يناير 2012
وقد بيَّن علماء الإسلام النهي عن قتل المجنون، والمريض والجريح، والأسير والسفيه والمغمى عليه، وطالِب الأمان، ومن لا يقوم دليل على أنه حمل سلاحًا وغيرهم كثير.
وبعد مئات السنين خلت من أية قيم أو أخلاق في الحروب جاءت الاتفاقية الدولية فوصلت إلى بعض تلك الأخلاقيات؛ فجاء في الاتفاقية الدولية في جنيف عام 1949م ما نصه: المــادة (3):
في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية:
لا يجوز في الإسلام اتخاذ الأسرى من المقاتلين من غير المسلمين إذا كانت بينهم وبين المسلمين معاهدة؛ لأن المعاهدة أمان، والإسلام لا يعرف الغدر.
وإذا كان محمد (صلى الله عليه وسلم) قد رتَّب وأصَّل مجموعة من الآداب والأخلاقيات في الحروب فلا بد من تكملة تلك الآداب بحقوق الأسرى، بل هذه الحقوق أولى بالتنظيم وأوجب؛ لأنك في الحرب تقاتل من يقاتلك، فأنت نِدّ له وهو كذلك، ولكن الأسير الآن بين يديك وهو الطرف الأضعف، وآسره هو الطرف الأقوى، وفعله معه يدل على خُلُقه وعلى قيمه ومبادئه، فكان لا بد من وضع القواعد كي لا تكون معاملة الأسرى وفقًا للأهواء والأمزجة وطبائع الناس.
قدَّر الله تعالى أن يستمر الحق والباطل في صراع ، فلا تعايش بينهما، فالحق والباطل نقيضان لا يجتمعان، وكل منهما يسعى إلى إزالة الآخر من الوجود.
وكان من الطبيعي جدًّا أن يسعى قوم دومًا إلى قتل أهل الحق، وهذا ما حدث مع محمد (صلى الله عليه وسلم) فقد تعرض لمحاولات عديدة لاغتياله والقضاء عليه وعلى دعوته، بل بدأ الأمر مبكرًا جدًّا منذ مولده (صلى الله عليه وسلم):
القبيلة:
جاء محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى مجتمع قبلي كانت القبيلة فيه تمثِّل كل شيء، كان الرجل يموت ويحيا من أجل قبيلته، كانت القبيلة هي التي تمثِّل الوحدة الأساسية والكيان الذي يجتمع الناس حوله.
والحروب والصراعات والمعاهدات والسلم كلها تتم من خلال القبيلة، بل إن الدين الذي يختاره الإنسان لنفسه يتأثر بالقبيلة، فقد كان لكل قبيلة أصنام خاصة بها تعبدها وتلجأ إليها.
جاء محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى هذا المجتمع القبلي وهو يحمل الدعوة إلى تصحيح العقيدة وتعليم الناس عبادة ربهم، وفي الوقت نفسه جاء بإصلاح الأوضاع الاجتماعية.
الحقوق الاجتماعية:
وأكد محمد (صلى الله عليه وسلم) على العديد من الحقوق الاجتماعية التي تُشيع المحبة والمودة بين أبناء المجتمع، وتجمع قلوبهم،فعن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة t قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: «حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس» ([16]).
وعن البراء بن عازب t قال: أمرنا النبي (صلى الله عليه وسلم) بسبع، ونهانا عن سبع، أمرنا باتباع الجنائز، وعيادة المريض، وإجابة الداعي، ونصر المظلوم، وإبرار القسم، ورد السلام، وتشميت العاطس»([17]).