Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

- يقول حسان في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم:

أغرّ  عليه للنبوة خاتم 

 

من الله مشهود يلوح ويشهد

وضمّ الإله اسم النبي إلى اسمه

 

إذا قال في الخمس المؤذن أشهـد

وشق لـه من اسمه ليجله

 

فـذو العـرش محمود وهذا محمد

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
m018.jpg

معلومٌ أن مقصود دعوة الرسل (صلى الله عليه وسلم) حصول الاهتداء للمدعوِّين، إذا شاء الله. فلزم ملاينة القول والفعل، وتركُ الإغلاظ والقساوة والجفاء؛ ليتحقَّق المقصود([1]).

قال ابن عاشور: " العرب أمة ٌعرفت بالأنفة، وإباء الضيم، وسلامة الفطرة، وسرعة الفهم، فلم تكن تليق بهم الشدة والغلظة لأول وَهْلَة، ولكنهم محتاجون إلى استنزال طائرهم في تبليغ الشريعة لهم، ليجتنبوا بذلك المكابرة التي هي الحائل الوحيد بينهم وبين الإذعان للحق، وصفح النبي (صلى الله عليه وسلم) وعفوه كان سبباً في دخول كثير منهم الإسلام "([2]).

والأعراب أشدُّ العرب اتصافاً بهذه الصفات، ومن خلال استقراء مواقف الرسول (صلى الله عليه وسلم) مع الأعراب، ومقارنة معاملته لهم بأسلوب اللين والرحمة مع ما جبلوا عليه من الغلظة والقسوة والجفاء نستنتج أن ظروفهم البيئية وما فرضته عليهم من طباع هي أبرز ما دعا الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى المبالغة في ملاينتهم والصبر على غلظتهم ([3]).

قال القرطبي: " غلظ القلب عبارة عن تجهُّم الوجه، وقلَّة الانفعال في الرغائب، وقلَّة الإشفاق والرحمة، ومن ذلك قول الشاعر:

يُبكى علينا ولا نبكي على أحدٍ

لنحن أغلظُ أكباداً من الإبلِ([4])

عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذ جاء أعرابيٌّ، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم): مَه مَه، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): لا تزرموه (أي لا تقطعوه) دعوه، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن. قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدَلْوٍ من ماء فشنَّه عليه" ([5]).

مظهر الرحمة:

لقد أشبع هذا الحديث شرحاً وتعليقاً بما لا يدع مجالاً لتكرار ما قيل فيه. وقد جمع النبي (صلى الله عليه وسلم) بين المشروع في حق النجاسة، وبين المشروع في حق المخطئ، جمع بين المصالح كلها..

وعن أنس (رضي الله عنه) قال: كنت أمشي مع النبي (صلى الله عليه وسلم) وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذًا شديدًا حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله قد أثرت بها حاشية البرد من شدَّةِ جبذته ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك قال: فالتفت إليه رسولُ الله فضحك، ثم أمر له بعطاء" ([6]).

مظهر الرحمة:

إن الخلقَ العظيم الذي جُبِل عليه (صلى الله عليه وسلم) وسِعَ الناسَ كلَّهم، وقد تعامل النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) مع الموقف بكل تجرد، وتذكر حال الرجل وبيئته ومطلبه، فشفع ذلك له فلم ينكر عليه؛ بل أضاف إلى المشهد (الضحك) كنوع من تلافي مضاعفات القضية؛ لأن حضور الصحابةِ هذا التصرف مدعاة لشيء من الانفعال، فامتصَّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) الشحنات كلها من الفاعل ومن الحاضرين، وختمها بالأمر بالعطاء.

وهكذا ينتهي المشهد بكل هدوء ورحابة صدر ورحمة بالآخرين، فقد يكون هذا الرجل يعيش حالة من الفقر ومشقَّة من السفر ما يُلتَمس له معها العذر.

 

--------------------------------------------------------------------------------

([1])دعوة النبي (صلى الله عليه وسلم) للأعراب، حمود الحارثي، ص 226.

([2])التحرير والتنوير، ابن عاشور 1/484.

([3]) دعوة النبي (صلى الله عليه وسلم) للأعراب، حمود الحارثي، ص 226.

([4]) تفسير القرطبي 4/248.

([5]) البخاري، ح (219 )، ومسلم، ح (285) واللفظ له.

([6]) البخاري، ح (2980)، ومسلم، ح (1057).