وقوته وحيويته، وعلَّم صحابته كثيرًا كيف يحافظون على صحتهم، وعلَّمهم كيف يتجنبون الأعمال التي تؤدي إلى ضعف قوتهم، فقال لأصحابه: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان» ([3]).

كما كان كثيرًا ما يحذرهم من أسباب الأمراض؛ فحذَّرهم من كثرة الطعام والشراب والإسراف الذي ورد التحذير منه في قوله تعالى:   (الأعراف: 31).

فتعلم وعلم أصحابه فقال المقدام بن معد يكرب الكندي t: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطن. حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه؛ فإن غلبت الآدمي نفسه فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس»([4]).

فمحمد (صلى الله عليه وسلم) يرى أن كثرة الطعام والشراب باب من أبواب المرض، وأن شرّ وعاء يملؤه الإنسان هو بطنه. كما نبهَّ محمد  (صلى الله عليه وسلم) على تقليل الطعام والشراب، وحذّر من الإسراف فيهما، فينقل جابر بن عبد الله t قوله: «طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية»([5]).

وتعلم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب t هذا التنبيه، وظل يردده لمن بعده ويقول: لقد هممت أن أُنزِلَ على أهل كل بيت مثل عددهم - أي ضيوفًا يطعمونهم معهم -؛ فإن الرجل لا يهلك على نصف بطنه»([6]).

ويعلمهم محمد (صلى الله عليه وسلم) أن أجسادهم أمانة، وأنهم مسؤولون عنها أمام الله؛ فيقول أبو برزة الأسلمي t قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأَل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه»([7]).

وليس من حق الإنسان أن يؤذي جسمه، وإن فعل يستوجب العقوبة من الله، يقول محمد (صلى الله عليه وسلم) : «من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تحسى سمًّا فقتل نفسه فسُّمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا»([8]).

ويعلمهم التبكير في النوم والاستيقاظ، وهو مدعاة أن تستقيم أجسامهم وتنشط أعضاؤهم، فيقول أبو برزة الأسلمي t وهو يصف محمدًا (صلى الله عليه وسلم): «وكان يستحب أن يؤخر العشاء، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها»([9]).

أي أنه كان يذهب للنوم بعد صلاته للعشاء التي تكون في أول الليل، وهذا ما لم  تشغله حاجة من حوائج الناس أو حاجاته الشخصية .

ويدخل رجل من المسلمين اسمه سعد بن هشام على عائشة t ويسألها عن موعد نوم محمد (صلى الله عليه وسلم) فيقول: قدمت المدينة فدخلت على عائشة، فقلت: أخبريني عن صلاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم). قالت : إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يصلي بالناس صلاة العشاء ثم يأوي إلى فراشه...»([10]).

ولا شك أن تبكير النوم والاستيقاظ أنفع للصحة؛ لأنه انتظام مع سنن الله في الأرض،حيث جعل الليل للسكون والراحة، والنهار للعمل والسعي، فقال في القرآن :  (الفرقان: 47) .

وكان يدعو أصحابه إلى ترك الكسل والتعامل بجد في جميع أمورهم؛ لأن الكسل يُورِث المرض والعجز، ولهذا كان يسمع صحابته تعوذه بالله منه، ويدعو الله كثيرًا بهذا الدعاء، الذي ينقله أنس t فيقول كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر »([11]).

ولذا كان (صلى الله عليه وسلم) نشيطًا جادًّا في شتى حركاته حتى في مشيته وخطواته، فيقول أبو هريرة t: «ما رأيت أحدًا أسرع في مشيه من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، كأنما الأرض تطوى له، إنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث»([12]).

 

--------------------------------------------------------------------------------

 ([1])أخرجه الترمذي (2738).

 ([2])ابن كثير في تفسيره للآيات من سورة ص.

 ([3])أخرجه مسلم (2664).

 ([4])أخرجه ابن ماجه (3349)، والترمذي (2380).

 ([5])أخرجه مسلم (2059).

 ([6])شرح سنن ابن ماجه للسيوطي حديث (3254).

 ([7])أخرجه الترمذي (2417).

 ([8])أخرجه البخاري (5778)، ومسلم (109).

 ([9])أخرجه البخاري (547)، ومسلم (647).

 ([10])أخرجه أبو داود (1352).

 ([11])أخرجه البخاري (2823)، ومسلم (2706).

 ([12])أخرجه الترمذي (3648)، وأحمد (8397).