لم يكن محمد (صلى الله عليه وسلم) جافيًا موغِِلاً في الصرامة، إنما كان يخالط أصحابه، ويمازحهم ويداعبهم، ويتبسم معهم.وحين نقارن الروايات الواردة في مزاحه ومداعبته لأصحابه - رضوان الله عليهم - مع الروايات الواردة في ميدان الجِدِّ نلمس مقدار الجِدِّية في حياته، وأنها الأصل، والمزاح أمر عارض.وبالرغم من أن الناس ينظرون - غالباً - إلى مواقف المزاح على أنها ليست مواقف جادة، ولا يحملون صاحبها مسؤولية جميع ما يقول، إلا أن مزاح محمد (صلى الله عليه وسلم) كان من نوع آخر.فلم يكن يقول في مزاحه شيئًا غير الحقيقة، يقول أبو هريرة t : قالوا: يا رسول الله! إنك تُداعبنا؟ قال: «إني لا أقول إلا حقًّا»([1]).ولم يكتفِ محمد (صلى الله عليه وسلم) بالتزام هذا السلوك في نفسه، فأكد على أصحابه وأتباعه أن يلتزموا بالصدق، وحذَّر من تعُّمد الكذب لمجرد إضحاك الآخرين، فقال: «ويلٌ للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويلٌ له، ويلٌ له»([2]).ومن ذلك الحق أنه كان يمازح الإنسان بوصف حقيقي موجود في المخاطب، فيقول لأنس: «يا ذا الأذنين!»([3]).ويأ
ولم يكن مزاحه ومداعبته (صلى الله عليه وسلم) قاصراً على الرجال الكبار، فقد كان يمازح الصغار ليؤنسهم، يقول خادمه أنس بن مالك t: «إن كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليخالطنا حتى يقول لأخٍ لي صغير يا أبا عمير ماذا فعل النُّغَيْر؟»([5]).
([1])أخرجه الترمذي (1990)، وأحمد (8506).
([2])أخرجه أبو داود (4990)، وأحمد (19519).
([3]) أخرجه أبو داود (5002)، والترمذي (3828)، وأحمد (11754).
([4]) أخرجه الترمذي (1991)، وأبو داود (4998)، وأحمد (13405).
([5]) أخرجه البخاري (6129)، ومسلم (2150).
([6]) أخرجه أحمد (12237).
([7]) أخرجه أبو داود (5000)، وابن ماجه (4042)، وأحمد (23451).
([8]) أخرجه أبو داود (5003)، والترمذي (2160)، وأحمد (17481).
([9]) أخرجه أبو داود (5004)، وأحمد (22555).