Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          رأفته بأمته صلى الله عليه وسلم:

من شفقته بأمته صلى الله عليه وسلم ،  ما روته عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال:(اللهم من وليَ من أمرِ أمتي شيئاً فشقَّ عليهم فاشقُق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به) رواه مسلم

 

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
Rahiyma

وأردف قائلاً: ثم ماذا علّم محمد الناسَ في مدرسته من أبواب الرحمة؟

قلت: لقد علَّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الناس في مدرسته الرحمةَ بالمرأة.

وأنت تعلم أن أرقى ما ترنو إليه المرأة من الرحمة هو أن تنال حقوقها المشروعة، وأن تتحقق لها العدالة الاجتماعية بينها وبين الرجل.

قال: والمساواة بينهما؟

قلت: المساواة بين الرجل والمرأة أكذوبة.

قال: كيف؟

قلت: أنت تعلم أن المساواة المطلقة بين أي مخلوقَين أمر مستحيل، لأن طبيعة الفطرة التي فطر الله سبحانه الخلْق عليها هي التفاوت والاختلاف.. حتى بصمات الأصابع عند البشر لا يمكن افتراض التساوي فيما بينها، بل هي تختلف من إنسان إلى آخر..

وبالتالي فإن مساواة المرأة بالرجل مستحيلة، بل مساواة الرجال فيما بينهم، والنساء فيما بينهنَّ، مستحيلة، لأن المساواة تعني المساواة في الحقوق والواجبات.. وهذا غير ممكن، إذ كيف تتساوى حقوق وواجبات الطبيب، مع حقوق وواجبات المهندس، مع حقوق وواجبات المدرّس، مع حقوق وواجبات الفلاح، مع حقوق وواجبات العامل.. فكل رجل أو امرأة من هؤلاء تتناسب حقوقه وواجباته مع الدور الذي أُنيط به في هذه الحياة.. وبالتالي فللمرأة حقوق وواجبات تختلف عن حقوق وواجبات الرجل.. وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان. وإنَّ ما يقول العقل بوجوب تحقيقه، هو توفير العدالة الاجتماعية لكل من الرجل والمرأة.

قال: أصبتَ، فهذا ما يبحث عنه كل من الرجل والمرأة، لكن تلفِتهم وتنحرف بهم عنه، المخططات الخفيَّة لتجار المال والسياسة، وخادمتها المخلصة (وسائل الإعلام).

قلت: إذاً استمع معي إلى الآية القرآنية التي تَعلَّمها تلاميذ مدرسة محمد (صلى الله عليه وسلم) قبل أكثر من /1400/ عام. تقول الآية الكريمة: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾[1].

أترى هنا هضماً لحقوق أيٍّ من المرأة أوالرجل؟ أم أن كلاً منهما له من الحقوق بحسب ما قام به من الواجبات؟ أليست هذه هي الرحمة الحقيقية بالمرأة والرجل على السواء؟

قال: هذا حق، وإنه عين ما ترنو إليه المرأة الغربية اليوم ولا تجده!

قلت: لماذا لا تجده؟

قال: لست أدري، فالأمور عندنا في الغرب اليوم متشابكة، بحيث بتنا لا ندري إن كنا أنصفنا المرأة أم ظلمناها!

قلت: بل منكم من يدري.

قال: أوضِح.

قلت: تقول البريطانية الباحثة في الأديان (كارين أرمسترونغ) في كتابها (محمد): «وليس من الإنصاف أن نتهم محمداً والإسلام بكراهية المرأة، فإذا كانت النساء المسلمات اليوم يرفضن بعض الحريات التي نشعر أننا قدمناها إليهن،فلا يرجع سبب ذلك إلى العناد، بل إلى التخبط في النظرة الغربية للمرأة، وفي العلاقات بين الجنسين. فنحن ندعو إلى المساواة وإلى التحرر، ولكننا في الوقت نفسه نستغل المرأة، ونمتهنها، في الإعلانات وفي الكتابات، في الفنون الإباحية، وفي كثير من أشكال الفُرجة الشعبية، بأسلوب يستهجنه المسلمون ويتأذّون منه»[2].

وهنا بادر الأب ستيفانو إلى القول كمن يودّ الخروج من مأزق: أصبتَ، ألا تحدثني عن الرحمة بالمرأة في مدرسة محمد؟

قلت: لك ما تريد. لكن أخبرني، أتدري مَنْ خَيرُ رجال المسلمين عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟

قال: لا.

قلت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مخاطباً رجال أُمّته: «خيركم خيركم للنساء»[3]، وقال في مرّة أخرى: «خياركم خياركم لنسائهم»[4]. أهذا رحمة بالمرأة أم قسوة عليها؟

قال: بل هو رحمة بها ورأفة.

قلت: أتدري بمن كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوصي الرجال؟

قال: لا.

قلت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «استوصوا بالنساء خيراً»[5]، أهذا رحمة بالمرأة أم قسوة عليها؟

قال: بل هو رحمة بها ورأفة.

قلت: أتدري من أحبُّ الناسِ إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟

قال: لا.

قلت: روى أنس بن مالك قال: « رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) النساء والصبيان مقبلين عليه من عرس فقام - واقفاً - فقال: اللهم أنتم أحبُّ الناس إلي. قالها ثلاث مرات»[6]، أهذا رحمة بالمرأة أم قسوة عليها؟

قال: بل هو رحمة بها ورأفة.

قلت: أتدري ما أفضل متاع الدنيا للمسلم في مدرسة محمد (صلى الله عليه وسلم).

قال: لا.

قلت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة»[7]، أهذا رحمة بالمرأة أم قسوة عليها؟

قال: بل هو رحمة بها ورأفة.

قلت: أكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوصي بالنساء هذه الوصايا لو كان يعُدُّ المرأة من سَقَطِ المتاع؟

قال: لا.

قلت: بل هي عنده الركن الأساس في بناء الإنسانية، فقد علّمه ربه سبحانه أن المرأة بالنسبة للرجل هي الأم، وهي الابنة، وهي الأخت، وهي الخالة.. هي كل هؤلاء، فأمره سبحانه أن يستوصي الرجال بالنساء خيراً، فقال (صلى الله عليه وسلم): «إن الله يوصيكم بالنساء خيراً، إن الله يوصيكم بالنساء خيراً، فإنهن أمهاتكم وبناتكم وخالاتكم»[8].

* * *

وأردفت: وكان (صلى الله عليه وسلم) يعرف نظرة الكراهية الجاهلية التي كانت توجَّه إلى المولودة الأنثى في المجتمع الجاهلي. فجعل همّه أن يغيّرها، ويُحِلّ محلها نظرة المحبة والمودَّة والرحمة، وقال: «لا تَكرهوا البنات فإنهن المؤنِسات الغاليات»[9].

وكان (صلى الله عليه وسلم) قدوةً للناس في تطبيق هذا الحديث، فقد رزقه الله سبحانه أربع بنات، كُنَّ مؤنسات له، غاليات على نفسه. أَحبَّهن محبة الأب الرحيم، وسعى عليهن حتى بعد انتقالهن إلى أزواجهن.

وانطلق (صلى الله عليه وسلم) يرغّب الناس برحمة المولودات الإناث، ويبين لهم أنهن منابع الخير لآبائهن، فقال: «من عالَ ثلاثاً من بنات، يكفيهن ويرحمهن ويرفق بهن، فهو في الجنة»[10]، والجنة في الإسلام لا ينالها إلا من سعى لها سعيها..

وقال: «ما من مسلم تدرك له ابنتان فيُحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما، إلا أدخلتاه الجنة»[11].

وقال: «من كان له ثلاث بنات، فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جِدَته، كنَّ له حجاباً من النار يوم القيامة»[12]، والنار في الإسلام لا يُحجَب عنها إلا من رحِم ربُّك..

وقال: «من عال ابنتين أو ثلاث بنات، أو أختين أو ثلاث أخوات، حتى يبلغن، أو يموت عنهن، كنت أنا وهو كهاتين، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى»[13].

* * *

وأردفت: ثم كان (صلى الله عليه وسلم) قدوة للناس في كل ما قاله، فاعتنى قبل كل شيء بتعليم المرأة حتى تعرف مالها وما عليها، وبذلك تستطيع أن تتمتع بما أغدقه عليها الإسلام من حقوق.. فكان النساء إما أن يجتمعن إليه في وقت مخصوص فيبيِّن لهن ويعلِّمهن، كما في حديث أبي سعيد الخدري، قال: «قالت النساء للنبي (صلى الله عليه وسلم)، غلبَنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوماً من نفسك، فوعدهن يوماً لقيهن فيه..»[14]. وقد أثنت عليهن زوجته السيدة عائشة في طلبهن العلم فقالت: «نِعمَ النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين»[15].

وإما أن يأتينه فرادى فيسألنه ليعرفن حقوقهن فيما يعرِضُ لهن من مشكلات.. حدَّثت خنساء بنت خِذام الأنصارية: «أن أباها زوّجها وهي ثَيِّب، فكرهتْ ذلك، فأتت النبي (صلى الله عليه وسلم)، فردَّ نكاحها»[16].

وحدَّث ابن عباس: «أن جاريةً بكراً أتت النبي (صلى الله عليه وسلم)، فذكرت له أن أباها زوّجها وهي كارهة، فخيّرها النبي (صلى الله عليه وسلم)»[17].

وبسبب أن أمر زواج المرأة يُعَدُّ أهم حدث في حياتها، فقد حرص (صلى الله عليه وسلم) أن يُملّكها هذا الأمر، وينتزعه من يد ولي أمرها، سواء أكانت ثيباً أم بكراً، وجعل ذلك حقاً من حقوقها لا يجوز لأحد أن ينازعها فيه، فقال: «الأيِّم أولى بنفسها من وليّها، والبكر تُستأمر في نفسها. قيل: يا رسول الله، إن البكر تستحي أن تتكلم. قال: إذنها سكوتها»[18].

وجاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: « قلتُ: يا رسول الله، يُستأمر النساء في أبضاعهن؟ قال: نعم. قلت: فإنَّ البِكْر تُستأمر فتستحي فتسكت. قال: سكاتها إذنها»[19].

* * *

 

وجاءته امرأة في أمرٍ غير الزواج فقالت: «إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحِجْري له حِواء. وإن أباه طلّقني وأراد أن ينتزعه مني. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أنت أحق به مالم تَنكحي - أي تتزوجي -»[20].

وأردفت: وبمثل هذا تعلمت المرأة المسلمة حقوقها واحداً واحداً.. على يدي نبي الرحمة الذي كان أرحم بها من أهلها.

* * *

قال الأب ستيفانو: لقد صدق المستشرق الأمريكي (سنكس) إذ قال: «لقد أوجب محمد حماية المرأة بالاعتراف بحقوقها»[21]. وإني لأُقرّ معه بهذا، لكنني أتساءل: هل كان محمد يسلك سلوك الرحمة هذا مع نسائه هو؟ ويمتعهن بحقوق المرأة التي يعلّمها في مدرسته؟

قلت: أتودُّ أن تعرف سلوك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في بيته؟

قال: أجل.

قلت: لقد سأل أحد الصحابة السيدة عائشة زوجة النبي (صلى الله عليه وسلم) هذا السؤال، فقال: ما كان النبي يعمل في بيته؟ قالت: «كان بشراً من البشر: يفلِّي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه»[22].

وسألها آخر فقال: ما كان النبي يصنع في بيته؟ قالت: «كان يكون في مهنة أهله - أي يساعد أهله في أعمال المنـزل - فإذا حضرت الصلاة، خرج إلى الصلاة»[23].

وسُئلتْ مرة ثالثة فقالت: «كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم»[24].

قال الأب ستيفانو: لقد شهدتْ لهذا البريطانية الباحثة في الأديان (كارين أرمسترونغ) في كتابها (محمد) فقالت: «كان محمد دائماً يساعد زوجاته في الأعمال المنـزلية، وكان يعتمد على نفسه في كل شؤونه، فكان يصلح ويرقع ملابسه، ويصلح أحذيته، ويعتني بالماعز، وكان يحاول تعليم المسلمين وتربيتهم على زيادة احترام المرأة، ومما يُثبت تقبُّل الناس لرسالته، أنهم قد حفظوا التقاليد التي أرساها، في وقتٍ كان أغلبية البشر في أغلب الديانات، يستنكر اهتمام نبي عظيم بالأعمال المنـزلية»[25]. ولقد بِتُّ الآن مقتنعاً معها بما شهدتْ به.

* * *

قلت: أما عدله بين نسائه، فلم يكن يحيد عنه في حَضَرٍ ولا سَفَر، رحمةً بهن من الغيرة المعروفة بين الضرائر.. فقد كان يقسّم الليالي على نسائه، لكل واحدة منهن ليلة منه، في الحَضَر.

حدّث خادمه وصاحبه أنس بن مالك قال: «كان للنبي (صلى الله عليه وسلم) تسع نسوة، فكان يقسم بينهن، فلا ينتهي إلى المرأة الأولى إلا في تسع»[26].

وأما في السَّفَر، فكان لا يفضّل إحداهن على الأخرى في مرافقته، بل كان يُقرع بينهن، حتى تقرّ أنفسهن ويرضَين. حدّثت السيدة عائشة زوجته قالت: «كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا أراد أن يخرج، أقرع بين نسائه، فأيتهن يخرج سهمها خرج بها»[27].

* * *

وأردفت: ومن شدة لطفه مع المرأة، كان (صلى الله عليه وسلم) يعلِّم الرجال السلوك المناسب مع نسائهم، فقد حدّث خادمه وصاحبه أنس بن مالك قال: «من السنّة إذا تزوج الرجلُ البِكرَ على الثيّب أن يقيم عندها سبعة أيام، وإن تزوج الثيّب على البكر أن يقيم عندها ثلاثاً»[28].

وحتى في هذه كان يتحرى العدل بين الزوجات، فقد روت زوجته السيدة أم سلمة - وكان تزوجها ثيّباً -: أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثاً وقال: «إنه ليس بك على أهلك هوان، إن شئتِ سبّعتُ لكِ، وإن سبّعتُ لكِ سبّعتُ لنسائي»[29].

وكان من تعليمه الرجالَ العدلَ بين الزوجات، أن نفَّّرهم من الميل إلى زوجة دون الأخرى فقال: «من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقّه مائل»[30].

ومن شدة لطفه مع المرأة ورحمتها والرأفة بها، كان (صلى الله عليه وسلم) يختار الأمور التي لا تروق للمرأة من الرجل، فيوصي الرجل بعدم إتيانها، حتى لا يؤذي إحساس زوجته، فقد قال موجهاً الزوج: «لا تضرب الوجه، ولا تقبّح - أي لا تقل لزوجتك قبّحك الله - ولا تهجر إلا في البيت»[31].

* * *

وأردفت: ولعل من رحمته (صلى الله عليه وسلم) بالمرأة، أنه كان يجنّبها الأعمال الشاقة التي كان يحضّ عليها الرجل.. ومن أهم ما كان يحضّ عليه الرجالَ الجهادُ في سبيل الله. ولمّا رغبتْ بعض النساء المشاركةَ في الجهاد وحضورَ المعارك الحربية، عرضن رغبتهن بذلك عليه، فكان جوابه الرفض. روت السيدة عائشة زوجته قالت: «استأذنتُ النبي (صلى الله عليه وسلم) في الجهاد فقال: جهادكن الحج»[32].

وروت عنه في حديث آخر قالت: «سأله نساؤه عن الجهاد فقال: نِعمَ الجهاد الحج»[33].

بل إن السَّفَر يُعَدُّ من الأعمال المرهقة - وبخاصة للمرأة - وبسبب مشاقّ السفر في سالف الأيام، ومخاطر السفر في أيامنا بعدما كثرت وتنوعت أبواب الفساد.. وانتشر مفسدو المرأة والمتاجرون بها في جنبات الأرض.. ورحمة بالمرأة من أن تصيبها مشقة السفر ومخاطره.. علّم (صلى الله عليه وسلم) الناس في مدرسته فقال: «لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم»[34]. وذو المحرم هذا لا تتمثَّل مهمته في المؤانسة فقط، وإنما تتمثل بالدرجة الأولى في المعونة والحماية وردِّ غوائل السفر عنها.. وبهذا ضمن (صلى الله عليه وسلم) للمرأة أن تسافر وهي معززة مكرّمة، وأن تعود من سفرها وهي مصونة حميدة.

* * *

وأردفت: لقد كان (صلى الله عليه وسلم) يحب المرأة، يحبها أماً، ويحبّها بنتاً، ويحبها قريبة، ويحبها زوجة، أي في حالاتها كافة..

لذلك كان يرحمها ويرفق بها ما استطاع، حتى إذا كانت راكبة مركوبها، أمر السائق أن لا يسرع، كي تبقى مستمتعة بالاطمئنان والأمان[35]. فقد روى أنس بن مالك قال: كانت أم سُليم مع نساء النبي (صلى الله عليه وسلم) - في سفر - وهن يسوق بهن سوّاق. فقال نبي الله (صلى الله عليه وسلم): «أي أنجشة، رويداً سوقك بالقوارير - يعني النساء -»[36].

وانطلاقاً من هذه المحبة والرحمة والرأفة بالمرأة، كان (صلى الله عليه وسلم) يرغّب الرجال في أن يكونوا مثله في معاملتهم للنساء، ويقول: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»[37].

ويحث الأزواج على أن يتناسَوا مساوئ زوجاتهم، ويذكروا محاسنهن، كي تنتفي الكراهية من بينهم وتحل محلها الألفة والمودّة، فيقول: «لا يفْرَك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلُقاً رضي منها آخر»[38].

* * *

وهنا قال الأب ستيفانو: حسبي، فلقد بِتُّ أشدُّ على يد المؤرخ الغربي (وليم موير) حيث يقول في كتابه (حياة محمد): «ولقد كان محمد رحمة لجنس النساء الذي كان يعامَل كالأمتعة والأثاث لا غير، في جميع الدنيا»[39].

بل أقول: إن المرأة لن تجد رحيماً بها محرراً لها، مثل محمد، حتى فيما يُستقبل من الزمان.

قلت: كيف هذا؟ ووسائل الإعلام الغربية ما تنفكّ تصدح بحرية المرأة.. وحقوق المرأة.. وما إلى ذلك.

فتفكر الأب ستيفانو قليلاً ثم قال: أتدري ما هي حرية وحقوق المرأة التي ننادي بها في الغرب؟

قلت: لا.

قال: لو درستَ أوضاع المرأة الغربية اليوم دراسة جديَّة، وتعرفتَ واقعها الحقيقي الذي لا تزيفه ولا تبهرجه وسائل الإعلام، لوجدتَ أن الحق الوحيد الذي نالته المرأة الغربية من الحضارة الغربية اليوم، هو حقها في أن تخلع عنها ثيابها! وتتعرى.. وكلما أظهرت قدراً أكبر من عورتها كلما صفَّقت لها وسائل الإعلام وصاحت: انظروا كم هي المرأة متحررة عندنا! وكم نالت من حقوق..

أما إن هي سترت عورتها، فالويل لها.. ولن تدّخر وسائل الإعلام وُسعاً في اتهامها ونعتها تارة بالرجعية، وتارة بالمتخلفة، وتارة بالمكبوتة، وتارة بمعاداة الرقي والحضارة.. حتى كأن كشف عورة المرأة هو عنوان الرقيِّ والحضارةِ وتحريرِ المرأة في الغربِ!!!

قلت: كيف هذا ووسائل إعلامكم تفاخر دائماً بأن المرأة الغربية وصلت في هذه الأيام إلى أعلى درجات التعلُّم، وإلى أعلى مناصب الدولة، وإلى غير ذلك..

قال: أمّا أنّها وصلت إلى أعلى درجات التعلُّم، فلَئن قدّرتَ أن عدد حاملات درجة الدكتوراه يصل إلى المئات، بل إلى الآلاف إن شئت، فماذا جنت من هذا مئات الملايين من النساء اللواتي لم ينلن تلك الدرجة؟ لقد انضمت هذه المئات أو الآلاف القليلة إلى السيدات الأرستقراطيات القديمات.. وبقيت مئات الملايين من النساء على ما كنَّ عليه من البحث عن القوت بشتى الطرق والأساليب.. فماذا تغيَّر؟

وتابع قائلاً: وأمَّا أنَّ المرأة وصلت إلى أعلى مناصب الدولة! فكم هن اللواتي وصلن؟ إنهن لا يتجاوزن العشرات.. وحتى إن وصل عددهن إلى المئات.. فماذا جنت من هذا مئات الملايين من النساء اللواتي لم يصلن إلى هذه المناصب؟

وتابع قائلاً: ولئن قلتَ لي لقد صار لهن من يمثّلهن في المجالس النيابية - البرلمانات - ويطالب بحقوقهن. لقلت لك: إن بدعة المجالس النيابية ما هي إلا خدعة سياسية جاء بها مَكرُ المتموِّلين.. وكان الغرض منها إلهاء الناس رجالاً ونساءً بأمور الانتخابات وما ينتج عنها.. وإبعادهم عن مزاحمة المتموِّلين على مصادر الثروة.. ولو درستَ حقيقة نُظُم الحكم عند الغربيين، لوجدتها كلها ترتبط بخيوط دقيقة إلى أصابع خفية من وراء الستار.. تسيِّرها وتوجهها كيفما شاءت.. هي أصابع بيوت المال والاقتصاد.. من شركاتِ ومؤسساتِ صناعاتِ الأسلحة، وصناعاتِ البترول، وصناعاتِ الذرّة، إلى غير ذلك.. ولهذا فالدَّور الفاعل في المجالس النيابية، يكون لمن وصلوا إليها عن طريق بيوت الأموال.. أما الآخرون، فلإكمال اللوحة فقط.

قلت: لن أعلّق على كلامك أيها الأب ستيفانو، فرَبُّ الدار أدرى بما فيها.

* * *

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] الأحزاب/35.

[2] ص 354 - ولعل من المآسي البشعة التي أوقعتها (دعوة تحرر المرأة الغربية) بالمرأة، إقفال باب الزواج في وجهها! فقد جاء في رسالة (أمريكا دولة تحكمها العصابات) للصحفيَّين الأمريكيين (جاك ليب - لي مورتيمر): «وقد كان من جراء الحرية المطلقة التي نالتها المرأة - الغربية - أن نشأت عدة صعوبات اقتصادية واجتماعية أبرزها وأشدها خطراً، إعراض الرجل الأمريكي عن الزواج لا سيما من الفتيات اللاتي يدعين التحرر و الانطلاق مع أهوائهن، لأنهن في نظره غير صالحات لتكوين أسرة وتربية أطفال.

وهكذا ازدادت أزمة الزواج تعقيداً، وارتفع عدد الفتيات العازبات بضعة ملايين أيضاً. وإذا أمعنا النظر في سبب استفحال هذه المشكلة الاجتماعية، تبيّن لنا أن سبباً آخر يأتي في الطليعة، وهو أن الرجل الأمريكي راح يعمد إلى أهون الوسائل لإشباع غرائزه الجنسية... فالمرأة متوفرة له في جميع الأماكن التي يرتادها، سواء في المكتب أو النادي، في الحانة أو المطعم، أو على شواطئ البحر، فيختار لنفسه الفتاة التي تحلو له، ويتخذها= =عشيقة لمدة من الزمن، فلا ترهقه بطلباتها ونفقاتها. حتى فتيات الجامعات والكليات أصبحن يزاحمن خادمات المطاعم والحانات.. والمومسات!! والرجل الأمريكي العادي يفضّل هذا النوع من النساء..

وخلال رحلتنا في الولايات المتحدة لاحظنا أن بيوت الدعارة الرسمية قد قلّت بشكل ظاهر، وقد يتبادر إلى الأذهان أن ذلك شيء ناتج عن تغلب الفضيلة في بلادنا على الرذيلة!.. ولكن الحقيقة المؤلمة عكس ذلك تماماً، فقد تعرضت تلك البيوت لمزاحمة شديدة من قبل الفتيات وطالبات المتعة والمومسات السريّات، فقضت على قسم كبير منها بالخراب والإقفال!

وفي السنين الأخيرة نشأت وسائل حديثة سادت مع عصر الذرّة والسرعة جنباً إلى جنب، فأصبح هناك (فتيات طريق) و(فتيات رحلات) و (فتيات تحت الطلب) يمكن الاتصال بهن بواسطة رقم معين للهاتف!

وفي المدن الأمريكية الكبيرة، كشيكاغو مثلاً، يشرف على هذا النوع من الفتيات بائعات الهوى، عصابة لها مقر معين، تقدم للفتيات السيارات والبيوت، أو الفنادق الفخمة، وجميع أنواع الخمور، ويجوب= =رجال هذه العصابات أمريكا من أقصاها إلى أقصاها بحثاً عن فتيات بائعات جميلات، لتلبية طلبات الزبائن الملحة..

وعلى الرغم من حملات رجال البوليس الاتحادي في مكافحة الرقيق الأبيض، ففتيات هذا النوع ما زلن يعملن بهدوء، دون أن يتمكن رجال الشرطة من التدخل للحدّ من فسقهن وفجورهن.» ص 26 ترجمة حبيب نحولي.

[3] صحيح وضعيف الجامع الصغير للألباني الحديث رقم 5627 وقال عنه: صحيح - وانظر في السلسلة الصحيحة الحديث رقم /285 - وفي صحيح الترغيب والترهيب الحديث رقم /1925.

[4] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /284.

[5] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /1997.

[6] صحيح البخاري الحديث رقم /3501.

[7] صحيح مسلم الحديث رقم /2668.

[8] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /2871.

[9] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /3206.

[10] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /2492.

[11] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /2776.

[12] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /294.

[13] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /296.

[14] صحيح البخاري الحديث رقم /99.

[15] صحيح البخاري الحديث رقم /127.

[16] صحيح البخاري الحديث رقم /6432.

[17] صحيح وضعيف سنن ابن ماجه للألباني الحديث رقم /1875 وقال عنه: صحيح.

[18] صحيح وضعيف سنن ابن ماجه للألباني الحديث رقم /1870 وقال عنه: صحيح.

[19] صحيح البخاري الحديث رقم /6433.

[20] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /368 وقال عنه: حسن.

[21] عن كتاب (محمد في نظر فلاسفة الغرب) لمحمد فهمي عبد الوهاب ص 42.

[22] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /671.

[23] صحيح البخاري الحديث رقم /635.

[24] صحيح وضعيف الجامع الصغير للألباني الحديث رقم /9068 وقال عنه: صحيح.

[25] ص 355.

[26] صحيح مسلم الحديث رقم /2656.

[27] صحيح البخاري الحديث رقم /2666.

[28] انظر في صحيح مسلم الحديث رقم /2654.

[29] صحيح مسلم الحديث رقم /2650.

[30] مختصر إرواء الغليل للألباني الحديث رقم /2017 وقال عنه: صحيح.

[31] مختصر إرواء الغليل للألباني الحديث رقم /2033 وقال عنه: صحيح.

[32] صحيح البخاري الحديث رقم /2663.

[33] صحيح البخاري الحديث رقم /2664.

[34] صحيح البخاري الحديث رقم /1024.

[35] كان المركب الأشهَر والأهنأ للمرأة في الماضي هو الهودج المحمول على الجمل، تركب فيه المرأة ويسوق الجملَ سائقه. وكانت قوافل الجمال لا تخلو من حادٍ يحدو الإبل كي تسرع في السير، وكان لرسول الله r حادٍ اسمه (أنجشة) إذا حدا أسرعت الإبل، وربما إذا زادت سرعتها آذت راكبة الهودج.

[36] صحيح مسلم الحديث رقم /4289.

[37] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /285 وقد ورد هذا الحديث في معرض الكلام عن النساء.

[38] صحيح مسلم الحديث رقم /2672.

[39] عن كتاب (محمد في نظر فلاسفة الغرب) لمحمد فهمي عبد الوهاب ص 46 – ويقول المستشرق الفرنسي (إميل درمنغم) في كتابه (حياة محمد): «إن محمداً رسول الإسلام، قد أوجدت دعوته في جزيرة العرب تقدماً غير قابل للآعتراض، سواء أكان ذلك في دائرة الأسرة، أم في دائرة المجتمع، أم في الناحية الصحية. وإن حظ المرأة قد تحسَّن، وإن الفحش، والزواج المؤقت، والمعاشرة الحرة (الزنى) قد حُظرت. وقد حُرِّم أيضاً إكراه الإماء على اتخاذ الفحش وسيلة لثراء مواليهن كما كان متبعاً في ذلك العهد» ويقول: «لقد حظر محمد في قسم الأسرى إبعاد الأطفال عن أمهاتهم».