Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

من صور تعامله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته أنه في غزوة المريسيع _بني المصطلق_ أوقف الجيش كله؛ لأن عقداً لعائشة انفرط منها فهي تجمع حباته من بين الرمال.

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

ننصحك بقراءة هذا الإصدار

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
al_mawsuaa_maysira.jpg

الكرم خصلة حميدة وصفة جميلة كانت محل الثناء عند العرب، وكان صاحبها محل مدحهم وإعجابهم.

الكرم يعني: سخاء الإنسان وبذله للمال لمن يحتاجه من الآخرين، واعتناءه بإكرام الضيف والإحسان إليه.

وفي مقابل الكرم البخل والشح، وهو من أسوأ الأخلاق لدى العرب، حتى كانوا يسّمون البخيل فاحشًا؛ من شدة كرههم لهذه الخصلة.

يقول عنترة أحد شعراء العرب قبل الإسلام:

أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي     عقيلة مال الفاحش المتشدد

وقد جاء في القرآن الكريم ذكر البخل بلفظ الفحشاء، قال تعالى: (البقرة: 268).

وقد أثنى القرآن الكريم على صفة الكرم في قصة نبي الله إبراهيم، وذكر القرآن قصته مع ضيفه في أكثر من موضع، قال تعالى: (الذاريات: ٢٤ – ٢٧).

عاش محمد (صلى الله عليه وسلم) في مجتمع يحب الكرم والكرماء ويثني عليهم، لكن قد فاقهم في ذلك، بل شهد له من عاصره أنه أسخى الناس وأجودهم،  فعن ابن عباسٍ قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.([1])

لقد عرف التاريخ قديمًا وحديثًا عددًا من الأثرياء والأغنياء الذين ينفقون بسخاء على المحتاجين وعلى المشروعات الاجتماعية والخيرية.

والكرم خلق جميل وسمة محمودة، مهما كانت حال الكريم المنفق، لكنه حين يكون ثريًّا غنيًّا؛ فمن السهل أن ينفق الكثير من ماله دون أن يشعر بأن هناك ما ينقصه.

أما من يكون فقيرًا، وينفق مما يحتاج إليه، فهذا غاية الكرم والجود.

ومحمد (صلى الله عليه وسلم) لم يكن ثريًّا غنيًّا، ولم يكن كرمه نتيجة امتلاكه للأموال الهائلة، بل كان ينفق مما يحتاج إليه، ويصوِّر لنا هذا الموقف جانبًا من ذلك:

عن سهل بن سعدٍ قال: جاءت امرأةٌ إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ببردةٍ فقالت يا رسول الله: أكسوك هذه. فأخذها النبي (صلى الله عليه وسلم) محتاجًا إليها فلبسها، فرآها عليه رجلٌ من الصحابة، فقال يا رسول الله: ما أحسن هذه فاكسنيها، فقال: «نعم»، فلما قام النبي (صلى الله عليه وسلم) لامه أصحابه، قالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) أخذها محتاجًا إليها ثم سألته إياها، وقد عرفت أنه لا يُسأل شيئًا فيمنعه. فقال: رجوت بركتها حين لبسها النبي (صلى الله عليه وسلم) لعلي أُكفن فيها ([2]).

ولم يكن محمد (صلى الله عليه وسلم) وهو يتصف بالكرم والسخاء ينتظر من الناس الاعتراف بالإحسان ورد الجميل، بل كان سخيٍّا كريمًا رغم ما عاناه من جهلة الأعراب وجفاتهم،عن محمد بن جبيرٍ قال: أخبرني جبير بن مطعمٍ أنه بينا هو مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومعه الناس مقبلاً من حنينٍ، علقت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرةٍ فخطفت رداءه، فوقف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: «أعطوني ردائي، فلو كان عدد هذه العضاه نعمًا لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذوبًا ولا جبانًا» ([3]).

وكرم محمد (صلى الله عليه وسلم) لم يكن قاصرًا على أصحابه القريبين منه، أو على من يرجو منهم رد الجميل، بل عمَّ كرمه الآخرين، حتى شهد له بذلك من كانوا أعداءً له.

حين دخل محمد (صلى الله عليه وسلم) مكة، عفا عن أهلها جميعًا رغم ما فعلوه من عداوة له وإيذاء، إلا ستة منهم كانت لهم سوابق من الأذى له وللمسلمين.  والذين بلغوا هذه المنزلة من العداوة له والإيذاء سيكونون أقل إنصافًا في حقه، ويزداد الأمر بعد إهدار دمائهم، وكان من بين هؤلاء عكرمة بن أبي جهل t.

فقد خرج عكرمة t هاربًا من مكة، ثم ركب سفينة يريد البعد عن جزيرة العرب كلها، فأصابتهم في السفينة عاصفٌ، فقال أصحاب السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئًا - وكان من عادة العرب أنهم يدعون آلهتهم في حال الرخاء، فإذا جاء وقت الشدة دعوا الله وحده، وأخلصوا له الدعاء - فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني من البحر إلا الإخلاص لا ينجيني في البر غيره، اللهم إن لك عليَّ عهدًا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدًا (صلى الله عليه وسلم) حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفوًّا كريمًا فجاء فأسلم([4]).

إن هذه الشهادة بالكرم والعفو من عكرمة لمحمد (صلى الله عليه وسلم) وهو لايزال في مرحلة العداوة؛ دليل آخر على أن كرم محمدٍ (صلى الله عليه وسلم) قد استفاض واشتهر، وأنه صار سمة وشعارًا يدركه ويعترف به حتى غير الموالين له، فعن المقداد قال: أقبلت أنا وصاحبان لي، وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد، فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فليس أحدٌ منهم يقبلنا، فأتينا النبي (صلى الله عليه وسلم) فانطلق بنا إلى أهله فإذا ثلاثة أعنزٍ، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «احتلبوا هذا اللبن بيننا». قال: فكنا نحتلب فيشرب كل إنسانٍ منا نصيبه، ونرفع للنبي (صلى الله عليه وسلم) نصيبه، قال: فيجيء من الليل فيسلم تسليمًا لا يوقظ نائمًا ويسمع اليقظان. قال: ثم يأتي المسجد فيصلي ثم يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشيطان ذات ليلةٍ وقد شربت نصيبي، فقال: محمدٌ يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم ما به حاجةٌ إلى هذه الجرعة فأتيتها فشربتها، فلما أن وغلت في بطني، وعلمت أنه ليس إليها سبيلٌ قال: ندّمني الشيطان، فقال: ويحك ما صنعت أشربت شراب محمدٍ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك فتذهب دنياك وآخرتك، وعليّ شملةٌ إذا وضعتها على قدمي خرج رأسي وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي وجعل لا يجيئني النوم، وأما صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت. قال فجاء النبي (صلى الله عليه وسلم) فسلم كما كان يسلم، ثم أتى المسجد فصلى، ثم أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئًا فرفع رأسه إلى السماء، فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك. فقال: «اللهم أطعم من أطعمني واسق من أسقاني»، قال: فعمدت إلى الشملة فشددتها عليّ وأخذت الشفرة فانطلقت إلى الأعنز أيها أسمن فأذبحها لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فإذا هي حافلةٌ، وإذا هن حفلٌ كلهن فعمدت إلى إناءٍ لآل محمدٍ (صلى الله عليه وسلم) ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه قال: فحلبت فيه حتى علته رغوةٌ فجئت إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: «أشربتم شرابكم الليلة؟» قال: قلت يا رسول الله! اشرب فشرب، ثم ناولني فقلت يا رسول الله اشرب، فشرب ثم ناولني، فلما عرفت أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد روي، وأصبت دعوته ضحكت حتى ألقيت إلى الأرض. قال: فقال النبي (صلى الله عليه وسلم):«إحدى سوآتك يا مقداد! ». فقلت يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : «ما هذه إلا رحمةٌ من الله، أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها». قال: فقلت والذي بعثك بالحق ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك من أصابها من الناس([5]).
يوصي أصحابه بالكرم (صلى الله عليه وسلم) :

والكرم عند محمد (صلى الله عليه وسلم) لا يقف عند مجرد تحلّيه به وتخلّقه به، بل يدعو أتباعه إلى ذلك، ويؤكد لهم هذا المعنى، ويخبر أنه سبب لمحبة الله عز وجل،فعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إن الله كريم يحب الكرم ومعالي الأخلاق، ويبغض سَفْسَافَها»([6]).

وتعلو أهمية الكرم لدى محمد (صلى الله عليه وسلم) فيربطه بالإيمان بالله واليوم والآخر، مما يجعله ليس أدبًا من الآداب الفاضلة أو خلقًا من الأخلاق الحسنة المحمودة فحسب، عن أبي شريحٍ العدوي قال: سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلم النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته. قال: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: يومٌ وليلةٌ، والضيافة ثلاثة أيامٍ، فما كان وراء ذلك فهو صدقةٌ عليه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»([7]).

والكرم كغيره من الخصال والسمات الحسنة التي قد يتصف بها الإنسان وهو يريد الثناء من الناس ومديحهم، ومن هنا يؤكد محمد (صلى الله عليه وسلم) في توجيهه لأصحابه على أهمية أن يريد الإنسان بكرمه وإحسانه وجه الله وحده لا ثناء الناس.

ولهذا يبّين (صلى الله عليه وسلم) لأتباعه أن من ينفق لأجل أن يمدحه الناس ويثنون عليه بالكرم يُعَذَّب يوم القيامة ولا ينجيه ذلك، فيذكر أن من أول من يقضى عليه يوم القيامة: «رجل وسَّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأُتِي به فعرَّفه نِعَمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبتَ. ولكنك فعلتَ ليُقال هو جَوَاد. فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه، ثم ألقي في النار»([8]).

وهذا يقود المرء إلى الطمأنينة في عمله، وألا يتأثر كثيرًا بردود أفعال الآخرين. كما أنه يقود إلى أن لا يجد الإنسان مِنَّة فيما ينفقه ويبذله، بل إن الله تعالى يؤكد في القرآن الكريم على أن من            شرط الإنفاق المقبول أن يَسْلَم من المنة على المنفَق عليه:(البقرة: ٢٦٤).

بل يجعل القرآن الكريم قولَ الإنسان للمعروف واعتذارَه الجميل خيرًا من الإنفاق المصحوب بالمن والأذى، قال تعالى:  (البقرة: ٢٦٢ - ٢٦٣).

 ([1] ) أخرجه البخاري (6)، ومسلم (2308).

([2]) أخرجه البخاري (6036).

([3]) أخرجه البخاري (2821).

([4]) أخرجه النسائي (4067).

([5]) أخرجه مسلم (2055).

([6]) أخرجه الحاكم: 1/48.

([7]) أخرجه البخاري (6019)، ومسلم (48).

([8]) أخرجه مسلم (1905).