Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-       وصايته بالوالدين:

عجباً لمن يطلب الجنة كيف يغفل عن طلبها في مكانها الصريح، فقد جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرك؟ فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم، قال: (فالزمها فإن الجنة تحت رجليها). رواه النسائي. وفي رواية لغيره: ألك والدان؟ قلت: نعم، قال: الزمهما فإن الجنة تحت أرجلهما. قال المنذري: "إسناده جيد". وأصله في الحديث الصحيح: (ففيهما فجاهد) .

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

ننصحك بقراءة هذا الإصدار

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
m004.jpg

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: " ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر الله لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرِّين الذين يُصِرُّون على ما فعلوا وهم يعلمون" ([1]).

مظهر الرحمة:

وهذه عبارة جامعة تشمل كل ذي روح.. بشراً كان أو حيواناً.

قال المناوي في شرح الحديث: " لأن الرحمة من صفات الحق التي شمل بها عباده فلذا كانت أعلامًا اتَّصف بها البشر، فندب إليها الشارع في كل شيء حتى في قتال الكفار والذبح وإقامة الحجج وغير ذلك.. ( ويل لأقماع القول) أي شدَّة هلكة من لا يعي أوامر الشرع ولم يتأدَّب بآدابه، والأقماع بفتح الهمزة جمع قِمَْع: الإناء الذي يجعل في رأس الظرف ليملأ بالمائع، شبَّه استماع الذين يستمعون القول ولا يَعُونَه ولا يعملون به بالأقماع التي لا تعي شيئاً مما يفرغ فيها، فكأنه يمر عليها مجتازاً كما يمر الشراب في القمع.. (ويل للمصرين) على الذنوب أي العازمين على المداومة عليها الذين يقيمون عليها، فلم يتوبوا ولم يستغفروا في حال علمهم بأن ما فعلوه معصية، أو يعلمون بأن الإصرار أعظم من الذنب، أو يعلمون بأنه يعاقب على الذنب"([2]).

مظهر الرحمة:

وكأنه (صلى الله عليه وسلم) جعل الرحمة سياجاً لكل تصرفاتنا في أقوالنا وأفعالنا ومواقفنا، وأن نتذكر الرحمة في كل لحظة؛ لأننا عرضة في كل شيء إلى أن نتعدَّى ونجور ونظلم، فكان هذا التوجيه الكريم لندرأ عن أنفسنا به معرَّة الغلظة ونتائج الصَّلف.

وعن أبي هريرة (رضي الله عنه): أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: " بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش، فنزل بئرًا فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثَّرى من العطش فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خُفَّه، ثم أمسكه بفيه، ثم رقى فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له. قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرًا ؟ قال: في كلِّ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ " ([3]).

مظهر الرحمة:

هذه الرحمة بالكلب فكيف بالإنسان، وهذه قاعدة عامة لا علاقة لها بنوعٍ ولا دينٍ ولا حال، فحتى ولو كان خصماً أو عدواً؛ فإن الإحسان لا نهاية لصوره فكيف إذا رتَّب على ذلك ثواب عظيم، ومغفرة من الله تعالى لمن مثل هذا الخلق الكريم.

وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " بينما كلبٌ يطيف برِكْيةٍ (أي يدور حول بئر) كاد يقتله العطش، إذ رأته بغيٌ من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقَها ( أي خفَّها) فسقته فغُفِرَ لها به " ([4]).

مظهر الرحمة:

إن الذنوب الموبقة تحتاج إلى توبة خاصة، وفي هذا الموقف مجردُ فعلِ المعروف بدافع الرحمة والشفقة غفر الله لها ذنباً من أعظم الذنوب، هذا وهي لم تعلم بهذا الأجر فكيف لمن عرف ذلك.. إنها أبواب ومخارج من الذنوب لمن ملك قلباً رحيماً.

وعن عبد الله بن جعفر (رضي الله عنه) قال:" أردفني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خلفه ذات يوم، فأسرَّ إليّ حديثًا لا أحدث به أحدًا من الناس، وكان أحب ما استتر به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لحاجته هدفا أو حائش نخل (النخل الصغار) قال: فدخل حائطًا لرجل من الأنصار، فإذا جمل فلما رأى النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) فمسح ذفراه (مؤخر رأسه) فسكت. فقال: من ربُّ هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل ؟ " فجاء فتىً من الأنصار فقال: لي يا رسول الله. فقال: أفلا تتق الله في هذه البهيمة التي ملَّكك الله إياها، فإنه شكى إليَّ أنك تُجيعُه وتُدئبه (أي: تتعبه)"([5]).

مظهر الرحمة:

لا نهاية لظلم البشر أنفسهم وغيرهم.. ولا نهاية لمعالم الإسلام التي تجلَّت في شخص النبي (صلى الله عليه وسلم) حين لفت نظرَه حنينُ الجمل.. وله احتمالات لمن أراد التحلِّي، ولكن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يواجه الأمور بنفسه، ويفزع حين يرى بوادر.

وعن أبى أمامة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " من رحم ولو ذبيحةَ عصفورٍ رحمه الله يوم القيامة " ([6]).

مظهر الرحمة:

والمقصود بذلك أسلوب الذبح وملابساته. فلا أقلَّ من أن ترفق بمن تريد ذبحه.

قال المناوي: "خصَّ العصفور بالذكر لكونه أصغر مأكول ينذبح، وإذا استلزمت رحمته رحمة الله مع حقارته وهوانه على الناس فرحمة ما فوقه سيما الآدمي أولى، وأفاد معاملة الذبيحة حال الذبح بالشفقة والرحمة وإحسان الذبحة كما ورد مصرحًا به في عدة أخبار. وخرَّج أحمد خبر قيل: يا رسول الله إني أذبح الشاة وأنا أرحمها فقال: إن رحمتها رحمك الله.." ([7]).

وعن شدَّاد بن أوس (رضي الله عنه) أنه قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: " إن الله كتب الإحسانَ على كلِّ شيء. فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحدّ أحدكم شفرته، وليُرِحْ ذبيحته " ([8]).

مظهر الرحمة:

يحيط بالذبح ملابسات كثيرة منها تعصِّي البهيمة مما يستعدي عنف الجزار، وغفلته عن هذه الحالة.. وأن هذه الفريسة تريد فداَ نفسها بكل وسيلة، حتى ولو بلطم الذابح؛ فأمر هنا بالرحمة والتحمّل والرفق، فليس أشدَّ من أنك مُقدِم على ذبحها، فلا أقلَّ من أن يكون برحمة.. وإذن فالقيمة العملية بالنسبة للذبيحة..لا شيء ! ولكن القيمة العملية لك أنت..كل شيء ! وهل ثمة شيء أكبر من أن يكون لك قلب إنسان ؟!

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: " عُذِّبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النَّار. لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكلُ من خَشَاش الأرض" ([9]).

مظهر الرحمة:

قد يحصل الجفاف الروحي إلى هذا الحدِّ. ولكن الجزاء المترتب على ذلك يحقق مقصود الشارع من الاعتدال النفسي والرحمة إلى حدِّ أن تكون هذه الجريمة سبباً في استحقاق العذاب.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " إن النبي (صلى الله عليه وسلم) نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصّرد" ([10]).

مظهر الرحمة:

في الوقت الذي أباحت أو أمرت الشريعة قتل ما يؤذي فإنها جاءت بالنهي عن قتل حيوانات وحشرات وطيور لا مصلحة في قتلها، ولا أذى من وجودها، والقتل الذي يستحقُّه غيرها إثم في حقِّها، وهذه رحمة من الشارع في منع الأذى، وكفِّ التعدِّي.

وعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سفر، فانطلق لحاجته فرأينا حمّرةً (طائر صغير كالعصفور أحمر اللون) معها فرخان فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمّرة فجعلتْ تفرّش (أي ترفرف بجناحيها تقترب من الأرض)، فجاء النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: " من فجع هذه بولدها ؟ ردّوا ولدَها إليها " وفي لفظ: " اردُدْه رحمةً لها" ورأى قريةَ نملٍ قد حرَّقناها، فقال: " من حرَّق هذه ؟. قلنا: نحن، قال: " إنه لا ينبغي أن يعذِّب بالنار إلا ربُّ النار " ([11]).

مظهر الرحمة:

هذه رحمته (صلى الله عليه وسلم) بالطيور حين يخُطَفُ أولادُها فكيف بمن يخطفون الأطفال أمام ناظري أمهاتهم، إن تفرش الحمرة وتظلمها وفرك فؤادها في الأرض استدعاء قوي لكل قلب رحيم حتى أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بردِّ ولدها إليها، ومثله النهي عن إحراق بيوت النمل لما في الأمرين من العذاب. فنهى عن ذلك رحمة بهذه الحشرات.. فكيف بمن يحرِّقون مُدُناً على أهلها حاشا أتباع النبي (صلى الله عليه وسلم) من كل عملٍ غشُومٍ وظلُومٍ.

وعن أنس بن مالكٍ (رضي الله عنه) أنه دخل دار الحكم بن أيوب فرأى غلماناً – أو فتياناً – نصبوا دجاجة يرمونها، فقال أنس: " نهى النبي (صلى الله عليه وسلم) أن تُصبر البهائم " ([12]).

وفي هذا المعنى عن ابن عباس: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: " لا تتخذوا شيئاً فيه الروح غرضًا" ([13]). أي: لا تتخذوا الحيوان الحيَّ غرضًا ترمون إليه.

مظهر الرحمة:

إذا كان من المباح لنا الانتفاع بهذه الطيور ونحوها بالطريقة الشرعية في الذكاة. وتحاشي أن ترى أختها فإن العبث والتعلم والمزاح يُمنع في الشريعة في أساليب الذكاة. رحمةً بهذه المخلوقات؛ لأنه ليس إجهازاً حاسماً وكم في روغان السَّهم عن الهدف من إفزاع وإزعاج وترويع؛ فنهى النبي (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك رحمةً بها.

وعن جابر (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) مرَّ عليه حمار قد وسم في وجهه فقال: " لعن الله الذي وسمه" ([14]). ورأى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حمارًا موسوم الوجه فأنكر ذلك. قال: فوالله لا أسِمُه إلا في أقصى شيء من الوجه، فأمر بحمار له فكوى في جاعرتيه، فهو أول من كوى الجاعرتين" ([15]). ولأبي داود عن جابر (رضي الله عنه): " أن النبي (صلى الله عليه وسلم) مر عليه بحمار قد وسم في وجهه فقال: " أما بلغكم أني قد لعنتُ من وسم البهيمة في وجهها، أو ضربها في وجهها ؟ فنهى عن ذلك" ([16]).

مظهر الرحمة:

كما أنه (صلى الله عليه وسلم) نهى عن لطم الوجه فكذلك نهى عن الوسم فيه؛ لما في ذلك من الأذى؛ ولأنه مجمع الحواس، ولأن الوجه أرقُّ المناطق في الجسم، وحتى يحقق الأمر فعل ذلك حيث توَّلى وسم حماره في موطن مهيَّأ لكثرة الركوب والضرب، وبُعده عن الحواس.

ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذ يتحاشى اللعن إلا في المواقف التي تستدعي الردع، ومن ذلك هذا التعذيب الذي خلا من الرحمة، وكل ذلك رحمةً بهذه البهيمة.

وعن عمران بن حصين (رضي الله عنه) قال: أسرت امرأة من الأنصار وأصيبت العضباء (ناقة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)) فكانت المرأة في الوثاق، وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم، فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى تنتهي إلى العضباء فلم ترغ قال وناقة منوَّقة (أي علمت المشي)، فقعدت في عجزها ثم زجرتها فانطلقت، ونذروا بها فطلبوها فأعجزتهم قال: ونذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا: العضباء ناقة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقالت: إنها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فأتوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فذكروا ذلك له، فقال: سبحان الله بئسما جزتها نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها، لا وفاء لنذر في معصية، ولا فيما لا يملك العبد " ([17]).

مظهر الرحمة:

ذكاة الحيوان المأكول من الطيبات التي خلقها الله لنا، ولكن حين تربِط ذلك بشيء لا تتجلَّى فيه مقاصد الذكاة، فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) ينكر ذلك، وبيَّن أنه ليس من الجزاء بالحسنى أن تذبح من كانت سبباً في نجاتك؛ ولو كان ذلك في ذات الله. فحتى لا يجتمع على الناقة ألمُ الإجهاد في الفرار بالمرأة، وألم الذكاة بالنذر.

 

--------------------------------------------------------------------------------

([1]) البخاري في الأدب المفرد 1/138، وحسنه الألباني، ح (380).

([2]) فيض القدير، المناوي 1/474-475.

([3]) البخاري، ح (2234)، ومسلم، ح (2244).

([4]) البخاري، ح (3280)، ومسلم، ح (2245).

([5]) أبو داود، ح (2549)، وأحمد في المسند، ح (17583) 4/170، وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب، ح (2269).

([6]) البخاري في الأدب المفرد 1/138، وما بين القوسين للطبراني في المعجم الكبير، ح (7915)8/234، وحسنه الألباني، السلسلة الصحيحة، ح (27).

([7]) فيض القدير، المناوي 6/135. والحديث الذي ذكره أخرجه الإمام أحمد في المسند، ح (15630) 3/ 436، وصححه الألباني، السلسلة الصحيحة، ح (26).

([8]) مسلم، ح (1955)، وأبو داود، ح (2815).

([9]) البخاري، ح (3295)، ومسلم، ح (2242).

([10]) أبو داود، ح (5267)، وأحمد في المسند، ح (3067) 1/ 332، وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب، ح (2990). والصُّرَد: طائر ضخم الرأس أبقع أبيض البطن، يصطاد العصافير. لسان العرب، ابن منظور 3/248.

([11]) سنن أبي داود، ح (2675)، وصححه الألباني، السلسلة الصحيحة، ح (25).

([12])البخاري، ح (5194)، ومسلم، ح (1956). تصبر البهائم: الصبر معناه الحبس والقهر، وفي البهائم: نصبها للرمي. فتح الباري 1/142.

([13]) مسلم، ح (1957).

([14])مسلم، ح (2117).

([15]) مسلم، ح (2118). الجاعرتان هما حرفا الورك المشرفان مما يلي الدبر.

([16]) أبو داود، ح (2564)، وصححه الألباني، السلسلة الصحيحة، ح (1549).

([17]) مسلم، ح (1641).