Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-    رحمته بالمشركين
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قيل يا رسول الله أدع على المشركين قال:إني لم أُبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة /رواه مسلم
-    قال صلى الله عليه وسلم:(من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي) متفق عليه

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
المنح الربانية الشرعية والكونية للمغفرة ودخول الجنة في رمضان - للدكتور خالد الشايع

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها الإخوة الكرام، في مثل هذا اليوم، وفي مثل هذا الموقف، وفي مثل هذا الوقت من هذا اليوم، وبينما كان نبينا محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم يصعد درجات مِنبره الشريف لخطبة الجمعة، سمع منه الصحابةُ رضي الله عنهم التأمين، يقول: "آمين.. آمين.. آمين".

كان مشهدًا ومسمعًا استثنائيًّا؛ فالصحابة رضي الله عنهم مع متابعتِهم للنبي صلى الله عليه وسلم وضبطهم لكل ما يصدُرُ عنه من قولٍ أو فعلٍ أو تقرير، أو حتى من أموره العادية من مثلِ ما يكون من التفاتتِه، أو ما يعرِض له من سُعال، أو ما يعرِض له من أمورٍ أخرى هي مقتضى الطبع البشري - كانوا في كل ذلك يرصدونه لحظةً بلحظة، هذا الرصد الذي لفت انتباهَ سيدِ العرب أبي سفيان صخر بن حرب قبل إسلامه رضي الله عنه حينما قال - وهو سيدٌ من سادات العرب -: لقد وفدتُ على الملوك فما رأيت تعظيمَ أحدٍ لأحد كما يعظِّمُ أصحاب محمدٍ محمدًا، نعم أيها الإخوة الكرام، رصَد الصحابة رضي الله عنهم هذه الكلمات الثلاث والنبي صلى الله عليه وسلم يؤمِّن، فكان من طبيعة الحال ومقتضى الأمر أن يحاولوا معرفةَ هذه التأمينات، على أي شيء كانت، وما مناسبتها! وخاصةً في هذا الموضع الذي عادةً لا يكون فيه كلام؛ إذ هو عليه الصلاة والسلام في لحظات صعودِه لمنبره، فأخبر النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تأمينَه هذا جاء على دعواتٍ دعا بها وأوحى بها جبرائيل عليه السلام، فأيُّ دعوةٍ هي هذه الدعوة التي دعا بها جبريل خيرُ الملائكِ وأمَّن عليها محمدٌ رسولُ الله خيرُ الخَلْق أجمعين صلى الله عليه وآله وسلم.

قال: ((أتاني جبريل فقال: يا محمد، مَن أدرك شهرَ رمضان فلم يُغفَرْ له، من أدرك شهر رمضان فانسلَخ فلم يُغفَر له، فأبعَده الله، فقلت: آمين.

وقال: يا محمد، مَن أدرك والديه كليهما أو أحدهما عند الكِبَر فلم يُدخِلاه الجنة، فأبعَده الله، فقلت: آمين.

وقال: يا محمد، من ذُكرتَ عنده فلم يصلِّ عليك، فأبعَده الله، فقل: آمين, فقلت: آمين)).

إن هذه الثلاثةَ الأمور أمورٌ إذا نالها الإنسان وأدركها فإن المتوقَّع أن أبوابَ المغفرة قد فُتِّحت له؛ إذ إن الأوضاعَ والأحوال تساعد على أن ينالَ هذا المطلوب، بأن يغفرَ الله له؛ إدراكه لشهر رمضان، إدراكه لوالديه أحدهما أو كليهما، صلاته على النَّبي صلى الله عليه وسلم إذا ذُكِر في مجلس، وإذا توقَّفنا مع الأمر الأول - إذ نعيش نفحاتِ هذا الشهر الكريم - فإن مهيِّئاتِ المغفرة فيه عديدةٌ، ليست فرصةً واحدة ولا اثنتين ولا ثلاثة، خاصةً وأن الأوضاع العامة التي كانت في غير شهر رمضان مؤثرةً على الإنسان في ألاَّ يُغفَر له - هي الآن بعيدةٌ عنه, فعلى المستوى العام وعلى مستوى أشدِّ أعداء الإنسان، ومن هم أشد أعداء الإنسان أيها الإخوة الكرام؟ إنه الشيطانُ وأعوانُه الذين يتسلَّطون على الإنسان، لا يفوِّتون لحظةً واحدة بغير وسوسةٍ وكيدٍ ودفعٍ إلى الإثم والعدوان، وإلى عصيان الرحمن، فالله جلَّ وعلا أنعم على المسلمين بأن يُصفَّدوا في هذا الشهر الكريم، ثم أيضًا مُساعِداتٌ أخرى دل عليها تهيئة هذا الكون، بل ما وراء الكون المشهود الملاحظ المنظور، وهو مِن الغيب الذي أُخبِرْنا عنه.

فأبواب الجنة تُفتَّح في هذا الشهر الكريم فلا يُغلَقُ منها باب، وتُزيَّن فيه هذه الجنة التي وعَد الرحمنُ عباده بالغيب، كما جاء في حديثٍ آخرَ في مناسبة الصوم أو غيره أن الجنةَ تقول: ((يوشك عباد الله الصالحون أن يضَعوا عنهم مَؤُونة الدنيا ويتحوَّلوا إليَّ)), وهنالك أيضًا في غير مناسبة الصوم وفي الأحوال العامة قرينةُ الإنسان من الحُور العين في الجنة وقد أُلهمت بصاحبها من أهل الدنيا وهي تنتظره أعظمَ ممن ينتظره أهل المسافر الذي طال سفرُه وعظُم شوقُهم إليه، وهي تقول وتُبلَّغ بشيءٍ من أحواله في الدنيا، ومن ذلك ما قد يكون متعرِّضًا له إن كان ذا زوجٍ في هذه الحياة الدنيا، تقول هذه الحَوْراء: ((لا تؤذيه قاتلك الله؛ فإنما هو دخيلٌ عندك يوشك أن يتحوَّل إلينا))، هكذا هي تنتظره وتخاف عليه من أذية هذه الإنسية، فكيف هو خوفها عليه من أذية الشيطان، أو من أذية النفس الأمارة بالسوء التي تمنَعُه وتباعده وتؤخِّره عن أن يحُلَّ عليها في مُلكه في جنات النعيم.

هذا في شأن الجنة وساكنها، وفي شأن النار جاء الخبر النبوي بأن أبواب النار تُغلق فلا يُفتح منها باب، وهذا الخبر أمرٌ حسيٌّ لا ندركه، فتحُ أبواب الجنة في هذا الشهر الكريم، وإغلاق أبواب النار، وهو أيضًا دلالةٌ على أمرٍ معنويٍّ آخر وهو تيسُّر طُرق الخير إلى الجنة وبلوغ أهلها إليها، كما أنه يُباعَد بين أهل الإيمان وبين نار الجحيم ببركةِ هذا الشهر الكريم الذي خصَّ الله به هذه الأمَّةَ المحمدية، وأيضًا هذا الشيطان لا يصل إلى ما كان مردةُ الشياطين يصِلون إليه في غير هذا الشهر الكريم، ثم أيضًا الجو العام لأمة الإسلام جوٌّ يعين الإنسان على الصوم؛ ولذلك فإنه يثقُل على نفس أي مسلم أن يكون مفطِرًا في هذا الشهر الكريم؛ لأن الجوَّ العامَّ لأمَّة الإسلام مئاتُ الملايين صُوَّمٌ وهو مفطِر، ولذلك تلاحظون أن كثيرًا من غير المسلمين الذين يكونون بين ظهرانَيْنا يشاركوننا الصوم، وهذا راجعٌ لعاملٍ نفسيٍّ بأنه لا يستسيغ أن يكون مخالفًا للجوِّ العام الذي يعيشه من حوله، ولو قُدِّر أن يطعَمَ فإنه يطعَمُ شيئًا يسيرًا، فنفسه أيضًا - مع أنه كافرٌ وغير مسلم - منقبِضةٌ عن الطعام في نهار هذا الشهر الكريم بالنظر إلى الجو العام الذي يعيشه الناس، وأيضًا تلاحظون كيف أن كثيرًا من الناس يستثقلُ بعد أن صلى مع المسلمين صلاةَ العشاء فقاموا للتراويح، يستثقل أن ينسحب من بينِهم، وإن خرَج فإنه يشعر أن خروجه نشازٌ عن الوضع الذي ينبغي أن يكون، ولا يزال ضائقًا صدرُه حتى تُقضى هذه الصلاة ما دام خارج المسجد يسمع المسلمين في محاربيهم يتلون القرآنَ ويصلُّون لربِّهم، فهو في ضيقٍ حتى تقضى هذه الصلاةُ ما دام خارج المسجد غيرَ مشاركٍ لهم؛ لأنه خرج عن النسيج العام والجو العام الذي يعيشه الناس، فهذه الحال التي يشترك فيها عمومُ الناس في التعبُّد لربهم تُعِين الإنسان على أن يتعبَّد لله جل وعلا ويُقبِل عليه؛ ولذا قال العلماء رحمهم الله: إن المُتعبِّد لله في أحوالٍ يقلُّ فيها المتعبدون أو يكونون فيها غافلين، فإن الأجرَ في ذلك أعظمُ، والثواب أجزل، ومن أمثلة ذلك مَن يدخُلُ إلى السوق فيقول دعاءَه وذِكْره، فإن أجره عظيم، من دخل إلى السوق فقال: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، كتَب الله له ألفَ ألفِ حسنة"، أو كما جاء عنه عليه الصلاة والسلام، يُكتَب له مليون حسنة بهذا الذِّكر اليسير، حتى إن بعض العلماء ذهب إلى تضعيفِ هذا الحديث، حديث دعاء السوق، قالوا: إن من علامات الحديثِ الضعيف - مع ضعفِ إسناده وعدم قوَّته - أن يكون متضمِّنًا لثوابٍ كبيرٍ عظيمٍ على عملٍ يسير، وهذا صحيحٌ، ولكنها ليست قاعدةً مطَّردةً دائمة؛ إذ إنه إذا صح السند فإن المتن يكون ثابتًا، والمقصود أن الإنسانَ عظُم ثوابه بهذا الذِّكر في السوق؛ لأن أكثرَ أهل السوق غافلون ناسون لذِكْرِ الله جل وعلا، فمن ذكَر الله فيه مع غفلة الناس عظُم ثوابه؛ ولذلك فإن الجوَّ العام في هذا الشهر الكريم مساعِدٌ للإنسان لأن ينالَ هذا الفضلَ العظيم، ثم أيضًا الحوافز التي جاءت في هذا الشهر الكريم، فما يلتفت الإنسانُ يَمنةً أو يَسرة ولا تمرُّ عليه لحظة إلا وهي متضمِّنةٌ لجانبٍ من المغفرة، ثبَت في الحديثِ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أن ثلاثةً لا تُردُّ دعوتهم، ذكَر منهم: ((الصائم حتى يُفطر))، وأيضًا جاء عنه عليه الصلاة والسلام ما ثبت في الصحيحين إذ قال: ((مَن صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه))، فرصٌ متواليات واحدةٌ بعد الأخرى؛ فالصوم متحقِّق لا يحتاج معه الإنسان إلا أن يتقنَه، بأن يكونَ مؤمنًا بفرضيَّته من الله جل وعلا، محتسِبًا لثوابه عنده سبحانه، لا رياءً ولا سُمعة ولا مسايرةً للناس، هذا في شأن الصيام.

وهكذا في شأن القيام، مَن قام رمضان وهو حاصلٌ لِمَن قام صلاة التراويح، وقد قال النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من قام مع الإمام حتى ينصرفَ كُتب له قيامُ ليلة)).

ثم أيضًا وعدٌ كريم وفضلٌ عظيم يؤهَّلُ له مَن شاء الله مِن عباده كلَّ ليلةٍ من ليالي هذا الشهر الكريم، خصوصيةً له من بين ليالي وأشهر العام، في كل ليلة لله عتقاءُ من النار، فانظر يا عبد الله هل كنتَ من هؤلاء الذين أُعتقوا في بعض الليالي التي مضَتْ، فرصة بعد أخرى، ليلة بعد ليلة، يوفَّق مَن شاء الله من عباده ممن حققوا حقيقةَ الصيام والقرب من الرحمن بأن يُعتَقوا من النار، ومعنى العتق من النار - والله أعلم - أن يكتب للإنسان السعادة الأبدية بألا يدخلَ النار، وأن يكونَ من أهل الجنة، لا دخول له للنار فيها لأجل التطهير من إثمٍ من الآثام، وإنما يكون ببركة المغفرة والعتق في هذه الليلة التي أُعتق فيها أن يوفَّقَ بقية حياته وعمره لعملٍ صالح راجحة فيه حسناته على ما قد ينِدُّ منه من سيئات، وهذه فرصةٌ عظيمة ومنحةٌ كبيرة ينبغي أن تكونَ هاجسَ الإنسان في هذا الموسم العظيم أشد من هاجس التَّاجر الذي يفِدُ عليه موسمٌ من مواسم التجارة، فهذه الأولى ربحٌ دائمٌ عظيمٌ لا يمكن أن يقارَنَ بالرِّبح اليسير الذي يكون مؤقتًا في هذه الحياة الدنيا؛ ولذلك أيها الإخوة الكرام نُدرك بعد هذه الفُرص وما جاء في معناها مما ثبتت به الأحاديثُ الصحيحة في فضلِ الصيام وفضل القيام وفضل العملِ الصالح، خاصةً في شهر رمضان - نُدرك لماذا أن مَن أدرك شهر رمضان فلم يُغفر له فأبعده الله؛ لأن هذه النفسَ التي هُيِّئت لها هذه الأسباب ومع ذلك كله ارتكست في الإثم والعصيان لا بد أن الإثمَ والعصيان هو جبِلَّتُها، وهو طبيعتها، وهو الأمر الذي اتصفت به متباعدةً عن الخير، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النَّبي الكريم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه؛ إنه غفورٌ رحيم.

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا وإمامنا محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن طرق الخير في هذا الشهر الكريم طرقٌ كثيرةٌ متعددة، يفتحُ الله جل وعلا بها على من شاء من عباده ممن أرادوا الخير وثابَروا في الحصول عليه، وربنا جل وعلا يقول:

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت: 69].

لحظاتٌ يتقلَّب فيها المرء في خيرٍ عظيم وبرٍّ وفير، وحسبنا أن نتأمل فيما أخبر عنه نبينا محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال: ((للصائم فرحتانِ يفرَحُهما؛ يفرح فرحةً عند فِطره، وفرحةً عند لقاء ربه)).

من طبيعة النفس أنها إذا مُنِعت شيئًا ثم حصلت عليه، فإن الإنسان يفرح، هكذا يفرح عند فِطره؛ لأن هذا من جِبِلَّتِه والباعث الإنساني الفطري بعد أن مُنِع عن الطعام والشراب، لكن يُصاحب هذا الفرحَ الطبيعيَّ فرحٌ إيماني بأن المؤمن قضى هذا اليوم تعبُّدًا لله جل وعلا، قضاه بهذا الصوم، حين امتنع حيث أمره الله جل وعلا، والنَّبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من صام يومًا في سبيل الله باعَد الله وجهَهُ - بصيام هذا اليوم - عن النار سبعين خريفًا)).

فاحسُبْ كم لك من مباعدةٍ عن النار، وإن حسبت فأعظِمِ الرغبةَ على ربك؛ فإن الله جل وعلا ما عنده أكثرُ، وما يبتغيه الإنسان أوفر؛ ولذا لما قال الصحابةُ رضي الله عنهم: إذًا يا رسول الله نُكثر، قال: اللهُ أكثر.

الله أكثر فضلاً وأعظمُ إنعامًا، وهو فوق ما يتصوره الإنسان من إنعامه وفضله وإحسانه جل وعلا، وربنا سبحانه القائل في الحديث القدسي: ((أنا عند ظنِّ عبدي بي، فليظنَّ بي ما شاء))، هنا يفرح المؤمن فرحًا طبيعيًا بشريًّا جبليًّا، ويفرح فرحًا إيمانيًّا، لكن ثمة فرحٌ، ويفرح عند لقاء ربه، هنالك الفرح العظيم والفوز الكبير حينما يشاهد الإنسان هذا العمل الصالح وقد عظَّمه ربه وحفظ له هذا العمل من أن يكون أُخذةً من قِبَلِ غرمائِه الذين أخطأ عليهم، ألم يقل ربنا جل وعلا كما في الحديث القدسي: ((كلُّ عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به))، الصوم لي في أن أقدِّرَ ثوابَه وأعظمه، فإن هذا لا تدركه حتى صحفُ الملائكة وعدُّهم، فإنه لا يدركه الخيال، ولا يمكن أن يتصور في البال؛ لأن الله جل وعلا قد قال:

﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].

وإنما تحصُلُ هذه الأمور مع احتسابها عند الله جل وعلا إيمانًا واحتسابًا، ليس صومًا طبيعيًّا كما قد يصوم بعض الناس، أن يكون همه ترك الطعام والشراب والمشتهيات، لكنه صوم احتساب، يستشعرُ أن اللهَ جل وعلا أمَره بذلك، وهو ينتظر عند الله ثوابًا عظيمًا وعطاءً جزيلًا، فأنت مع ربك يا عبد الله، عظِّم الرغبة، وعظِّم ما تريده من ربك من ثواب، ((كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)).

وربك القائل - كما تقدم -: ((أنا عند ظنِّ عبدي بي، فليظُنَّ بي ما شاء))، ثم أيضًا في هذا الشهر الكريم خصوصياتٌ أخرى تتوالى وتتابَعُ، كما أخبر عليه الصلاة والسلام، بل كما جاء في مُحكَمِ التنزيل من كتاب ربنا:

﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة: 185].

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان: 3].

هذا الشهر الكريم له هذه الخصوصية بكتاب الله جل وعلا، بالقرآن الكريم؛ ولذا كان نبيُّنا صلى الله عليه وآله وسلم يعرِضُ هذا القرآنَ الكريم على جبرائيل عليه السلام في كلِّ رمضان، في كل رمضان يعرضه عليه مرة، فعرض عليه القرآنَ تسع مرَّاتٍ منذ حلَّ المدينة النبوية المشرَّفة، ولكن في آخر عام عرَضه عليه مرتين، كان يُدارس جبريل القرآنَ، وعرَضه عليه كاملًا مرتين، ومن هنا استحبَّ العلماء أن يكون للمؤمن اقتداءٌ بنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم بأن يزداد صلةً بالقرآنِ الكريم، وأن يكون له عرضٌ بتلاوة هذا القرآن الكريم تلاوةَ تدبرٍ وتفهُّمٍ واسترشادٍ بما فيه من الآيِ والذِّكر الحكيم، وعلى هذا تتابع المسلمون، وعلى هذا تتابع المسلمون جيلًا بعد جيل، وقرنًا بعد قرن، وحُفظ عن السلف الصالح وعن عبادِ الله الصالحين ختمُهم للقرآن الكريم، منهم مَن يختم في الشهر الكريم أكثر من مرة، ثلاثًا أو أربعًا، ومنهم من يكون بين ذلك، والموفَّق مِن المؤمنين مَن لا ينسلخ هذا الشهر الكريم إلا وقد مرَّ على هذا القرآن العظيم فقرأه وتدبَّره، وقد قال أميرُ المؤمنين عثمان رضي الله عنه: "لو طهُرت قلوبُكم لَمَا شبِعَت من كلام ربكم"، وإن الإنسان ليستحيي من ربه أن يكون نظره في شاشة جواله أكثرَ من نظره في ورقات مصحف ربه، إن الإنسان ليستحيي أن يكون نظره في الشاشات في التلفزة أو في بعض وسائل الإعلام المقروءة أكثرَ من نظرِه في صحف هذا القرآن الكريم، والموفَّق مَن كان له حزبُه، فلا ينقضي هذا الشهر إلا وقد عظُمَت صلتُه بالقرآن، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، وبعدُ أيها الإخوة الكرام:

فمع هذه الفرص العظيمة التي يشترك فيها أشياءُ عديدة، سواءٌ كانت كونيةً أو كانت في الجو العام والنسيج العام للمجتمع التي تدفع الناسَ جميعًا، وتحثُّهم على فعل الخير، ثم من بعد ذلك يُخالف أقوامٌ ولا يكونون في هذا السياق الخيِّر، هذا السياق التعبُّدي الإيماني - فإنه يستحقُّ حينئذٍ هذا الإنسان هذه الدعوة من جبرائيل عليه السلام، بل هي موافقة مطابقة، من أدرك شهر رمضان فلم يُغفر له فأبعده الله، فنعوذ بالله من هذا البُعد، ونسأله سبحانه القربَ منه ومن طاعته، إن ربي سميع مجيب، ألاَ وصلُّوا وسلموا على خير خلق الله نبينا محمد؛ فقد أمر الله بذلك فقال في كتابه العزيز:

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.

اللهم وارضَ عن خلفائه الراشدين، وعن عموم أصحابه الميامين، اللهم ارضَ عنهم وعن آلِهِم وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفر والكافرين، اللهم وعجِّلْ بنصر إخواننا في سوريا، اللهم ارفع ما نزل بهم من الضر والبلاء يا رب العالمين، اللهم وعليك بأعدائهم، اشدُدْ وطأتك عليهم، اللهم ألقِ الرعب في قلوبهم، اللهم فرِّقْ جمعهم يا قوي يا عزيز، اللهم وارحم ضعف إخواننا في بورما، اللهم ارفع ما نزل بهم من الضر والبلاء، اللهم دافِعْ عنهم يا قويُّ يا عزيز، اللهم آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيم.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا وارحَمْهم كما ربَّوْنا صِغارًا، اللهم أصلح أئمتَنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم هداةً مهتدين، غير ضالِّين ولا مضلِّين، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالَمين.

 http://www.alukah.net/sharia/0/72862/#ixzz4Aiuwt8g8