هل كان محمد رحيما؟
قلت: إن أهم مظهر للرحمة يبديه الراعي الرحيم تجاه رعيته، هو أن يعلِّمهم بناء مجتمع الودِّ والتراحم والصفاء، وهذا هو عين ما دعا إليه محمد (صلى الله عليه وسلم) رعيته بقوله: «مَثَلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى»[1].
وكان يرشد رعيته إلى كيفية تمتين هذا البناء فيقول: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»[2].
قال الأب ستيفانو: هذا قول جميل، لكن كيف تطبِّقه الرعية في الواقع؟
وأردف الأب ستيفانو قائلاً: حسبي ما حدثتني به عن مجتمع الرحمة الذي بناه محمد فأحسن البناء، واعدل بي الآن إلى الرحمة الخاصة التي تَوَجَّه بها محمد إلى فئات هذا المجتمع المسلِم، كيف علَّمها محمد الناسَ في مدرسته؟.
قلت: هذه الرحمة ذات أبواب.
قال:حدثني عنها باباً باباً.
قلت: حباً وكرامةً.
وأردفت: لقد علَّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الناس في مدرسته الرحمة في التعامل، وإنَّ مَن يمعن النظر في تعامل الناس بعضهم مع بعض، يدرك أن التعامل المالي هو الأساس في أغلب صور التعامل البشري على اختلافها وتنوعها، لذلك وُجِّهَت إليه في الإسلام عناية لا مثيل لها، مبنية على مظهرين من مظاهر الرحمة هما: السماحة في الخُلُق، والعدالة.
وأردف قائلاً: ثم ماذا علَّم محمد الناسَ في مدرسته غير هذا من أبواب الرحمة؟
قلت: لقد علَّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الناسَ في مدرسته الرحمةَ في العبادات.
قال: وهل في العبادات قسوة ورحمة؟!
قلت: أجل، فكثير من الناس يظنون أن التشديد على النفس، وإنهاك الجسم بالعبادة، والمبالغة في العزوف عن الدنيا، أمور يحبها الله سبحانه، بينما الحقيقة التي تَعلّمها الناس في مدرسة محمد، تقول غير هذا.
قال: وماذا تقول؟
قلت: تقول: إن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان أرحم بالمؤمنين منهم بأنفسهم.
قال: كيف؟
وأردف قائلاً: ثم ماذا علَّم محمد الناسَ في مدرسته غير هذا من أبواب الرحمة؟
قلت: لقد علَّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الناس في مدرسته الرحمةَ بكبار السن من الرجال والنساء. والرحمةُ بهم تعني إكرامَهم وتوقيرَهم. وقد بلغ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في هذا درجةً وصلت إلى أن قَرَن إكرامهم بإجلال الله سبحانه، فقال: «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم»[1] فأي رحمة بهم بعد هذا؟!
وكان من رحمته للكبار عامةً وتوقيرهم، أنه كان يؤكد على تقديمهم حتى في الكلام، فقد روي أن نفراً انطلقوا إليه، فبدأ أصغرهم بالكلام، فقال (صلى الله عليه وسلم): «يبدأ الأكبر»[2].
قال الأب ستيفانو: ثم ماذا علَّم محمد الناسَ في مدرسته غير هذا من أبواب الرحمة؟
قلت: لقد علَّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الناس في مدرسته الرحمةَ بالآباء والأمهات، وسماها (برّ الوالدين). وحذَّرهم من القسوة عليهما، وسماها (عقوق الوالدين).
وأردف الأب ستيفانو قائلاً: ثم ماذا علَّم محمد الناسَ في مدرسته غير هذا من أبواب الرحمة؟
وأردف قائلاً: ثم ماذا علَّم محمد الناسَ في مدرسته غير هذا من أبواب الرحمة؟.
قلت: لقد علَّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الناسَ في مدرسته الرحمةَ بالأقارب، وسمّى القرابة (الرَّحِم) وسمّى الرحمة بالأقارب (صِلة الرحم) ومهما حدثتُك عن صلة الرحم كما علَّمها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مدرسته، فلن أستطيع أن أوفيها حقها، لهذا سوف أحدثك بما يحضرني. وأول ما يحضرني حديثه عن خَلْق الرحم (القرابة):
قال الأب ستيفانو: ثم ماذا علَّم محمد الناسَ في مدرسته من أبواب الرحمة؟
قلت: لقد علَّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الناس في مدرسته الرحمةَ بالأصحاب، فقال: «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه»[1].
وكان (صلى الله عليه وسلم) دائماً يعطي من نفسه المثال الأمثل ليبين للناس فضل الرحمة بالأصحاب في حفظ الصحبة، لأن الرحمة إذا ارتحلت من بين الأصحاب، تبعتها المودَّة، وإذا ارتحلت المودَّة من بين الأصحاب، حلّ مكانها الجفاء، وإذا حلّ الجفاء بين الأصحاب، ماتت الصحبة، وتفكك المجتمع، وصار يكيد بعضه بعضاً.
وأردف قائلاً: ثم ماذا علَّم محمد الناس في مدرسته من أبواب الرحمة؟
قلت: لقد علَّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الناسَ في مدرسته الرحمةَ بالجار فقال: «خير الجيران خيرهم لجاره»[1].
وكان يُرغِّب ذلك إلى الناس ويقول: «من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يُؤذِ جارَه»[2].
وكان يقول: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم جاره»[3].
وكان يقول: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره»[4].
* * *