Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

قال (صلى الله عليه وسلم): السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان. متفق عليه. وهي الأشهر التي قال (تعالى): (فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، أي أن الظلم فيها أعظم والذنب فيها أكبر .

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

ننصحك بقراءة هذا الإصدار

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
Rahiyma

وأردف الأب ستيفانو قائلاً: ثم ماذا علّم محمد الناسَ في مدرسته من أبواب الرحمة؟

قلت: لقد علّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الناس في مدرسته الرحمةَ باليتيم، فقد رغّب الناس بالتقدم لكفالة اليتيم.. حتى يضمن للأطفال الذين فقدوا آباءهم، الرعاية والتربية التي يحتاجونها حتى يبلغوا أشُدَّهم، ويصبحوا أَكْفَاء للسعي على أنفسهم، فقال: « من ضمّ يتيماً له أو لغيره، حتى يغنيه الله عنه، وجبت له الجنة »[1].

بل هو قَرَنَ كافل اليتيم إلى نفسه فقال: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى، وفرّج بينهما شيئاً»[2].

ونظراً لما تستدرّه الرحمة باليتيم من كسرٍ لقسوة النفس، وتليينٍ لها، جعلها (صلى الله عليه وسلم) علاجاً لهذه القسوة. فقد جاءه رجل مرةً يشتكي قسوة قلبه وبُعده عن الرأفة والرحمة، فقال له: «أتحب أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يَلِن قلبك، وتدرك حاجتك»[3].

* * *

وأردفت: هذا إن كان اليتيم فقيراً لا مال له، ولا يجد من يكفله، فلكافله من الأجر والثواب ما سلف... أما إن كان اليتيم غنياً ذا مال، وتسابق ذوو النفوس الضعيفة لكفالته من أجل ماله، فقد سدّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الطريق عليهم، وحذَّرهم عاقبة أكل مال اليتيم، فقال: « اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله، وما هنَّ؟ قال: الشرك بالله، والسحر،وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات »[4].

وهكذا صار أكل مال اليتيم مقروناً بالشرك بالله، وغيرِه من الأمور التي تهلك صاحبها. وكان هذا التحذير كافياً لإحجام ذوي النفوس الضعيفة عن الطمع في مال اليتيم.

قال الأب ستيفانو: لقد صدق المؤرخ الغربي (وليم موير) في كتابه (حياة محمد) إذ قال: «نعمْ.. كان محمد رحمة حقيقية لليتامى»[5].

* * *

قلت: أما أصحاب النفوس السليمة السويّة مِن كَفَلة الأيتام، فقد كان لهم مع مال اليتيم شأن آخر. روى ابن عباس قال: «لما أنـزل الله عز وجل ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾[6] و﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً﴾[7] انطلق من كان عنده يتيم، فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يَفضُل من طعامه، فيُحبس له حتى يأكله أو يَفسد. فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك للنبي (صلى الله عليه وسلم)، فأنـزل الله عز وجل: ﴿وَيَسْأَلُونََ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾[8] فعادوا فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم»[9].

فقال الأب ستيفانو: لقد كان من حسن حظ محمد، أنه وُفِّق بمجموعة من التلاميذ يحاسبون أنفسهم قبل أن يُحاسَبوا.

قلت: إنه الإسلام أيها الأب ستيفانو، فقبْله كان هؤلاء التلاميذ شأنهم شأن غيرهم..

قال: صدقت.

* * *

قلت: وتتالت آيات القرآن الكريم تحض على الرأفة والرحمة باليتيم، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾[10].

وتجعل توفير الطعام له من الأمور التي يَشكر بها المؤمنُ ربَّه على نِعمه عليه، قال تعالى: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ{14} يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ﴾[11].

وتمتدح من يتصدق بماله المفضَّل لديه، على الأقرباء واليتامى والمساكين من المحتاجين، قال تعالى: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ..﴾[12].

وتنهى عن القسوة على اليتيم وتذمُّ من يقترفها بحقه، قال تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ{1} فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾[13].

* * *

وأردفت: ثم تتالت آيات القرآن الكريم تبين أحكام كفالة اليتيم، وتحفظ له ماله، رحمةً به ورأفة، ريثما يبلغ أشده، ويشتد عوده، ويصبح قادراً على إدارة شؤون نفسه بنفسه.

وهنا بادر الأب ستيفانو قائلاً: ومتى يبلغ اليتيم أشُدَّه، ويصبح كفْئاً[14] لأن يدير شؤون نفسه بنفسه؟

قلت: لقد وضع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حداً لِسِنِّ اليُتم، إذا بلغه اليتيم انتهى يُتمه، وصار مكلَّفاً.

قال: وما هو حدُّ سنِّ اليُتم؟

قلت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «لا يُتْم بعد الاحتلام»[15].

* * *

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /2882.

[2] صحيح البخاري الحديث رقم /4892-5546 – والسلسسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /800.

[3] صحيح وضعيف الجامع الصغير للألباني الحديث رقم /80 وقال عنه: صحيح.

[4] صحيح البخاري الحديث رقم /2560.

[5] عن كتاب (محمد في نظر فلاسفة الغرب) لمحمد فهمي عبد الوهاب ص 46.

[6] الأنعام /152 - الإسراء/34.

[7] النساء/10.

[8] البقرة /220.

[9] صحيح وضعيف سنن أبي داود للألباني الحديث رقم /2871 وقال عنه: حسن.

[10] الضحى /9.

[11] البلد/14-15.

[12] البقرة /177.

[13] الماعون /1-2.

[14] كلمة كفء: يجوز فيها تسكين الفاء وضمها، فإن سكِّنت كتبت همزتها مع تنوين النصب على نبرة (كفْئاً)، وإن ضُمت، كتبت همزتها مع تنوين النصب على واو (كُفُؤاً).

[15] صحيح وضعيف سنن أبي داود للألباني الحديث رقم /2873 وقال عنه: صحيح.