إذا كان هذا هو المقصود من الجهاد، فلا محالة أن يكون له حدود وآداب لابد من رعايتها، نعم،صحيح! إن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكتف بتقرير النية في الجهاد وإخلاصها لله ،ثم أرسل زمام المجاهدين وأباح لهم أن يفعلوا ما يشاءون بجامع أنهم لايريدون بذلك إلاوجه الله. لا،كلا!بل قد حدد للقتال حدوداً ولأهل الحرب حقوقا.أراك تتساءل متعجبا:للحرب حدود ،ولأهلها حقوق ؟نعم، هي كذلك ! وحق لك أن تتعجب, ولماذا لاتتعجب وقد سمعت بهذا أول مرة في تاريخ البشر؟
عن بريدة tقال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا أمّر أميرا على جيش أوسرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا.ثم قال : "اغزوا باسم الله في سبيل الله . قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تَغُلُّوا ولاتغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا . وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال –أو خلال- فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم.ثم ادعهم إلى الإسلام؛ فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم .ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين. وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك ،فلهم ما للمهاجرين وعليهم ماعلى المهاجرين،فإن أبوا أن يتحولوا منها ، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين.يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين. ولايكون لهم في الغنيمة والفيء شيء ، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم . وإذا حاصرت أهل حصن ،فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه, فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه, ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم، أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله. وإذا حاصرت أهل حصن،فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك ،فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا[1].
وعن عبد الرحمن بن عائذ قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا بعث جيشا قال: تألفوا الناس و تأتّوهم و لاتغيروا عليهم حتى تدعوهم إلى الإسلام. فما على الأرض من أهل بيت مدر ولا وبر إلا تأتوني بهم مسلمين أحبّ إلي من أن تأتوني بنسائهم و أبنائهم، و تقتلون رجالهم. [2]
وعن أبي موسى الأشعري قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا بعث أحداً من أصحابه في بعض أمره: قال: بشروا ولاتنفروا و يسروا ولاتعسروا[3].
تغييرمفهوم القتال :
النهي عن قتل غير المقاتلين:
غير المقاتلين هم الذين لايقاتلون ولايشركون في القتال عقلاً وعرفاً. منهم النساء والصبيان والشيوخ والمرضى والزمنى وأولوالضرر والجرحى والمجانين، والرهبان وأصحاب الصوامع والديار وأشباههم. قد نهى النبي (صلى الله عليه وسلم)عن قتل هؤلاء كلهم. ومما ورد في ذلك:
ولما أذن للخزرج في قتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق
وكتب ابن عباس إلى نجدة الحروري أن النبي (صلى الله عليه وسلم)نهى عن قتل الصبيان.[6]
وعن رباح بن الربيع قال: كنا مع رسول الله عليه وسلم في غزوة, فرأى الناس مجتمعين على شيئ فبعث رجلا فقال انظروا على ما اجتمع هؤلاء؟ فقال: على امرأة قتيل، فقال "ما كانت هذه لتقاتل" وعلي المقدمة خالد بن الوليد، فبعث رجلا فقال، قل لخالد: لا تقتل امرأة ولا عسيفا.[7] والعسيف : الأجير.
وفى رواية: أدرك خالدا فقل له: إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليدا أو امرأة أو عسيفا.[8]
وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لاتقتلوا شيخا فانياً ولاطفلا صغيرا، ولاامرأة، ولاتغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا، وأحسنوا فإن الله يحب المحسنين.[9]
وقال لأصحابه قبل أن يدخلوا مكة: لا تجهزن على جريح ولايتبعن مدبر، ولا يقتلن أسير، ومن أغلق بابه فهوآمن.[10]
وذكر ابن اسحاق أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)قد عهد إلى أمرائه حين أمرهم أن يدخلوا مكة : ألايقاتلوا إلامن قاتلهم…..[11]
وعن ابن عباس قال :كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه قال: اغزوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله ،لا تغدروا ولاتغلوا ولاتمثلوا، ولاتقتلوا الولدان ولاأصحاب الصوامع.[12]
وعن ابن عباس قال أن النبي صلي الله عليه وسلم كان إذا بعث جيوشه قال: لاتقتلوا أصحاب الصوامع.[13]
النهي عن الإغارة في غرة وغفلة:
كان من إصلاحات النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحرب أنه قد نهى أن يغار على العدو وهم نائمون أو غافلون، لأن هذه الإغارةقدتجني على الأبرياء من غير المقاتلين وتذهب بأنفسهم، قد كان من عادة العرب أنهم كانوا يبيتون الإغارة، فنهى النبي (صلى الله عليه وسلم)عن ذلك لما ذكرنا. يقول أنس بن مالكt كان إذا جاء قوما بليل لم يغر عليهم حتى يصبح.[14]
النهي عن التحريق والتعذيب بالنار:
النهي عن قتل الصبر:
النهي عن سد طريق الماء على العدو:
أنا ابن الأكوع
فاستنقذتها منهم قبل أن يشربوا،فأقبلت بها أسوقها ،فلقيني النبي صلي الله عليه وسلم, فقلت:يا رسول الله ،إن القوم عطاش ،وإني أعجلتهم أن يشربوا سقيهم، فابعث في إثرهم، فقال :"يا ابن الأكوع ،ملكت فأسحج، إن القوم يقرون من قومهم".[20]
ومعنى أسحج :أحسن أو ارفق.[21]
النهي عن المُثلة:
النهي عن النُهبى[24]:
النهي عن التدمير والتخريب والفساد في الأرض:
وأمامافعله النبي (صلى الله عليه وسلم)بنخيل بني النضير،فهذابأمر
يقول تعالى}ماقطعتم من لينة[33] أو تركتموها قائمة علي أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين{[34]
يقول ابن هشام: أي فبأمر الله قطعت لم يكن فسادا ولكن كان نقمة الله.[35]
قال الطبري: ان النهي محمول على القصد لذلك، بخلاف ما إذا أصابوا ذلك في خلال القتال كما وقع في نصب المنجنيق على الطائف.[37]
وأيضا فإن اللينة لم تكن مما يقتاتون .قال السهيلي في تخصيصها بالذكر إن الذي يجوز قطعه من شجر العدو ما لا يكون مُعَدا للاقتيات, لأنهم كا نوا يقتاتون العجوة والبرني دون اللينة.[38]
النهي عن قتل الأسير:
وما زال الصحابة يمتثلون بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيما بعد. فقد روى الإمام أبو يوسف القاضي أن الحجاج أتي بأسير فقال: لعبد الله بن عمر قم فاقتله، قال ابن عمر: وما أمرنا بهذا، يقول الله تبارك و تعالى: حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق.[39]
النهي عن قتل الرسل:
النهي عن قتل المعاهد والغدر به:
النهي عن الفوضى والاضطراب:
النهي عن الصياح والصخب:
نتيجة وصايا الرسول (صلى الله عليه وسلم) وتوجيهاته للحرب:
1-لاتقتلن امرأة &n
6-ولا تعقرن شاةولابعيراًإلا
ولذلك يصف كعب بن زهير[52] صحابة رسول لله صلي الله عليه وسلم بقوله :
لايفرحون إذا نالت رماحهم
------------------------------
[1] أخرجه مسلم في كتاب الجهاد رقم 1731 و أبو داؤد 2613 وابن ماجه 2858 والبيهقي في السنن 9/49
[2] أخرجه الحارث بن أبي أسامة , انظر بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث 2/661 رقم 637, وهو مرسل .
[3] أخرجه الشيخان وقد تقدم تخريجه في الباب الرابع : مظاهر رحمته r فيما أمربه .....
[4] البخاري رقم 3014 ومسلم (1744) ومالك في الموطأ, الجهاد, رقم 9 ص447
[5] موطأ الإمام مالك , الجهادرقم 8 ص447 وسيرة ابن هشام 3/219 ولفظ مالك: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قتلوا ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان، وأخرجه البيهقي في الكبرى9/77.
[6] مسلم رقم 1812 وأحمد 1/224 و 248 و أبو يعلى 2/316 رقم 2553
[7] أبو داؤد رقم 2669 , قال الألباني حسن صحيح .
[8] انظر سيرة ابن هشام 4/100
[9] أبو داؤد رقم 2614 , ضعفه الألباني ولكن بشواهده الكثيرة يقوى , وخالد بن الفِرز الراوي , الذي من أجله ضعفه الألباني , ليس فيه ضعف شديد , قال الحافظ في التقريب هو مقبول .
[10] فتوح البلدان ص 47 (طبع القاهرة) و ص 55 طبع بيروت , رجاله كلهم ثقات , ولكنه مرسل .
[11] سيرة ابن هشام 4/50
[12] أحمد 1/300 و أبو يعلى 2/316 رقم : 2552, قال الشيخ شعيب : حسن لغيره .
[13] كتاب الخراج ص 212
[14] البخاري 2945 وانظر كتاب الخراج ص 208
[15] أبو داؤد رقم 2675, صححه الألباني .
[16] البخاري 3016
[17] البخاري 3017
[18] أحمد 5/423أبو داؤد رقم 2687, واللفظ له ,وابن حبان في صحيحه ,رقم 5609 , ضعفه الألباني , وقال الشيخ شعيب : صحيح لغيره .
[19] لقاح , جمع اللَّقحة : وهي النا قة الحلوب الغزيرة اللبن , ولا يوصف به .
[20] البخاري 3041
[21] فتح الباري 6/199
[22] أبو داؤد رقم 2667 صحيح , وقد صححه الألباني .
[23] البخاري 2474 و أحمد 4/307
[24] النهبى : النهب , وهو أخذ الشيء قهراً.
[25] أبوداؤد رقم 2707 , قال الألباني: حسن .
[26] أبوداؤد رقم 2705 , صححه الألباني .
[27] أبو داؤد رقم 3050 , وفي إسناده أشعث بن شعبة المصيصي , قد تكلم فيه , وقال الحافظ في التقريب : مقبول .
[28] البقرة 205
[29] غار الماء وغوّر : ذهب في الأرض وسفل فيها , ولايتعدى, ولعله قد يتعدى كما هنا .
[30] عقر : قطع .
[31] البيهقي في الكبرى 9/90-91
[32] انظر جامع الترمذي رقم 1552 وقال: حسن صحيح.
[33] قد اختلف المفسرون في تفسير اللينة : فقال الزهري ومالك وسعيد بن جبير وعكرمة والخليل : إنها النخل كله إلا العجوة , وقال أبو عبيدة : إنها جميع أنوع التمر سوى العجوة والبرني (انظر فتح القدير للشوكاني 5/239- 240 )ولعله المراد هنا كما يظهر من تفسير السهيلي , الذي يأتي قريبا .
[34] الحشر: 5
[35] سيرة ابن هشام 3/146
[36] انظر جامع الترمذي رقم 1552
[37] فتح الباري 6/188
[38] الروض الأنف 3/250
[39] كتاب الخراج ص 212
[40] أبو داؤد رقم 2762, حديث صحيح .
[41] البخاري رقم 3166 وابن ماجه رقم 2686 وعنده عن أبي هريرة نحو ذاك رقم 2687
[42] مسلم (1738)
[43] الترمذي رقم 1580, وقال :هذا حديث حسن صحيح .
[44] أحمد 4/193 واللفظ له , وأبو داؤد 2628 , وابن حبان في صحيحه رقم 2690 , وقال الألباني : صحيح
[45] أحمد 3/441, وأبوداؤد 2629واللفظ له ,وحسنه الألباني , وفي المسند في أوله : نزلنا على حصن سنان بأرض الروم مع عبد الله بن عبد الملك فضيق الناس المنازل وقطعوا الطريق , فقال معاذ : أيها الناس إنا غز ونامع رسول الله r غزوة كذا وكذا الخ .
[46] اربعوا على أنفسكم : ارفقوا بأنفسكم.
[47] أي إنكم تدعون الله وهو ليس بأصم ولاغائب.
[48] البخاري 2992
[49] الموطأ الجهاد (10) ص: 447 والسنن الكبرى للبيهقي 9/89
[50] بالحاء المهملة: حيوان العسل، وقد روي بالخاء المعجمة.
[51] من التفريق قال الأبهري : رجاء أن يطير فيلحق بأرض المسلمين فينتفعون بها (شرح الزرقاني على الموطأ3/16) وقد روي تغرقنه بالغين المعجمة, وهو أنسب بلفظ النخل بالخاء المعجمة , لأنه يقال : إن الماء إذا ارتفع على رأس النخلة فإنها تموت , كما أن الإنسان كذلك (أوجز المسالك شرح موطأ مالك 9/86 (.
[52] في آخر قصيدته المشهورة بقصيدة البردة أو قصيدة بانت سعاد .